Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وكالة الطاقة الدولية... ودعوتها لإنهاء الحرية في العالم

"إيجاد أنظمة شيوعية أو فاشية تتحكم في حياة الأفراد بشكل مطلق"

يشير تقرير سابق لوكالة الطاقة الدولية إلى زيادة كبيرة في استهلاك الكونغو للنفط في العقدين المقبلين (أ ف ب)

الارتفاع الشديد في أسعار السلع، خصوصاً النحاس، سببه التركيز الكبير على الطاقة البديلة، وما تتطلبه من بنية تحتية لتجديد الشبكة الكهربائية وتوسيعها، لا سيما في الدول الصناعية، ويتوقع البعض أن تستمر أسعار النحاس بالارتفاع إلى مستويات لم تكن حتى في الأحلام، أضف إلى ذلك الحاجة الماسة إلى معادن معينة لبطاريات السيارات الكهربائية مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والغرافيت.

ونتيجة لكل هذا، حدث ارتفاع كبير في كُلف الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، في وقت يتوقع أنصار التغير المناخي انخفاضاً مستمراً في كُلفها، ولكن القضية ليست قضية كُلف فقط، فالقضية أن هذه المعادن تأتي من مناجم، وهذه المناجم ليست مضرة بالبيئة فقط، وإنما تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة!

ويشير تقرير سابق لوكالة الطاقة الدولية إلى زيادة كبيرة في استهلاك جمهورية الكونغو الديمقراطية للنفط خلال العقدين المقبلين بسبب زيادة الطلب على الكوبالت، وزيادة الأنشطة في مناجم الكوبالت، والذي يستخدم في أنواع عدة من بطاريات السيارات الكهربائية. وعلى الرغم من ذكر وكالة الطاقة الدولية ذلك صراحة، إلا أن أنصار السيارات الكهربائية يتجاهلون ذلك تماماً.

الغريب في الأمر أن عدداً من الدول الأوروبية وعدداً كبيراً من كبار الشركات العالمية، أعلنت وقتاً محدد للوصول إلى الحياد الكربوني، ولكن ليس لديهم أي خطة لكيفية الوصول إليه وما كلفته، ومن سيدفع هذه الكلفة. الأمر الذي يعني أنه لا قيمة لهذه التصريحات، وأكبر دليل على ذلك أن وكالة الطاقة وجدت أنها تسد ثغرة في تقريرها الأخير، لأن هذه الدول والشركات ليس لديها أية فكرة كيف تصل إلى هدفها المنشود.

حتى رئيس شركة النفط الفرنسية (توتال)، والتي أعلنت السنة التي ستصل فيها إلى الحياد الكربوني، وأعلنت أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى ذروته قريباً، قالها صراحة إنهم أعلنوا هذه الأهداف، ولكن لا يعرفون كيف يصلون إليها، ومن سيدفع كلفتها، ربما في إشارة إلى مطالبة الشركات للحكومات بتحمل تلك الكلفة.

والآن ستجتمع الدول الصناعية الكبرى لمناقشة من سيدفع كُلف التحول الطاقي وكيف، قبل اجتماع مؤتمر المناخ في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.، والسؤال كيف تعلن هذه الدول تاريخاً محدداً للحياد الكربوني، وليس لديها أي فكرة عن الكُلف، ومن سيدفعها؟ إنه الجنون المناخي!

تداخلات قطاع الطاقة

الأمر الذي لم تفهمه وكالة الطاقة الدولية وعدد كبير ممن يسمون بخبراء سياسات التغير المناخي، هو التداخل بين قطاع الطاقة والقطاعات الأخرى كافة، والعلاقة بين سياسات الطاقة والسياسات الأخرى، بما في ذلك السياسات الخارجية وسياسات الأمن القومي.

لننظر إلى الجفاف في البرازيل. المفروض أن البرازيل تستخدم نوعين من الطاقة المتجددة، الأول الطاقة الكهرومائية من السدود، والثاني هو الوقود الحيوي وهو الإيثانول من قصب السكر. الجفاف ضرب المصدرين معاً في وقت واحد، فقد انخفض مستوى المياه في السدود، مما خفض توليد الكهرباء في البرازيل، ثاني أكبر منتج للكهرباء من الطاقة الكهرومائية بعد الصين، وبسبب الجفاف لم يكن محصول قصب السكر جيداً، فانخفض إنتاج الإيثانول الذي يستخدم وقوداً للسيارات، إما بمفرده أو بمزجه بنسبة كبيرة مع البنزين، وتفاقمت المشكلة أكثر لأن سوء محصول قصب السكر رفع أسعار السكر عالمياً، الأمر الذي يعني منافسة بين السكر والإيثانول، وارتفاع أسعار السكر عالمياً يعني استخدام قصب السكر لإنتاج السكر بدلاً من الإيثانول. فمن أين تأتي البرازيل بالإيثانول؟

