فيلم "الأب" من إخراج فلوريان زيلير، وبطولة أنطوني هوبكنز، وأوليفيا كولمان، ومارك غاتيس، وإيموجين بوتس، وروفوس سيويل وأوليفيا ويليامز. وتصل مدة عرضه إلى 96 دقيقة، وهو مصنف في فئة "سيرت 12A".
على الدوام تبدو السجالات المتعلقة بجوائز أوسكار غريبة إلى حد ما، بالنظر إلى أسلوبها الذي يسطح العمل المعني، ويختصره. وضمن هذا الإطار، في فيلم "الأب" The Father، وهو دراما آسرة عن مرض الخرف أخرجه فلوريان زيلير، يأتي أداء أنطوني هوبكنز حساساً ومألوفاً على نحو طاغ. وعلى الرغم من ذلك، فقد جرى بسهولة مطلقة تقليص حضوره كي يغدو مجرد بيدق في المعركة ضد إدارة "جوائز الأكاديمية" (الأوسكار) هذه السنة، إذ اتخذ المنتجون قرارهم المربك في نهاية أمسية جوائز "أفضل ممثل"، وذلك على أمل أن تختتم الأمسية بتكريم مرشح آخر إلى جانب هوبكنز، هو الراحل تشادويك بوسمان، بيد أن هوبكنز هو الذي فاز. وكذلك فإنه لم يحضر بذريعة بلوغه سن الـ83 ووجوده في ويلز. وبذا، اختتمت الاحتفالية على ما بدا إنه هزل مستعجل وصيحات استهجان.
وكان ذلك أمراً قاسياً بالنسبة إلى عائلة بوسمان وموقفاً صعباً وضعت فيه. كذلك لم يكن الأمر منصفاً، لا بحق هوبكنز، ولا بحق فيلم "الأب"، فهما لا يستحقان اختصار حضورهما إلى مجرد عنوان أو مقطوعة مستقبلية في سجل المعلومات العامة عن جوائز أوسكار، إذ إن زيلير ألف فيلمه بحب، مفكراً منذ البداية بهوبكنز لدور أنطوني، رجل في مرحلة متقدمة من مرض الخرف يعيش تحت رعاية ابنته آنا (أوليفيا كولمان). ولا تتمكن الابنة تحمل فكرة وضعه في مأوى، بيد أنها تجد نفسها غير قادرة على التأقلم مع حاجاته المتزايدة.
لكن زيلير لا يسمح لمشاهدي الفيلم أبداً بمعاينة الحقيقة الموضوعية المتعلقة بتلك الحال، إذ إننا نقحم كلياً وعنوة داخل رأس أنطوني. وبين المشاهد، يتبدل ترتيب شقته من دون أي منطق أو تفسير. وتحذر آنا بلطف من أنها ستنتقل إلى باريس قريباً، تاركة والدها مع لورا (إيموجين بوتس)، المتدربة في شؤون الرعاية. وفي وقت لاحق تضحك (آنا) من تلك الفكرة، كأنها الشيء الأكثر عبثية الذي سمعته في حياتها. وفي أوقات أخرى في الفيلم تظهر آنا بهيئة امرأة مختلفة كلياً (أوليفيا ويليامز). وكذلك يبدل شريكها هويته، فهو يظهر إما بأداء روفوس سيويل، أو بأداء مارك غاتيس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبني زيلير فيلمه بمساعدة كاتب السيناريو كريستوفر هامبتون، استناداً إلى نص مسرحي كتبه بنفسه. وقد عثر على طريقة سهلة، إلى درجة مخادعة، للتعبير عن الرعب "الخانق" من فقدان المرء لذكرياته. ويبدو الأمر وخيماً ومدمراً. ولا يقتصر ذلك على أولئك الذين مس الخرف حياتهم، بل أيضاً كل شخص عاش في رعب صامت من احتمال دنو الخرف منه. إذاً، ثمة رعب يتبدى في عيني كولمان، تحجبه قليلاً ستائر الابتسامات والأحاديث الشفافة والقاطعة كحد السكين.
وفي النهاية، إن أنطوني في أداء هوبكنز، هو الذي يحل في قلب مركز شريط "الأب"، وتحوم جميع مشاعر القلق والخوف والإحباط حوله. وثمة شيء مدروس جداً ودقيق في مقاربة هذا الممثل للشخصية، إذ إن أنطوني شخص مرح واستعراضي على نحو تلقائي، بل إنه شخص لا بد أن أطلق عليه مرات عدة في حياته وصف "غريب الأطوار". وكذلك ربما اعتبر أنطوني بعض العلامات التحذيرية المبكرة لمحنته المستفحلة، مجرد عادات ولمحات غريبة. وعلى نحو متزايد، يكتشف أنطوني أن كل ما تسلح به من معرفة وخبرات بناها طوال حياته، قد ذهبت أدراج الرياح. وتجعله تلك الهشاشة المفاجئة ينتكس إلى حالة تكاد تكون حالة طفولية. ويشتغل هوبكنز على وصلنا بتلك الأحاسيس والمشاعر عبر أدق التفاصيل، كحدوث إجفال مفاجئ في حركته، انضباط ذراعيه في جسمه، أو تجوال نظرات عينيه على نحو ماكر في أنحاء الغرفة. إنه عمل عميق التأثير ومهم، سواء قدر له الفوز بالجوائز أم لا.
© The Independent