Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قلق لطغيان خطاب الكراهية على المشهد السياسي السوداني

من وسائل مكافحة هذه الظاهرة نشر ثقافة التربية الإعلامية والوطنية وتعميمها على طلاب المدارس والجامعات

كان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو دعا في وقت سابق إلى نبذ خطاب الكراهية (رويترز)

أثار انتشار خطاب الكراهية، وتسيده المشهد السياسي في السودان، مخاوف كثيرين، ما دفع أصواتاً عدة رسمية وشعبية، إلى نبذه والعمل على مواجهته، حتى لا يؤدي إلى شيطنة المجتمع، بخاصة أنه وصل مرحلة خطرة يمكن أن تقود إلى تشرذم وتفتت البلاد، بالنظر إلى أن هذا الخطاب بدأ ينال من القيم والتقاليد السودانية المتعارف عليها من تسامح وترابط وتماسك اجتماعي وسياسي.

في هذا السياق، أوضح القيادي في "حركة الإصلاح الآن" السودانية (أحد مكونات الحركة الإسلامية في السودان) أسامة توفيق، أن "انتشار خطاب الكراهية في مجتمعنا السوداني بهذا المستوى، أمر مؤسف للغاية، لأنه وجد أرضية خصبة، وبعض السياسيين لجأ إلى استغلال القبيلة والجهوية في مخاطبته الناس بالقضايا القومية، من دون مراعاة الآثار التي يمكن أن يحدثها مثل هذا الخطاب. فالكراهية تعد أخبث أنواع الأسلحة لخطورتها، لا سيما من ناحية تشرذم المجتمع، فضلاً عن أثرها على الأمن القومي للبلاد".

وعزا توفيق أسباب انتشار هذا الخطاب إلى تفشي الأمية الأبجدية والسياسية، وكذلك اتساع دائرة الفقر، وانتشار المخدرات والجهل، مبيناً أن هذا النوع من الخطاب يعد دخيلاً على المجتمع السوداني.

الخماسي المدمر

وسأل توفيق، عن مصير البلاد، في حال استمرار خطاب الكراهية، في ظل انتشار السلاح في كل مكان، قائلاً، "مصيبة المصائب أن بعض السياسيين قد يستغلون الوضع الاجتماعي الهش، إلى جانب استغلال الخماسي المدمر (الجهل، والفقر، والقبلية، والعنصرية، والجهوية)، بالتالي، إذا أطلقت أي رصاصة في العاصمة الخرطوم بدافع هذا الخطاب، فإن ما حدث في سوريا وليبيا يعد نزهة لما سوف يحدث في السودان. فالوضع الماثل قاتم، وإذا لم تفرض الدولة هيبتها سيكون مصير البلاد صعباً".

ولفت القيادي في "حركة الإصلاح الآن" إلى أن الدور الكبير لمعالجة هذا الأمر يقع على عاتق الحكومة الانتقالية، بتحريك قواتها النظامية لوضع حد لهذا الخطاب، ولو باستخدام القوة إذا استدعى الأمر، فإذا لم تتبع الدولة السودانية الحكمة، وتتدخل بصورة حاسمة، "فأخشى ألا يكون هناك بلد اسمه السودان، بخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة"، مطالباً بسن تشريعات وقوانين تعاقب كل من يمارس خطاب الكراهية بكل أشكاله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى توفيق أن الحديث عن أن خطاب الكراهية كان سمة النظام السابق، اتهام ليس في محله، ويجب عدم اتخاذ النظام السابق شماعة، معتبراً أن هذا الخطاب حول الخلاف بين العلمانية والدين إلى داخل الأسرة الواحدة، ما أدى إلى تشتتها وانقسامها، وطالب بتنحي الحكومة الانتقالية بما فيها المجلس السيادي، لعدم تمكنها من كبح جماح خطاب الكراهية المنتشر في البلاد، على أن تحل محلها حكومة تكنوقراط مستقلة، من دون أي محاصصة قبلية أو جهوية أو حزبية، على أن تفرض قانوناً للطوارئ، وأن تقوم بحسم هذه الظاهرة.

الترابط والتسامح

وأبدى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق، قلقه البالغ من تنامي خطاب الكراهية في البلاد بصورة مخيفة، لما له من تأثير على قيم المجتمع ومبادئه، ما قد يؤدي إلى وقوع أحداث وأفعال غير مستحبة، وقال إن هذا الخطاب بدأ يتداول به بشكل كبير في وسائل الإعلام المختلفة، بخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، ودعا إلى ضرورة مواجهته، محملاً المسؤولية بذلك إلى القيادات الدينية في المقام الأول، وكذلك المؤسسات التربوية والاجتماعية والسياسية، وأهمها التربوية.

دعاوى قضائية

وأشار إلى أن من أدوات ووسائل مكافحة هذه الظاهرة نشر ثقافة التربية الإعلامية والوطنية وتعميمها على طلاب المدارس والجامعات، وإضافة محتوى جديد خاص بمقاومة خطاب الكراهية، والعمل على تفعيل القوانين المحلية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، والمعهد الدولي لحقوق الإنسان، للنص في القوانين المحلية على تجريم الحض على العنف والقتل والكراهية صراحة، مع الأخذ بضوابط المادة 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والاجتماعية، حتى لا يستغل ذلك في التأثير على حرية الرأي والتعبير، وكذلك النص صراحة في مواثيق الشرف الإعلامية، مثل ميثاق الشرف الصحافي، على تجريم هذا الخطاب، بعد وضع تعريف محدد له، إلى جانب قيام المؤسسات الرسمية المعنية بالصحافة والإعلام بنشر ثقافة تنقية الخطاب الإعلامي من الكراهية والحض على العنف، واستبداله بخطابات تحض على السلام الاجتماعي والعيش المشترك، إضافة إلى تدريب الصحافيين والإعلاميين على القواعد المهنية والأخلاقية.

ونوه أستاذ العلوم السياسية إلى أهمية إعادة النظر في الرسائل المقدمة من الوسائل الإعلامية للجمهور للتأكد من خلوها من خطاب الكراهية، وقيام المؤسسات المعنية، بعمليات رصد مستمرة في الوسائط والمنتديات وغيرها لهكذا خطابات، وتوثيقها، لملاحقة مرتكبيها، إضافة إلى قيام منظمات المجتمع المدني، بتحريك دعاوى قضائية أمام المحاكم، للتعامل مع هكذا ظواهر، مؤكداً أن الاستبداد هو طريق أساس إلى خطاب الكراهية في الإعلام، فالإعلام الحر المسؤول يحمي المجتمعات من مثل هذه الخطابات البغيضة.

قبول الآخر

وكان عدد من المسؤولين السودانيين أطلقوا خلال الفترات السابقة، إشارات تحذير من مغبة السير في تأجيج خطاب الكراهية، واستخدامه سلاحاً ضد الخصوم السياسيين، ما ينعكس سلباً على المجتمع من ناحية تقويض التماسك الاجتماعي، والنيل من القيم المشتركة المتمثلة في التسامح والتنوع والسلام والاستقرار والتنمية.

وكان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي)، دعا، في وقت سابق، إلى نبذ خطاب الكراهية، مؤكداً أن السياسيين كلما فقدوا مصالحهم لجأوا للقبيلة لتحقيق أهدافهم.

كما طالب حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بالابتعاد عن إثارة الكراهية، وتداول أي خطاب يدعو إلى التشرذم، قائلاً، "يجب علينا جميعاً قبول الآخر واحترام التنوع، والعمل على محاصرة الخطاب القبلي بنشر ثقافة السلام، بخاصة بعد اتفاقية السلام التي وقعت في جوبا عاصمة جنوب السودان مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة"، لافتاً إلى الحروب التي ظل يعاني منها السودان منذ استقلال البلاد في 1956، والتي أدت إلى انفصال جنوب السودان في 2011، وعمقت الجراحات والأحزان في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق بسبب تنامي خطاب الكراهية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات