Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إهمال الأثر المسيحي في تونس... جهل أم تجاهل؟

يقول باحثون إن تلك الديانة بدأت في ذلك البلد منذ القرن الثاني الميلادي واستمرت حتى القرن الرابع عشر

كاتدرائية القديس فنسان دو بول في العاصمة التونسية (اندبندنت عربية)

على الرغم من تنوعه وثرائه على المستويَين الثقافي والأركيولوجي، يبقى الأثر المسيحي في تونس مجهولاً من قبل المواطنين الذين لا يعرفون عنه الكثير إلا بعض المواقع الأثرية التي أصبحت مواقع يزورها السياح أو أمكنة للتنزه. وبقيت هذه المواقع حتى اليوم، مغرية بالنسبة للباحثين في مجال علم الآثار، من أجل تفكيك رموزها وتأكيد مرور المسيحيين بتونس منذ قرون طويلة تاركين وراءهم حضارة غامضة بقيت على رفوف الباحثين، لكن على الرغم من ذلك، توجد بعض المحاولات لتسليط الضوء على هذا الإرث وإخراجه إلى الأضواء، حيث نظمت "الجمعية التونسية لمساندة الأقليات" قبل أيام، زيارة من أجل التعريف بالإرث المسيحي في تونس، بمشاركة أطراف من المجتمع المدني الدولي وثلة من الجامعيين والباحثين في هذا المجال، وتم تصوير فيلم وثائقي يجمع أهم المواقع الأثرية ذات الصلة في تونس".
تجاهل المناهج التربوية

وقالت الكاتبة العامة لجمعية مساندة الأقليات في تونس، روضة السايبي، إنهم يحاولون في كل مرة "التركيز على الحضارات والديانات التي مرت بتونس وتركت بصمتها إلى اليوم". وبخصوص الإرث المسيحي في بلادها، لم تُخف السايبي استغرابها من "تجاهل المناهج التعليمية المحلية لهذه الحضارة التي دخلت تونس منذ  قرون"، مضيفة "للأسف، حاولوا من خلال هذه المناهج تقديم أساطير كاذبة على أنها حقيقة، على غرار أسطورة عليسة (أليسار) وجلد الثور الذي قصته وأحاطت به مدينة قرطاج للسيطرة عليها، ولم يعلمونا في مناهجنا التعليمية، بخاصة في سنوات الابتدائي والثانوي، الحقائق الثابتة، على غرار الإرث المسيحي وأهميته في بناء جانب من الثقافة والحضارة في تونس". وأكدت السايبي أنهم في كل مرة من خلال نشاطاتهم المرتبطة بمساندة حقوق الأقليات يطلبون بـ"مشاركة وزارة التربية والتعليم، لما لها من مسؤولية في تركيز قيم التسامح وأيضاً نظراً لأهمية تقديم التاريخ كما هو دون طمس للحقائق".
في المقابل، قال مدير عام المركز الوطني التربوي في وزارة التربية التونسية، رياض بن بوبكر، إنه "لا يمكن تقديم انطباعات اعتباطية في مثل هذه المواضيع بل يجب تقديم دراسة علمية تؤكد فرضية جمعية مساندة الأقليات التي تقول إن المناهج التربوية التونسية تتجاهل الإرث المسيحي في تونس". وذكر ابن بوبكر أنه "سبق أن اتُهمنا بتجاهل مبادئ حقوق الإنسان وثبت من خلال دراسة قام بها المعهد العربي لحقوق الإنسان العكس، وتبين أن المناهج التربوية التونسية تمنح هذا الجانب أهمية بالغة". أما بخصوص الإرث المسيحي فأكد ابن بوبكر أن "المناهج التعليمية التونسية تضم دروساً عدة تهتم بهذا الإرث الثري، وذلك من خلال دروس التاريخ التي تهتم بالإمبراطورية البيزنطية وأيضاً دراسة شخصيات مسيحية أسهمت في بناء تونس على غرار القديس سانت اغوستان، وغيرها من الدروس الأخرى التي لا يمكن استحضارها الآن". من جانب آخر، قال ابن بوبكر، إن تركيز الوزارة حالياً منصب على "تحيين البرامج التعليمية حتى تتلاءم مع تغييرات العصر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جدير بالذكر أن عدد المسيحيين في تونس بلغ نحو 30 ألفاً، 25 ألفاً منهم من الكاثوليك، وهم أقلية في تونس. إضافة إلى المواقع الأثرية المسيحية القديمة، تُعتبر كنيسة سان بول التي تأسست في فترة الاستعمار الفرنسي، في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، من أهم المعالم المسيحية في البلاد، وتقام فيها الصلوات والاحتفالات بكل المناسبات المسيحية، وتعد تحفة معمارية وتتخذ موقعاً استراتيجياً بالعاصمة، ومنحت الشارع الذي بُنيت فيه طابع الانفتاح والتسامح الذي تتميز به تونس ويسعى حكامها دوماً إلى إبرازه، ما جعل الكنيسة تحظى باهتمام كبير من الناحية الجمالية، عكس الكنائس الأخرى الموجودة في بعض المحافظات، التي بات بعضها مواقع أثرية يزورها السياح، بينما أصبح بعضها الآخر مهجوراً تماماً ولا دور لها، فتهاوت جدرانها بفعل الإهمال، على غرار كنيسة باب بحر في محافظة قابس (جنوب شرقي تونس) التي أُسست خلال فترة الاستعمار الفرنسي في عام 1907. بعد الاستقلال، وتحديداً عام 1956، مع هجرة  الجالية المسيحية من محافظة قابس، دخل هذا المعلَم ضمن الاتفاقية التي تسمح باستغلال الكنائس لأغراض ثقافية وقرر المجلس الجهوي منذ عام 1963 استغلال الكنيسة كمكتبة عمومية، إلا أنها أُغلقت منذ سنوات وبقيت متروكة، ووصل الأمر إلى حد نشر إعلان لبيعها بعد الثورة، ما أثار ردود فعل منددة من قبل الأهالي والمثقفين، معتبرين أنها معلماً تاريخياً يجب تثمينه.

وأكد محافظ قابس المنجي ثامر أن الكنيسة وضِعت تحت تصرف المعهد الوطني للتراث. وأسف لأن الموقع "في حالة كارثية ويتطلب كثيراً من الأموال التي لا يمكن تأمينها، من أجل ترميم الكنيسة التي تُعتبر معلماً تاريخياً مهماً". وأضاف ثامر أن "المكان يُعتبر مزاراً لبعض السياح المسيحيين الذين يزورون مدينة قابس".
مواقع أثرية مهمة

وفي محاولة لمعرفة تاريخ المسيحية في تونس، تقول مديرة عامة للبحوث في المعهد الوطني للتراث، سامية مسيهلي "لا نعرف تحديداً متى دخلت المسيحية إلى تونس لكن نعرف بأن ذلك جرى في القرن الثاني ميلادي وتحديداً في عام 150 ميلادي، وبحسب الحفريات وجِدت قبور لمسيحيين، ولدينا وثيقة في عام 180 ميلادي، تثبت وجود مقابر لضحايا الاضطهاد الذي مارسته الإمبراطورية الرومانية بحق المسيحيين في تونس آنذاك". وأضافت مسيهلي "منذ عام 380 ميلادي أصبحت المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية وتأسست أهم الكنائس التي باتت مواقع أثرية في تونس، وأهمها كنائس مدينة قرطاج في العاصمة وأيضا كنائس سبيطلة وحيدرة وتالة وغيرها من الكنائس الأثرية المنتشرة في كل التراب التونسي. كما يوجد كنائس أخرى بُنيت خلال الاستعمار الفرنسي أصبح أغلبها مراكز ثقافية لعدم وجود مسيحيين فيها".
وأفادت المسيهلي أن "الديانة المسيحية في تونس دامت منذ القرن الثاني إلى القرن 14". وزادت أن "أحد أهم المنظرين للديانة المسيحية في العالم، من أصل شمال أفريقي، على غرار سانت اغوستان". وبخصوص المناهج المدرسية واهتمامها بالمسيحية في تونس، قالت المسيهلي "قبل سنوات كان يُدرج درس يهتم بدخول الديانة المسيحية إلى تونس تم حذفه وتغييره لمنهج آخر يهتم بالمسيحية كحضارة وليس كديانة على غرار الإسلام". وأكدت أن "المعهد الوطني للتراث يبذل جهوداً كبيرة في إبراز الأثر المسيحي وغيره من خلال البحوث والحفريات الأثرية".

المزيد من منوعات