تاريخياً، يمكن استيراده من الولايات المتحدة، إلا أن صادرات الولايات المتحدة من الإيثانول انخفضت بشكل كبير خلال الفترات الأخيرة، وهذا يعني أزمة في قطاع المواصلات البرازيلي، فقط بسبب توقف المطر! فهل تدرك وكالة الطاقة الدولية ذلك؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كيف يمكن لوكالة الطاقة أن تقنع الدول بالتحول عن الوقود الأحفوري لمصلحة مصادر أخرى، ووضع البرازيل مثال صارخ أمامنا؟ المضحك في الأمر أنه في الفترة نفسها زاد إنتاج النفط في البرازيل بشكل ملحوظ،

ومن أمثلة التداخلات أن حكومة جو بايدن تحارب النفط الصخري بحجة أنه مضر بيئياً، وتحارب النفط الكندي للسبب نفسه، والحكومات الأوروبية تحارب النفط بشكل عام لأنه مضر بيئياً، ولكن لا مشكلة لديهم في تدفق النفط الإيراني ووصوله إلى موانئ العالم كافة! والواضح من هذا المثال أن وكالة الطاقة الدولية لم تفهم أن متطلبات السياسات الخارجية والأمن القومي ستطغى على السياسات المناخية، ولكنها تجاهلت ذلك تماماً.

وكالة الطاقة والطاقة الشمسية والوقت

من السهل انتقاد السيناريو الأخير لوكالة الطاقة الدولية بسبب الأخطاء الكثيرة التي فيه من جهة، وبسبب تطرفه العجيب من جهة أخرى، فمثلاً يتطلب السيناريو توليد كميات معينة من الكهرباء تتطلب بناء مزارع طاقة شمسية تحتاج إلى ضعف مساحة لبنان أو قطر سنوياً! من أين ستأتي هذه الأراضي، خصوصاً إذا كانت معظم الكهرباء ستستهلك في أكثر المدن اكتظاظاً في العالم؟ وهنا نعود إلى ما ذكر في بداية المقالة: كمية المعادن والمواد التي تحتاجها هذه المزارع خيالية، لذلك لا غرابة في أن تستمر أسعار المعادن والمواد الأولية في الارتفاع، ولا غرابة أن يعاني العالم تضخماً لم يره منذ فترة طويلة من الزمن.

وإذا ارتفعت أسعار النفط في الوقت نفسه، لأن الاستثمار في الصناعة سيزيد، فالمشكلة هنا أن المواد الأولية المستخدمة في صناعة النفط هي نفسها المستخدمة في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ومن ثم فإن هذا التنافس سيرفع كُلف الطاقة على الجميع، والأغرب من ذلك كله أن كل التطور التكنولوجي خلال الـ 200 سنة الأخيرة، وكل تطور النظام الرأسمالي ركز على توفير "الوقت" كونه أندر وأثمن مصدر عرفه الإنسان، إلا أن وكالة الطاقة الدولية ضربت بذلك عرض الحائط عندما اقترحت أن الوصول إلى الحياد الكربوني يتطلب التضحية بالوقت من طريق خفض سرعة السيارات على الطرق السريعة إلى 100 كيلومتر في الساعة، وأن تكون 50 في المئة من الرحلات ضمن المدن عبر الحافلات أو على الدراجات أو مشياً على الأقدام، وأن يمنع زيادة عدد رحلات الطائرات فوق مستوى 2019، وفجأة الوقت لا قيمة له عند وكالة الطاقة الدولية.

موضوع الوقت لوحده يعني فشل ما نادت به وكالة الطاقة الدولية، لأن الحكومات والشركات والناس لن تضحي بالوقت، ولعل ثاني أكبر مشكلة بعد الوقت هو أن ما تنادي به وكالة الطاقة يتطلب سيطرة كاملة للحكومات ليس على القطاعات الاقتصادية كافة، ولكن على سلوك الأفراد أيضاً.  باختصار، وكالة الطاقة الدولية تدعو إلى إيجاد أنظمة شيوعية أو فاشية تتحكم في حياة الأفراد بشكل مطلق، ويجب وصف سيناريو وكالة الطاقة الدولية كما هو: "دعوة لإنهاء الحرية في العالم".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء