Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهوليوودي الذي تمثل فيه يوما حلم الرئيس الديمقراطي روزفلت

جيمس ستيوارت من كابرا وهتشكوك إلى أميركا الرجعية في خط منحدر

جيمس ستيوارث في "يا لها من حياة رائعة" لفرانك كابرا (موقع الفيلم)

في القائمة التي أصدرها معهد الفيلم الأميركي عام 1999 محدداً فيها ترتيب أعظم النجوم الذكور في تاريخ السينما الأميركية، يحل جيمس ستيوارت (1908 – 1997) ثالثاً بعد هامفري بوغارت وكاري غرانت، وهي مكانة يصعب تفسير التناقض بينها وبين العدد الضئيل من الأوسكارات التي حاز عليها ستيوارت أو حازت عليها أفلامه، كما أنها مكانة تتناقض مع الموقف الذي اتخذه أبناء قريته انديانا بولاية بنسلفانيا عام 1995 حين عارضوا مشروعاً للبلدية يقضي بإقامة متحف لذكراه في تلك البلدة التي ولد فيها، لكن المتحف أقيم بل إن مطاراً في المقاطعة بات يحمل اسمه منذ سنوات.

والحال أن في إمكاننا أن نعزو التكريمات التي نالها ستيوارت خلال سنواته الأخيرة، ثم بعد رحيله إلى مرحلة مبكرة نسبياً من مساره المهني حين تمكنت بضعة أفلام من إخراج الروزفلتي العريق فرانك كابرا، أن تعطيه أدواراً وسمته بمسحة تقدمية، لا شك في أنه ندم عليها لاحقاً حين صار من غلاة اليمينيين، أي تحديداً حين تحدثت بعض الأقلام عن خناقة سياسية قامت بينه وبين هنري فوندا على خلفية تقدمية الأخير الحقيقية والمقاتلة، ورجعية ستيوارت التي بالكاد قد يصدقها أحد من الذين يشاهدون أفلام مرحلته "الروزفلتية".

الخط المعاكس

مهما يكن من أمر، إذا كان هناك نجم من هوليوود يمثل الخط المعاكس تماماً للخط الذي سارت عليه السينما الأميركية، فإن هذا النجم هو جيمس ستيوارت، فلئن كان الخط الفكري للسينما المصنعة في هوليوود حكم عليها أن تبدأ كسينما محافظة تراعي ما تتصور أنه المزاج العام لجمهورها، في حين انتهت ولا تزال حتى اليوم في معظم إنتاجاتها الجادة، سينما تقدمية تطرح شتى المواضيع الفكرية والسياسية بكل جرأة، بحيث إن بعض الافلام الأميركية يكاد يعتبر الضمير الحقيقي لأميركا الواعية في مسائل مثل الهنود الحمر وحرب فيتنام و "ووترغيت" وثورات الطلبة وقضايا المرأة والملونين والتفاوتات الاجتماعية، فإن جيمس ستيوارت بدأ حياته الفنية كتجسيد لوعي شقي للحلم الأميركي المتقدم، للعصامي الذي يصنع نفسه، ولـ "فتى الكشفية" الذي تتجسد فيه ضروب التقدم الروزفلتية مدافعاً عن القضايا العادلة حتى لو أنهكته وأوصلته إلى أقصى درجات اليأس والتعب. بدأ على تلك الشاكلة لينتهي محافظاً تقليدياً يمينياً يقدم الدعم لغلاة الحكام الجمهوريين، بل للأكثر تطرفاً من بينهم كما فعل مع المرشح باري غولدووتر، أو هذا على الأقل ما يصوره الفيلم الوثائقي "جيمس ستيوارت وروبرت ميتشوم: وجها أميركا" الذي حققه غريغوري مونرو عام 2017.

أسباب للتراجع

ليس من الصعب، وبحسب هذا الفيلم، تفسير الكيفية ولا الأسباب التي جعلت ذلك "الديمقراطي المفترض" يتحول إلى "جمهوري" محافظ، فالسنّ والرقي الاجتماعي يلعبان دوراً في ذلك، ولكن يلعب دوراً أساسياً ذلك التبدل الجذري الذي طرأ على السينما الأميركية نفسها، وعلى مفهوم النجم فيها خلال العقود الأخيرة، وهو تبدل نحّى جانباً كل النجوم التقليديين المعهودين، ليخلق أنماطاً جديدة لا علاقة لها بما كان قائماً من قبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من هنا، حين رحل جيمس ستيوارت عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 1997، كان بالكاد يمكنه أن يتعرف على سينما أسهم مع آخرين في صنعها وإيصالها إلى ذروة تألقها.

 ومهما يكن، فحين رحل كان واحداً من اولئك الشهيرين الكبار الذين حين يموتون يفغر الناس أفواههم مشدوهين، لأن هؤلاء الناس كانوا قد اعتقدوهم ميتين منذ زمن بعيد.

