Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

3 مسارات جديدة للمحتجين العراقيين في قضية اغتيال الناشطين

تدشين وسم "كلنا نعرف القتلة" في محاولة لدفع الحكومة للإشارة الصريحة إلى المتورطين

عراقيون يطلقون هتافات في جنازة الناشط إيهاب الوزني في كربلاء (أ ف ب)

تشهد مطالبات الناشطين العراقيين انعطافة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، إذ بدأت تتحرك في مسارات واضحة ومحددة من خلال محاولات تسليط ضغط على الحكومة والبرلمان وممثلية الأمم المتحدة في البلاد لإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي يشهدها العراق وتفعيل ملاحقة المتورطين في عمليات القتل والاغتيال.

ويبدو أن قضية اعتقال القائد في الحشد الشعبي قاسم مصلح على إثر اتهامات بالضلوع في اغتيالات ناشطين، أدت إلى هذا التحول الملحوظ في نسق تعاطي الناشطين والأحزاب الناشئة عن الاحتجاجات العراقية.

وسلط الناشطون خلال الأيام الماضية ضغطاً واسعاً على بعثة الأمم المتحدة في بغداد، حيث وصلت حملاتهم إلى حد اتهام البعثة في الاشتراك أو التماهي مع قوى السلطة من خلال تدشينهم وسم "اليونامي شريكة القتلة".

ويرى مراقبون أن تلك الحملة دفعت البعثة إلى إصدار تقرير موسع يتحدث عن عمليات الاغتيال الواسعة التي شهدتها البلاد، فيما أشار التقرير إلى استمرار حالة الإفلات من العقاب بالنسبة للمسلحين الذين يقومون بعمليات التصفية تلك.

"كلنا نعرف القتلة"

وبعد فترة قليلة من حملتي "من قتلني؟" و"إنهاء الإفلات من العقاب" التي أطلقها ناشطون، دشن صحافيون وناشطون حملة جديدة في وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم "كلنا نعرف القتلة".

ويكشف ناشطون لـ"اندبندنت عربية" أن اسم الحملة اشتق من التقرير الأخير لبعثة الأمم المتحدة في العراق والذي تضمن شهادات ناشطين عن معرفتهم بالقتلة. وتأتي تلك الحملات ضمن مسار جديد يحاول فيه ناشطو الحراك الاحتجاجي تفعيل مسارات قانونية تمكنهم من الإشارة الصريحة للجهات السياسية والميليشيات المتهمة بعمليات القتل والاغتيال. 

ويرى الصحافي العراقي معن الجيزاني وهو أحد القائمين على حملة "كلنا نعرف القتلة"، أن "التحول اللافت في مطالبات المحتجين من العمومية إلى التخصيص يمثل نسقاً جديداً يعمل على إرضاخ المجتمع الدولي للتعاطي معه". 

ويشير إلى أن، التغير الحاصل في نسق المطالبات إلى هذا الشكل التخصصي "أحرج الفاعلين الدوليين ودفعهم لإصدار التقرير الأممي الأخير، فضلاً عن أنه سيمثل اختباراً حقيقياً للحكومة العراقية في إثبات صدق تحركاتها إزاء الميليشيات وبقية المتورطين بالدم العراقي". 

ويبدو أن ما يجري يمثل محاولة لـ"إنتاج لغة قانونية يفهمها العالم"، بحسب تعبير الجيزاني الذي يعتقد أن تلك المسارات القانونية "تضرب شريعة النظام العراقي أمام المجتمع الدولي الذي سيجد نفسه مرغماً على اتخاذ خيارات جادة إزاء ما يجري في العراق". 

ثلاثة مسارات جديدة 

ويبدو أن حراكاً محموماً يجري بين أوساط الناشطين العراقيين يسعى إلى الضغط في ثلاثة مسارات، يتمثل الأول بإطلاق مطالبات واضحة للحكومة بتفعيل أوامر القبض في قضايا محددة اكتملت التحقيقات بشأنها وعلى رأسها قضية اختطاف الناشط سجاد العراقي في ذي قار و"فرقة الموت" في البصرة وغيرها من القضايا. 

ويرى مراقبون أن تلك التحركات كانت السبب الرئيس في دفع لجنة تقصي الحقائق بخصوص التظاهرات العراقية إلى إصدار أوامر بتوقيف 112 منتسباً وضابطاً في القوات الأمنية، فضلاً عن أنها كانت السبب الرئيس في تحريك قضية اعتقال القائد في الحشد الشعبي قاسم مصلح.

وإضافة إلى هذا المسار، يتضمن المسار الثاني محاولات من قبل النشطاء إلى دفع البرلمان العراقي لتفعيل ملف مساءلة القادة الأمنيين في قضايا الاغتيال، وهو الأمر الذي تحرك خلال الفترة الماضية من خلال عدة كتل برلمانية بدأت بالفعل عملية جمع التواقيع. 

فيما تضمن المسار الثالث ضغوطاً على البعثة الأممية والفاعلين الدوليين لاتخاذ موقف صارم في سياق حسم هذا الملف. 

وفي ما يبدو أنه تعاط سريع من قبل بعثة الأمم المتحدة في بغداد، نشرت الأخيرة تقريراً، الإثنين في 31 مايو (أيار) الماضي، تضمن شهادات لذوي ضحايا عمليات الاغتيال.

وأشار التقرير إلى أن والد أحد المتظاهرين الذين قتلوا عام 2019 قال، "كلنا نعرف من هم القتلة إنهم ينتمون لجهات سياسية وميليشيات. لكن هل تعتقدون أن السلطات تجرؤ على ذكر أسمائهم؟". 

وتضمن التقرير توثيق 48 محاولة أو حادثة اغتيال للمحتجين والمنتقدين، خلال الفترة بين الأول من أكتوبر 2019 لغاية 15 مايو 2021. وكشف التقرير عن أن حوادث إطلاق نار قام بها "عناصر مسلحون مجهولو الهوية" أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 32 وإصابة 21 آخرين.

وتابع التقرير أن "هؤلاء المسلحين نجحوا في الإفلات من العقاب، بعد أن قاموا بخطف وتعذيب أو إساءة معاملة ما لا يقل عن 32 متظاهراً، فيما لا يزال 20 متظاهراً ممن اختطفتهم مفقودين".

العراقي إلى الواجهة من جديد 

يبدو أن المحتجين العراقيين قد غادروا الاكتفاء بالتظاهر وإعلان مطالبات عامة إلى التحرك في إطار قانوني لقضايا محددة، إذ قام صحافيون وناشطون قبل أيام بإعداد قائمة تضمنت أكثر من 35 حالة ومحاولة اغتيال في عدد من المحافظات العراقية جرت خلال السنة الأخيرة، وهو الأمر الذي ربما كان السبب الرئيس في تحفيز البعثة الأممية في بغداد لتوثيق 45 عملية اغتيال في تقريرها الأخير. 

ولم يكتف المحتجون العراقيون بهذا الحد، إذ استعرضوا من خلال منصة "كلوب هاوس" شهادات لذوي ناشطين مختطفين وآخرين تم اغتيالهم، في حين تصدرت قضية الناشط المختطف سجاد العراقي النقاشات، حيث استعرضوا أوامر قبض لم تنفذ بحق متورطين في تلك القضية. 

ودخل وسم "سجاد وين يا أبو رغيف" ليتصدر المحتوى العراقي في "تويتر" في مسعى لحث الفريق أحمد أبو رغيف رئيس لجنة مكافحة الفساد والجرائم الاستثنائية التي شكلها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى التحرك لحسم هذا الملف. 

ويجري التركيز على قضية سجاد العراقي بعد فشل الجهات الأمنية من الكشف عن مصيره على الرغم من مضي أكثر من 8 أشهر على اختطافه. 

ولعل ما يدفع الناشطون إلى التركيز على تلك القضية وضوح مساراتها ووجود متهمين اثنين صدرت في حقهما مذكرات قبض بعد التعرف عليهما من قبل شهود عيان، وينتمي أحدهما إلى إحدى أبرز الفصائل المسلحة الموالية لإيران. 

وقالت والدة العراقي في مقابلة متلفزة، إن الجهة الخاطفة "معروفة وجميع التفاصيل متوفرة لدى الأجهزة الأمنية والقضاء العراقي، حيث تعرف أصدقاؤه الذين كانوا برفقته عليهم"، مؤكدة أنها "أبلغت الأجهزة الأمنية والحكومة المحلية والمركزية بتفاصيل الحادث والجهة المتورطة بخطف سجاد ومن أي عشيرة".

وفي سياق متصل تحرك ناشطو محافظة البصرة للضغط على الحكومة لإكمال ما وعدت به بخصوص التحقيقات في قضية "فرقة الموت" المسؤولة عن اغتيال عدد من الناشطين البارزين في محافظة البصرة.

وكانت مصادر خاصة قد تحدثت في وقت سابق لـ"اندبندنت عربية" عن هروب لعدد كبير من منفذي عمليات الاغتيال تلك صوب إيران. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحملة الأكبر لتصفية مناوئي الميليشيات 

ويتحدث ناشطون عن أن عملية اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح عززت تصوراتهم بشأن الجهات المسؤولة عن عمليات الاغتيال والاختطاف في البلاد وأسهمت إلى حد كبير في تحديد شكل مطالبهم. 

في السياق، يقول الناشط البارز حسين محمود إن "قضية اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح حفزت الناشطين إلى التحرك بشكل منظم لتفعيل بقية القضايا التي توصلت التحقيقات بشأنها إلى المتهمين الرئيسيين". 

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "نحن نعرف القتلة منذ انطلاق الانتفاضة العراقية، وحادثة اعتقال القائد في الحشد الشعبي والدفاع المستميت عليه من قبل الميليشيات عززت اتهاماتها لها بالوقوف خلف الحملة الأكبر لتصفية مناوئي الميليشيات في البلاد". 

ويشير إلى أن "أصابع الاتهام باتت مصوبة بشكل مباشر باتجاه فصائل منضوية ضمن الحشد الشعبي، والشباب أصبحوا يدركون من يقتلهم، وهذا الأمر هو الذي دفعهم لإطلاق حملات ضغط على القوى الدولية والحكومة العراقية لحسم هذا الملف". 

ويؤكد محمود أن "التركيز على الجرائم التي اكتملت التحقيقات بشأنها يمثل نقطة الشروع الأولى لحسم هذا الملف ووضع حكومة الكاظمي أمام اختبار حقيقي ومفصلي هذه المرة". 

ويكشف محمود عن أنه "بالتوازي مع ما يجري من ضغط قانوني يتم الإعداد للمؤتمر الأول لقوى المعارضة في العراق"، مشيراً إلى أن المؤتمر سيركز على عدة مسارات على رأسها "تدويل كل الجرائم المرتكبة بحق العراقيين وعلى رأسها الاغتيالات السياسية وقتل المحتجين فضلاً عن حملات الإبادة الطائفية والعرقية". ويختم أن هذا المؤتمر سيكون "ممهداً لأنساق مختلفة من الضغط لحسم هذا الملف". 

تحركات لتدويل الملف العراقي

ويعتقد مراقبون أن ما يجري من تحول في تعاطي الناشطين مع ملف المتهمين بعمليات قتل واغتيال يمثل نقطة الشروع الأولى نحو تدويل القضية العراقية. 

وفي السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي علي الجابري أن "الحراك الشبابي في العراق بات يتحرك بشكل أكثر وضوحاً خلال الفترة الماضية، على مستوى تحديد المطالب التي يجب أن تصل لإسماع المجتمع الدولي من جهة والحكومة العراقية من جهة أخرى".

ويبدو أن الاحتجاجات العراقية "بدأت تجني ثمارها شيئاً فشيئاً"، كما يعبر الجابري الذي يشير إلى أن هذا الأمر تحقق من خلال "تقديم رؤى وأفكار تمس عصب النظام السياسي العراقي الذي يحتاج إلى هذه الروح الجديدة لإعادة ترتيب أوراقه وتعديل مساراته الخطأ التي أضرت بالبلاد".

ولعل الإشكالية الأبرز بحسب الجابري تتمثل في "عدم استثمار الحكومة العراقية التحركات الشبابية التي تطالب بإعادة الهيبة إلى القانون العراقي وتطبيقه على الجميع"، مبيناً أن تماهي الحكومة مع تلك المطالبات سيسهم في "تعزيز وجودها ويدفعها إلى تحقيق الالتزامات التي وعدت بها، وعلى رأسها تقديم قتلة المتظاهرين إلى العدالة وإنهاء الوجود المسلح خارج إطار الدولة". 

ويختم أن الخشية الرئيسة تتعلق بـ"استمرار محاولات الحكومة إمساك العصا من المنتصف لتجنب الصدام المباشر مع الميليشيات المسلحة حتى الوصول إلى موعد الانتخابات المقبلة".

في المقابل يعتقد الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن "القضية العراقية سائرة في اتجاه التدويل، وبات جميع الفاعلين على الساحة الاحتجاجية يدركون عدم وجود خيارات سوى تفعيل الدور الدولي". 

ويشير في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أن تحركات الناشطين العراقيين "تمثل رسالة مباشرة للمجتمع الدولي وليست لحكومة الكاظمي، لأنهم باتوا يدركون أنها حكومة عاجزة أمام إرادة الأحزاب". ويلفت إلى أن "المجتمع الدولي بات ينظر إلى الكاظمي بوصفه غير قادر على حسم ملف الميليشيات، وهو الأمر الذي ربما يدفع إلى تفعيل ملف حكومة الطوارئ من جديد".

المزيد من تقارير