Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التلكؤ في كشف قتلة الناشطين يدفع العراقيين للعودة إلى الشارع

كتل نيابية تطالب بمساءلة قادة الأجهزة الأمنية في هذا الملف تحت قبة البرلمان

يبدو أن عملية اغتيال الوزني شكلت لحظة فارقة في سياق الاحتجاج العراقي (أ ب)

بناءً على وصية الناشط العراقي المغدور إيهاب الوزني، يستعد المحتجون في 25 مايو (أيار) الجاري، في محافظات عدة للتوجه إلى بغداد في تظاهرة كبيرة للمطالبة بالكشف عن قتلة الناشطين، فيما يتصدر شعار "من قتلني؟" حملتهم.

ورُفعت لافتات تحمل هذا الشعار في مناطق مختلفة من العاصمة العراقية بغداد والمحافظات، في مسعى للضغط على حكومة مصطفى الكاظمي للإيفاء بتعهداتها في ما يتعلق بالكشف عن هوية الجهات التي تنفذ عمليات الاغتيال. ولا يبدو التصعيد الذي بلغ ذروته بعد اغتيال الناشط إيهاب الوزني المتحدر من مدينة كربلاء، قد انتهى، إذ تستمر الحملات التي بدأت بإعلان غالبية الأحزاب والقوى المنبثقة من الانتفاضة العراقية مقاطعة الانتخابات، لكنها هذه المرة تتحرك في سياق التصعيد الاحتجاجي. كما بات وسم "مَن قتلني؟" في صدارة الوسوم على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق.

أربعة مطالب رئيسة

ولعل الأمر الذي يثير الناشطين العراقيين ويدفعهم إلى تكثيف نشاطهم بالضغط على الحكومة والنظام السياسي في البلاد هو تجاهل مطالبهم منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019، إضافة إلى استمرار عمليات اغتيال الناشطين والصحافيين.
وحدد المتظاهرون في محافظة كربلاء، أربعة مطالب رئيسة قبل بدء التصعيد الاحتجاجي في 25 مايو. وقالوا في بيان مصور أن مطالبهم تتلخص بـ"الكشف عن قتلة شهداء تشرين وقتلة إيهاب الوزني، إقالة محافظ كربلاء، وإقالة قائد عمليات كربلاء، وإقالة قائد شرطة كربلاء". وأشار البيان إلى أنه "سيتم الزحف إلى بغداد في يوم 25 مايو، فضلاً عن بدء خطوات تصعيدية في بقية المحافظات"، داعين إلى "مقاطعة الانتخابات المقبلة".

عودة إلى التظاهرات وضغط جديد على الحكومة

وبعدما تراجع خلال الأشهر الماضية، يعود نشاط التظاهرات نتيجة استمرار الملاحقات وعمليات الاغتيال التي طاولت ناشطين بارزين، فضلاً عن انتشار وباء كورونا والإجراءات الحكومية في هذا السياق.
ويبدو أن عملية اغتيال الوزني شكلت لحظة فارقة في سياق الاحتجاج العراقي، إذ إنها حفزت الشروع نحو موقف موحد لغالبية الأحزاب "التشرينية" (نسبة لانتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019) والناشطين إزاء الانتخابات المقبلة.
وتتصدر محافظة كربلاء، التي يتحدر منها الوزني، الحملة، حيث انتشرت صوره في العديد من أحيائها فضلاً عن صور أخرى لناشطين وصحافيين وباحثين اغتيلوا منذ اندلاع الاحتجاجات في أكتوبر 2019.
في السياق، قال الناشط البارز حسين محمود إن "طرح تساؤل: مَن قتلني؟ لا يعني عدم معرفة الجواب، إذ إن القاتل بات معروفاً للعراقيين بشكل عام، لكنه سؤال موجَه إلى حكومة الكاظمي التي لطالما عملت على تسويف القضية وعدم الإيفاء بتعهداتها في هذا السياق". وأضاف أن "التصعيد الاحتجاجي المقبل أمر طبيعي، خصوصاً مع عدم قيام الحكومة العراقية بأي إجراءات لا في سياق الكشف عن القتلة أو حصر السلاح بيد الدولة".
وأشار إلى أن "ما يجري من محاولات للتصعيد مجدداً، يأتي في إطار محاولات الناشطين فضح رجالات السلطة وكشف القتلة وتعرية هذا النظام".
ويبدو أن خيار المقاطعة كما يراه المحتجون غير كافٍ إذا لم يُتبع بمحاولات لإرغام الحكومة على تنفيذ مطالب المحتجين، حيث رأى محمود أن "المراد من مقاطعة الانتخابات هو عدم إضفاء الشرعية على أحزاب الفساد التي تشرعن عمل الأجنحة المسلحة التي سفكت الدماء"، مبيناً أن "المحتجين لن يكتفوا بالمقاطعة بل سيعملون بكل الأدوات السلمية لتحقيق مطالبهم".
وعلى الرغم من تشديد الناشطين العراقيين على إيمانهم بـ"الحلول الوطنية التي تنبع من الداخل العراقي"، بحسب محمود، إلا أن عملهم سيتضمن محاولة "توثيق كل انتهاكات السلطة ورجالاتها بحق العراقيين وفضحها أمام المجتمع الدولي. وكما أسقطت المقابر الجماعية نظام صدام حسين ستنهار أحزاب هذه العملية السياسية نتيجة تورطها بالدماء".

انتفاضة جديدة قد تطيح النظام

ويتوقع متابعون للشأن العراقي أن استمرار عمليات الاغتيال وعدم قيام الحكومة بأي إجراءات في إطار محاسبة المتورطين أو حصر السلاح بيد الدولة ستؤدي إلى عودة الانتفاضة العراقية.
ويبدو أن عدم تغيّر الأوضاع في العراق على المستويين الأمني والاقتصادي، فضلاً عن حالة "الإفلات من العقاب" التي باتت العنوان الرئيس الذي يقوم عليه النظام السياسي في البلاد، كلها عوامل رئيسة في دفع العراقيين إلى الاحتجاج مرة أخرى.
ويتوقع الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن تعود الاحتجاجات في البلاد "بزخم ربما يكون أعلى من المرة السابقة، نتيجة استمرار حالة اليأس من التغيير التي يشعر بها العراقيون". وأضاف أن "عدم إيمان الرأي العام العراقي بالنظام السياسي والذي تجلى بشكل واضح من خلال حملة مقاطعة الانتخابات يهيء الأجواء لانتفاضة واسعة جديدة". وعبّر الشريفي عن اعتقاده بأن الاحتجاجات المقبلة ستمثل "استكمالاً للانتفاضة السابقة لكنها هذه المرة ستطيح بالعملية السياسية كما أطاحت الانتفاضة الأولى بحكومة عادل عبد المهدي".
ولعل السبب الرئيس للاعتقاد بأن الاحتجاجات المقبلة ستطيح بالنظام السياسي، بحسب الشريفي هو "عدم تحقيق متطلبات الانتفاضة السابقة في تشكيل حكومة بعيدة من تأثير الأحزاب والكتل الرئيسة".
وأوضح أن تلك العوامل أدت إلى "تفاقم النقمة الجماهيرية"، مبيناً أن جملة عوامل أخرى تُضاف إليها من بينها "سوء الخدمات وتردي قطاع الكهرباء مع موجة الحر الحالية، فضلاً عن تردي الوضع الاقتصادي في البلاد خلال السنة الماضية".
وبشأن احتمالية أن يكون للمجتمع الدولي دور في حسم الملف العراقي، بيّن الشريفي أن "القوى الدولية باتت تنظر للنظام السياسي في العراق على أنه غير قادر على التحول إلى الديمقراطية فضلاً عن تصالح القوى الرئيسة فيه على الفساد والإرهاب". وختم قائلاً إن "أي حالة عنف في التظاهرات المقبلة ستؤدي إلى تدويل الملف العراقي، وستكون الإرادة الدولية حاضرة بقوة في المرحلة المقبلة، لأن المجتمع الدولي ينظر إلى العراق بأنه العقدة الاستراتيجية الأهم في الشرق الأوسط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


جبهة موحدة للمعارضة

وبدت تحركات الأحزاب المنبثقة من الانتفاضة العراقية سريعة في الفترة الماضية، إذ أسهمت الإشكالات الأمنية وعدم تحقيق مطالب المحتجين بشكل كبير في توحيد مواقف غالبية الحركات السياسية والتنسيقيات و"الأحزاب التشرينية".
في السياق، أكد علاء ستار عضو المكتب السياسي في حزب "البيت الوطني"، أحد الأحزاب الرئيسة المنبثقة من الانتفاضة العراقية، أن الترتيبات جارية للإعلان عن "جبهة معارضة من القوى السياسية والقوى الشعبية، تهدف إلى مواصلة النضال ضد السلطة وسلاحها حتى الرضوخ لشروط ديمقراطية حقيقية لإجراء انتخابات نزيهة". وأضاف أن "كل آليات الاحتجاج السلمي ستمارَس وصولاً إلى يوم الانتخابات"، مبيناً أن خيار مقاطعة للانتخابات سيعني "سحب الشرعية الشعبية من السلطة الحالية".
وأشار ستار إلى أن الانتخابات بشكلها الحالي تمثّل "عملية تخلو من مضمونها الحقيقي، لأنها تعيد توزيع مراكز القوى بالنسبة إلى الكتل والأحزاب المسيطرة على النظام في البلاد"، لافتاً إلى "سعي الناشطين إلى تغيير ظروف الانتخابات وتحقيق العدالة والمشاركة الآمنة والتنافس الحقيقي".
كما اعتبر أنه "في ظل انفلات السلاح والمال السياسي المسيطر على المشهد لا يتوافر أي شيء من الظروف التي طالب بها المحتجون، وهذا الأمر يدفعنا إلى السعي كجبهة موحّدة للمعارضة السياسية للضغط على منظومة الدولة لتحقيق انتخابات حرة ونزيهة".

دعوات سياسية لاستدعاء القادة الأمنيين في البرلمان

من جهة أخرى، حرّكت الحملة الواسعة التي قام بها ناشطون، جهات سياسية بارزة للدعوة إلى تفعيل مساءَلة القادة الأمنيين تحت قبة البرلمان، حيث دعا زعيم تحالف "عراقيون" عمار الحكيم، الأربعاء (19 مايو) البرلمان، إلى استدعائهم للوقوف على خطواتهم في الكشف عن المتورطين في جرائم اغتيال وخطف الناشطين والإعلاميين. وقال الحكيم في بيان، إنه "لضمان تحقيق العدالة وطمأنة أُسر الضحايا، ندعو أعضاء مجلس النواب من تحالف عراقيون إلى العمل على استدعاء القادة الأمنيين للوقوف على خطواتهم في الكشف عن المتورطين في جرائم خطف واغتيال بعض الناشطين والإعلاميين، وإطلاع مجلس النواب على الإجراءات المتخَذة لحماية أصحاب الرأي وضمان حرية التعبير". وأضاف أن "من شأن هذه الخطوات أن تطمئن الشارع وتحقق الأمن الانتخابي وتشجع على المشاركة الواسعة في الانتخابات".
وفي أول تجاوب سياسي، دعا رئيس "ائتلاف النصر" حيدر العبادي إلى "وضع حد للجرائم السياسية بحق المنافسين السياسيين". وشدد العبادي في بيان، على "ضرورة توفير أمن انتخابي للناخبين والمرشحين، باعتباره شرطاً لانتخابات نزيهة وعادلة تحقق مشاركة جماهيرية حقيقية تعزز من شرعية النظام السياسي".

وتابع أن "ائتلاف النصر وبقية قوى الدولة بصدد تفعيل الاستجوابات والمساءلات البرلمانية للكشف عن طبيعة الجرائم السياسية، وممارسة الضغط للكشف عن القتلة، والوقوف تجاه تراجع اشتراطات الأمن الانتخابي وعموم الأمن المجتمعي".
ولا يزال تحرك الناشطين مستمراً لتحقيق ما بات يُطلق عليها تسمية "اشتراطات تشرين" من خلال تحفيز الحركات الاحتجاجية، ومطالبة الحكومة الإيفاء بتعهداتها في ما يتعلق بملف قتلة المحتجين، إلا أن الخطوات الحكومية لا تزال غير مقنعة بحسب الناشطين.

المزيد من العالم العربي