Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأرجح إيران بين الأيديولوجية والمصلحة مع انتهاء الإعفاءات الأميركية

الأمر بين واشنطن وطهران سيتوقف على من سيظهر رغبة في التفاوض والمكاسب المقابلة لأي تنازلات تتم من الطرفين

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يستقبل نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في بكين فبراير 2019 (رويترز)

تتسارع وتيرة التحركات الإيرانية أخيراً لتقليل حجم تأثير العقوبات الأميركية، ووصول تصدير النفط الإيراني إلى مرحلة الصفر، فقد وضعت إدارة ترمب أولوية لمعاقبة إيران والضغط عليها، مما قلل من صادراتها النفطية، وضاعف من تدهور اقتصادها، لكن في الوقت الذي مارست فيه الإدارة ما تسميه حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران، قدمت استثناءات من خلال الإعفاءات من العقوبات، التي ساعدت في الحفاظ على تدفق النفط الإيراني، ومع انتهاء مهلة الإعفاءات أعلنت الولايات المتحدة أخيراً أنها لن تسمح بعد الآن بإلغاء العقوبات المفروضة على الدول التي تشتري النفط الإيراني.

أمَّا عن الموقف الإيراني تجاه تلك التطورات، في ذات الوقت امتلأت وسائل الإعلام الإيرانية بتصريحات من مسؤولين روس وتركيين وصينيين تفيد بأنهم سيستمرون في التعامل مع إيران، لكن بالنسبة إلى السلوك الرسمي الإيراني يمكن تحليله بالعودة التاريخية إلى العلاقات بين إيران والولايات المتحدة من جهة، وأسلوب المفاوضات الإيراني من جهة أخرى.

فتاريخياً، تتسم العلاقات الإيرانية الأميركية منذ قيام النظام الإيراني عام 1979 بالسير في مسارين على التوازي، أحدهما علني، والآخر سري. يتسم المسار العلني للعلاقات الأميركية الإيرانية بالتشدد من الجانبين، والتصعيد الخطابي والتهديدات، وهو واضح خلال حكم الإدارات الأميركية المتعاقبة، وآخرها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحالية، التي تتسم بالعداء والتهديد، وقد دارت أهم ملامح هذا المسار خلال إدارة ترمب حول انسحاب ترمب من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض العقوبات الأميركية، وتسمية الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، والضغط الأميركي من أجل الوصول إلى نقطة الصفر فيما يتعلق بتصدير النفط الإيراني والتلويح بعدم السماح بالاستثناء، الذي سمحت به الإدارة لثماني دول تستورد النفط من إيران، التي من المقرر انتهاء تلك المهلة خلال الشهر الجاري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المسار الآخر للعلاقات بين إيران والولايات المتحدة، الذي يتسم بالسرية، وفتح قنوات خلفية للتواصل، وهو ما تكرر على مدار سنوات، كان انكشاف أمر بيع الولايات المتحدة أسلحة لإيران خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، رغم العداء بين إيران والولايات المتحدة، التي كانت تدعم العراق حينها في تلك الحرب، وقد عرفت القضية بإيران جيت. وكانت المفاوضات السرية، التي تمت بين الطرفين قبيل إتمام الاتفاق النووي مثالاً آخر لذلك المسار السري.

مسارا العلاقة بين إيران والولايات المتحدة دالان على أمرين، الأول هو كيف أن التصعيد والتهديد العلني ليسا مؤشرين على عدم الوصول إلى تسوية ما محتملة في أي لحظة، كما أنه دال على كيفية توظيف إيران خطاب الأيديولوجية والثورية من أجل شرعية النظام من جهة، الذي يقوم على العداء لقوى الاستكبار العالمي، كما تسميه إيران، ومن جهة أخرى تتراجع تلك الأيديولوجية لتغليب المصلحة.

وبإسقاط هذين المسارين حالياً، نجد أنه في الوقت، الذي عين المرشد الإيراني على خامنئي قائداً للحرس الثوري هو حسين سلامي المعروف بتصريحاته المتشددة، وتحذير رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري أن بلاده يمكن أن تغلق مضيق هرمز الاستراتيجي إذا واجهت مزيداً من العداء، ودائماً ما يلوح المسؤولون الإيرانيون باستعداد طهران لإغلاق المضيق في حال تهديد مصالحها القومية أو الأمنية.

لكن المشهد ذاته يبدو منه أن إيران تسعى إلى فتح الباب أمام شكل من أشكال المحادثات مع الولايات المتحدة، مع الحرص على إبداء عدم الخضوع إلى سياسات ترمب، فخلال زيارته الأخيرة الولايات المتحدة عبَّر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف عن اعتقاده "أن الرئيس ترمب وعد في أثناء حملته الانتخابية بعدم جلب الولايات المتحدة إلى حرب أخرى". وبالتالي هنا الرهان الإيراني على: إمَّا عدم تولي ترمب ولاية أخرى، ووصول مرشح آخر إلى الرئاسة، وإمَّا أن ترمب غير معني باندلاع مواجهة عسكرية مع إيران، وبالأحرى من خلال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما صرح ظريف بأن إيران على استعداد للدخول في مفاوضات مع واشنطن بشأن تبادل الأسرى. وربما هذه هي الصفقة التي تريد عقدها مع الولايات المتحدة بدلاً من التفاوض بشأن ملفاتها الإقليمية ومنظومة الصواريخ الباليستية، والهدف هنا هو أن إيران لا تعترف بأي جنسية مزدوجة، فاعتقلت بعض حاملي الجنسية الإيرانية الأميركية، والأميركيون بحجة أنهم جواسيس البعض أفرج عنه عام 2009 بوساطة عمانية، وتم اعتقال أشخاص آخرين عام 2015، ولم تناقش تلك القضية في أثناء مفاوضات الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لكن الكونغرس كان قد أثار أنه لن يتم رفع العقوبات ما لم يتم إطلاق سراح المقبوض عليهم.

ومن جهة أخرى صرح ظريف بأن بلاده لن تسمح بتحويل مضيق هرمز إلى ممر مائي غير آمن، مشدداً على أن بلاده ستتخذ جميع الخطوات اللازمة لمنع حصول ذلك، لكن يثور التساؤل: هل يمكن لإيران إغلاق المضيق؟ واقعياً فإن مضيق هرمز، الذي يعد ممراً مائياً دولياً مهماً، يمر منه 20% من تدفقات النفط في العالم، ومن ثم فإغلاق المضيق مخالف للقانون الدولي، ويعني مواجهة المجتمع الدولي لإيران وليس الولايات المتحدة فقط، كما أن أكثر المتأثرين سلباً من إغلاق المضيق سيكون إيران ذاتها، إذ يعتمد 80% من الدخل القومي على صادراتها النفطية إلى الدول الآسيوية، وليس لديها طريق آخر للتصدير، لذا فإيران ملزمة بتأمين سلامة المضيق، لأن تهديده يتعارض ومصالحها الحيوية، مما يلحق ضرراً اقتصادياً يلحق بها قبل المنطقة. لذا لا يزيد السلوك الإيراني في الخليج العربي على مجرد مناوشات مع السفن الأميركية كنوع من استعراض القوة الإيرانية، لكن لا يتوقع أن يصل الأمر إلى حد إغلاق المضيق.

 لكن، عوداً إلى التصريح الأخير من رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيرانية، وتصريح ظريف المضاد له، إنما يصب هو الآخر في محاولة النظام الإيراني توظيف وجهي النظام الإصلاحي والمتشدد من أجل التفاوض مع الولايات المتحدة. والسعي الإيراني للدبلوماسية والصفقات مرة أخرى.

ومع ذلك، تراهن إيران على الصفقات مرة أخرى مع الولايات المتحدة من جهة، كما تراهن على صعوبة الدفع نحو تصدير الصادرات الإيرانية إلى الصفر، فالصين، على سبيل المثال، لا تزال تستورد ما يقرب من نصف مليون برميل من النفط الإيراني في اليوم، وأنه من الصعب فرض عقوبات على الصين، فلديهم مؤسسات مالية، يمكنها أن تسهل تجارة النفط، التي لا تعمل في السوق المالية الأميركية، وبالتالي فهي محصنة ضد العقوبات.

لكن، في النهاية الأمر بين إيران والولايات المتحدة سيتوقف على من سيظهر رغبة في التفاوض والمكاسب المقابلة لأي تنازلات تتم من الطرفين، وقدرة إيران على إيجاد مخرج لأزمة تصدير النفط للحيلولة من دون وصوله إلى الصفر.

اقرأ المزيد

المزيد من