Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الدولار الفندقي" أحد آخر آمال انتعاش الإقتصاد في لبنان

يعوّل البلد المأزوم مالياً على إنقاذ الموسم السياحي خلال الصيف المقبل

على الرغم من الضائقة الشديدة التي يعيشها لبنان، إلا أنه ما زال يملك مقومات جاذبة للسياح (اندبندنت عربية)

يعلّق لبنان على مشارف فصل الصيف، "أملاً أخيراً" لإنقاذ اقتصاده المتداعي من خلال السياحة. فمع شح الدولار في الداخل، تتجه الأنظار اللبنانية إلى الخارج، حيث التعويل على استقطاب الدولارات الطازجة أو "الفريش" (fresh) من خلال جذب السياح الأجانب. وفي هذا السياق، جاء قرار وزارة السياحة اللبنانية السماح للمؤسسات الفندقية بتسعير خدماتها "بالدولار الأميركي"، بحيث ستتمكّن من قبض فواتيرها من السياح الأجانب بالعملة الصعبة.

الدولار الفندقي

خلال الفترة القليلة الماضية، ابتدع لبنان مجموعة من الطرق لتمويل النشاطات المتصلة بالخارج والتي تحتاج إلى الدولار الأميركي. وعلى سبيل المثال، صدر ما سُمّي بـ "الدولار الطلابي" لتمكين الأهالي من تحويل الأموال لتعليم أبنائهم الذين يدرسون في الخارج. ومع تصاعد أزمة القطاع السياحي، برزت مطالب بوضع "الدولار السياحي" موضع التنفيذ. ولكن مع صعوبة تطبيق هذه الخطوة بفعل شح الدولارات والحاجة إليها لتمويل دعم النشاطات الاقتصادية الأساسية، اتجهت وزارة السياحة والمؤسسات السياحية والفندقية إلى تشكيل "خلية أزمة" لإنقاذ موسم الصيف. وأكد مازن أبو درغم، مستشار وزير السياحة اللبناني رمزي المشرفية، أن "هناك اتجاهاً لتطبيق خطة مثلثة الأضلاع، تقوم على السماح للمقاهي والمطاعم بفتح أبوابها إلى ما بعد  منتصف الليل، وعدم الإقفال خلال فترة الأعياد بالكامل، بخلاف ما جرى سابقاً في أعياد الفصح، وإقرار الدولار الفندقي من خلال السماح للفنادق بتقاضي التسعيرة بالدولار".
وعبّر بو درغم عن تفاؤله بانحسار موجة فيروس كورونا، فمن جهة سيسمح ذلك بإعادة فتح القطاعات الحيوية، كما ستتيح "السياحة الاستشفائية اجتذاب عدد كبير من المواطنين العرب، تحديداً من العراق". ويعوّل بو درغم على مشاركة وزير السياحة اللبناني في 26 مايو (أيار) الحالي، في افتتاح مكتب منظمة السياحة العالمية في العاصمة السعودية الرياض، "ما سيتيح فرصة للتواصل مع الأشقاء العرب لدعم لبنان سياحياً". وعن القرار السياسي المؤثر في عودة الأشقاء العرب، أعرب بو درغم عن اعتقاده بأن "لبنان يمتلك مكانة خاصة في قلوب أشقائه العرب ومواطني الخليج العربي تحديداً". وفي موازاة ذلك، يتم التواصل مع السفارات اللبنانية في الخارج والملحقين الاقتصاديين للترويج للبلاد سياحياً، وتوجيه الجالية اللبنانية إلى جذب الزائرين.

وأشار بو درغم إلى أن الأزمة المالية والاقتصادية جعلت من لبنان "دولة منخفضة التكاليف"، الأمر الذي يسمح بجذب الأجانب. ويأمل المستشار في وزارة السياحة تجاوز الوضع الأمني لأننا "على سيف ذو حدين: كورونا من جهة، والوضع الاقتصادي والأمني من جهة أخرى"، لافتاً إلى دور السياحة في التعافي الاقتصادي، ويضرب مثالاً على ذلك، مسألة اليونان. ومن وجهة نظر بو درغم، فإن "الأمر ممكن لأن السياحة عام 2010 بلغت مداخليها 10 مليارات دولار في حينه، أي ما يوازي ربع الدخل القومي، لأن الهدف هو تأمين انتعاش وإن كان جزئياً".
من جهة أخرى، تخوّف بو درغم من هجرة المؤسسات السياحية والشركات الكبيرة من لبنان، لأن ذلك سيؤثر في مكانة البلاد السياحية. وعلى الرغم من الواقع الرمادي، رأى أن "السياحة الداخلية" ناشطة ويمكن أن تبعث الحياة مجدداً في القطاع خارج العاصمة بيروت.
 


الآمال مؤجلة

أعطى قرار "الدولار الفندقي" جرعة من الأمل المشروط والمؤجل لدى القطاع الفندقي والمؤسسات السياحية اللبنانية. وأكدت كلوديت خوري، صاحبة فندق في جبيل أن "التسعير بالدولار للزبون الأجنبي، أمر جيد"، لافتةً إلى أن "القرار ضروري للغاية بسبب الخسائر التي لحقت بالفنادق بسبب التلاعب في سعر صرف الدولار، إلا أنه من المبكر الحكم عليه". وجزمت خوري بأن "قطف ثمار هذه الخطوة ما زال مؤجلاً، كما أن التسعيرة بالنسبة إلى الزبون اللبناني مستمرة بالعملة الوطنية".
وتحدثت الخوري عن خسائر طاولت المؤسسات بسبب التسعير بالليرة اللبنانية، لأنه "بعد بيع الخدمة، يكتشف المالك بأن ارتفاع سعر الدولار قضم الأرباح". ولا تعبّر الخوري عن التفاؤل لأن أوضاع البلاد غير مستقرة وغير ثابتة.
في موازاة ذلك، تعتبر المؤسسات الفندقية في مناطق الأطراف بلبنان، نفسها غير معنيّة لأن السائح الأجنبي لا يصل إليها. وقال عمار خضر آغا، وهو صاحب فندق في منطقة سير الضنية (شمال)، "ما زلنا في مرحلة ما قبل موسم الاصطياف، كما أن السياحة في المناطق الجردية (الجبلية) تعتمد على السياحة المحلية، في حين أن حركة السياح العرب والأجانب خفيفة جداً". وأوضح خضر آغا "روّاد مصايفنا من ذوي الدخل المتوسط، حتى الأجانب منهم، ولا يغيّر الأمر بالتسعيرة بالنسبة إلى السياحة الخليجية أو الأجانب".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحاجة إلى جذب الدولارات

تُعتبر السياحة الخارجية مصدراً أساسياً للدولار الأميركي، ولبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى العملة الأجنبية في ظل أزماته الاقتصادية والمالية. لذلك فإن الحاجة إلى جذب الدولارات هو "مسألة حياة أو موت". وأكد الباحث الاقتصادي وليد ابو سليمان أن "هناك أربعة مصادر للدولار الفريش وهي: السياحة والاستثمارات الخارجية المباشرة والتحويلات الخارجية إلى المصارف والتصدير السلعي". وفي ظل العراقيل التي تواجه العوامل الأخرى الجاذبة للدولار بسبب "غياب دولة القانون، ورأس المال الجبان"، تُعتبر السياحة مصدراً أساسياً.
وتحدث أبو سليمان عن أهمية الاستقرار الأمني والسياسي لجذب السياح، مذكّراً بأن "لبنان بلغ أوج عطائه عام 2008، فشكلت السياحة 25 في المئة من الناتج المحلي، ولبنان متعطش للدولارات من أجل تأمين الاستمرارية ودعم القطاعات الأساسية مثل قطاع الكهرباء (يبلغ دعمها 2 مليار دولار سنوياً)، وقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات".
ولفت أبو سليمان إلى أن "الجهد يجب أن ينصب على السائح الأجنبي، لأن المغترب اللبناني يمتلك وديعة دولارية في البلد عالقة لدى البنوك. لذلك في حال مجيئه، سيسعى إلى الإنفاق منها، بالتالي لن يأتي بدولارات جديدة إلى النظام المصرفي، وعليه ستكون الفائدة محدودة". وأضاف أنه "في المقلب الآخر للأزمة، أصبحت التكاليف في لبنان منخفضة نسبياً لمَن يمتلك فريش دولار، فالغرفة الفندقية التي كانت كلفة استئجارها تُقدّر بـ 300 دولار، أصبحت في حدود 60 دولاراً، إذ انخفضت الأسعار بنسبة 70 في المئة لأن الدعم ما زال مستمراً، وينصب على تأمين التيار الكهربائي والمحروقات للقطاعات كافة، ويخفف ذلك المصاريف التشغيلية للمؤسسات الفندقية والترفيهية". لذلك لا بد من استغلال الميزة التنافسية المؤقتة من أجل التسويق للبنان في الخارج، وتقديم عروضات جذابة، تحديداً للأسواق الأوروبية الشرقية والصين التي تضم عدداً كبيراً من السياح الذين يحتسبون كلفة السفر جيداً".
وأمل أبو سليمان بـ"استثمار الشهرين المقبلين أي مرحلة ما قبل رفع الدعم، وإدخال أكبر كمية ممكنة من الدولارات خلال الموسم الصيفي"، مراهناً على "وعي اللبنانيين بعدم إقحام البلد في صراعات المنطقة، وصولاً إلى الحفاظ على الاستقرار الأمني".


الطبيعة المنافسة

على الرغم من الضائقة الشديدة التي يعيشها لبنان، إلا أنه ما زال يملك مقومات جاذبة للسياح على مستوى السياحة البيئية والسياحة التراثية والدينية. وليس على سبيل المبالغة والتكرار، الإشارة إلى مناخه المعتدل الذي يميّزه عن المحيط، إضافة إلى تنوّع تضاريسه ومناطقه الجغرافية من ساحل وسهل وجبل، وغناه التراثي – التاريخي. من هنا، يضع الباحث الاقتصادي وليد أبو سليمان "التسويق السياحي" على رأس قائمة إحياء السياحة، منوّهاً بانخفاض معدلات الإصابة بفيروس كورونا.
في المحصلة، صحيح أن لبنان في غرفة العناية الفائقة، وكل دولار إضافي يشكّل جرعة أوكسجين له ولشعبه، إلا أن الخوف يرتبط بعدم القدرة على استثمار الفرص المحدودة المتبقية قبل لفظ أنفاسه الأخيرة. فلبنان يمتلك كل المقومات السياحية الجاذبة للصديق القريب والبعيد، وعلى أبنائه العمل  لاستعادة دوره الذي جاء نتيجة تراكم تاريخي وثقافي، انعكس على هويته السياحية والحضارية.