على الطريقة السوفياتية

لو أردنا تشبيه الجزء الأكبر من مسار جيمس ستيوارت السينمائى لشبهناه بمسار "البطل الإيجابي" على النمط السوفياتي، بحسب تعبير موفق لأحد الباحثين الفرنسيين، وستيوارت كان "بطلاً إيجابياً" في عدد من الأفلام، بل في معظم أفلامه، خصوصاً في فيلمين روزفلتيين سيظلان خالدين في السينما الأميركية لفترة من الزمن طويلة ،هما "يا لها من حياة رائعة" أو"لن تأخذها معك"، المسرحية التي اقتبس منها الفيلم من إخراج فرانك كابرا الروزفلتي العريق، الذي أعطى ستيوارت كذلك بطولة الفيلم الثاني "مستر سميث في مجلس الشيوخ".

والحقيقة أن ستيوارت لو لم يمثل إلا في هذين الفيلمين لحاز مكانة كبرى في تاريخ السينما الأميركية، لكنه مثّل أكثر خصوصاً مع الفريد هيتشكوك الذي أعطاه أربعة أدوار في أربعة من أفلامه الرئيسة، فهو في "الحبل" أستاذ يكتشف جريمة يرتكبها تلميذاه الشاذان، وفي "فرتيغو" عاشق موله يفقد حبيبته لكنه يلتقيها من جديد تحت ملامح امرأة أخرى، وهو"الرجل الذي كان يعرف أكثر من اللازم"، والبطل المقعد في "النافذة الخلفية"، ذلك الفيلم الساحر الذي لعب فيه ستيوارت دور صحافي أقعده في بيته كسر في فخذه، فراح يراقب جيرانه من النافذة حتى يتوصل إلى الكشف عن جريمة قتل.

عند كبار القوم

عدا كابرا وهيتشكوك مثل ستيوارت تحت إدارة عدد كبير من أساطين الإخراج في هوليوود، من جورج كيوكر في "فيلادلفيا ستوري" إلى جون فورد إلى أرنست لوبيتش إلى دالمر دايفيز إلى أنطوني مان الذي كان ممثله المفضل في ثمانية من أبرز أفلامه، ولئن كان ستيوارت قد لعب دائماً دور البطل الإيجابي المثقف المضطهد الصبور والداعي للأفكار التقدمية، والحالم صاحب العواطف النبيلة وصاحب النزعة الليبرالية البورجوازية، أي بالاختصار الأميركي 100 في المئة، فإنه كان من الطبيعي له حين شاء بعض المخرجين أن يحققوا أفلام رعاة بقر ذات نزعة فنية بعض الشيء، أن يختاروه ليصبح راعي بقر من نوع استثنائي كما فعل جون فورد في "الرجل الذي قتل ليبرتي فالنس".

عصامية أخلاقية

ولد ستيوارت عام 1908 لأسرة تتاجر في "السيراميك"، وتابع دراسة ثانوية ناجحة، ثم درس الهندسة في جامعة برنستون، وهناك وقع في هوى المسرح ومثّل عدداً من الإدوار حتى اكتشفته الصحافية هيدا هوبر، فأخذته إلى هوليوود حيث أجريت له تجارب نجح على إثرها، منذ أول دور كبير له في فيلم "الرجل القاتل" 1935، وكان في الـ 27 من عمره، وربما يمكن القول إن ما ساعده حقاً حينها كان طول قامته، حيث كان واحداً من أطول النجوم الكبار في هوليوود بطوله البالغ أكثر من 190 سنتيمتراً، كما ساعدته تلك المسحة الرومانسية التي عرف هتشكوك تحديداً كيف يستغلها أحسن استغلال في "فرتيغو"، الفيلم الذي تزداد أهميته مع مرور الزمن بحيث بات يشغل اليوم الترتيب الأول بين أعظم الأفلام في تاريخ السينما، ناهيك عن أن كثيراً من النقاد والدارسين يقولون إنه يكاد يكون في مقدم الأفلام التي حرك فيها هتشكوك ممثليه بصورة لا سابق لها، لا سيما من خلال إدارته لجيمس ستيوارت نفسه في دور "سكوتي"، الشرطي العاشق والضائع بين امرأتين هما في نهاية الأمر امرأة واحدة، غير أن "فرتيغو" سيأتي لاحقاً، فقبله كان على ستيوارت أن يثبت مكانه وقدراته في سلسلة أفلام شعبية، وتكاد تكون ثانوية الأهمية قبل أن يكتشفه فرانك كابرا وأرنست لوبيتش معاً، وتبدأ الأدوار الجيدة بالانهمار عليه.

منذ ذلك الحين، أواخر الثلاثينيات وحتى أواخر السبعينيات، لم يتوقف ستيوارت عن العمل، فكان واحداً من كبار النجوم الهوليووديين، وإن كان عرف دائماً كيف يحافظ على صورة أنيقة راقية له، فكان أبعد النجوم عن الفضائح الشخصية وإشاعات الصحف، مما عزز "أميركيته العصامية الأخلاقية".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة