حث خبراء الحكومة البريطانية على وضع نظام تعويضات خاص بـ "كوفيد-19" يدعم على نحو أفضل الأشخاص "المنسيين" الذين أصيبوا بآثار جانبية شديدة نتيجة لقاح "كورونا"، محذرين من أن الإعراض عن ذلك قد يغذي بقوة المعلومات المضللة المُتداولة حول الجرعات التحصينية.
في حديث إلى "اندبندنت"، قال عدد من عائلات المتضررين من التطعيم ضد "كورونا"في المملكة المتحدة إنهم لن يتوقفوا عن دعم اللقاحات، وحثوا الناس على المضي في تناولها. ولكن لا بد، كما يشيرون، من بذل جهد إضافي في سبيل توفير قدر أكبر من المساعدة المالية والعاطفية والطبية للأشخاص الذين، في حالات نادرة جداً، يواجهون ردود فعل سلبية نتيجة الجرعات التحصينية.
وأشارت العائلات كافة إلى أن غياب المعلومات "مخيب للآمال"، إذ تتعذر معه معرفة أي نوع من الدعم يحق لهم الحصول عليه، وما إذا كان اللقاح مسؤولاً عن الحالات الصحية التي يكابدها أحبتهم، وفي حال صح ذلك كيف يمكنهم المطالبة بالتعويض.
كذلك زعمت العائلات أن ثمة تلكؤاً بين أوساط السلطات في التعامل مع قضاياهم، خوفاً من أن يُنظر إليها على أنها تشكك في برنامج التلقيح.
في هذا الصدد، كشفت إحدى النساء أن الأطباء تجاهلوا في بادئ الأمر تدهور حال زوجها خلال الأيام التي أعقبت تلقيه الجرعة التحصينية الأولى. وقالت امرأة أخرى فقدت زوجها بعد إصابته بتجلط دموي نادر في الدماغ، إن نظام التعويض للمتضررين المعمول به حالياً يبدو "كما لو أنه وُضع عن قصد للحؤول من دون التقدم بأي مطالبات".
سارة مور، المحامية التي تعكف على مساعدة العائلات المتضررة، قالت "إنهم في حال من الارتباك والحيرة. أُدخل أحبتهم إلى العناية المركزة أو يعانون آثاراً صحية خطيرة. وفي واحدة من الحالات، توفي الشخص المصاب. تشعر العائلات ألا مكان تلجأ إليه، وترى أنه لا يتوفر لها أي شرح، أو مساعدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، شأن أي دواء يستخدمه ملايين الأشخاص، تبقى الآثار الجانبية النادرة للتطعيم متوقعة. وتتراوح بين تجلطات دموية نادرة جداً رصدها الأطباء لدى بعض متلقي لقاح"أسترازينيكا" (علماً أن "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" في بريطانيا اعترفت بوجود تلك العلاقة بين اللقاح والتجلطات) وحالات صحية أخرى، من قبيل متلازمة "غيلان باريه" Guillain-Barré (GBS)، وهو اضطراب مناعي نادر، حيث العلاقة السببية غير مؤكدة.
للتذكير فإنه بموجب تشريع صدر في المملكة المتحدة عام 1979، يحق للأشخاص الذين لحقت بهم أضرار ناجمة عن اللقاحات أن يطالبوا بتعويضات مالية من الحكومة البريطانية تصل إلى 120 ألف جنيه استرليني. ولكن للقيام بذلك، يُشترط على الضحايا أن يثبتوا أنهم يكابدون عجزاً جسدياً بنسبة 60 في المئة على أقل تقدير نتيجة التطعيم، على أن البعض يرى أن هذا الحد الأدنى عال جداً.
من بين هؤلاء دنكان فيرغريف، أستاذ في القانون المقارن، قال في هذا المجال، "عليك (المتضرر) أن تظهر عجزك الجسدي الشديد. كذلك من الصعب إثبات العلاقة السببية (بين اللقاح والضرر الصحي). وتمثل هاتان المسألتان عقبتين كبيرتين نسبياً أمام الحصول على التعويض، مما يضاعف الظروف المعقدة أصلاً فيما يتعلق باستيعاب الأمور".
في المقابل، دعا خبراء في الطب ومحامون وعائلات لمتضررين إلى إصلاح شامل لـ "نظام التعويضات عن أضرار اللقاح" ("في دي بي أس" VDPS) في المملكة المتحدة، قائلين إنه "قديم" و"لا علاقة له بما يحدث"، وفق وصفهم، في ما يتعلق بفيروس "كورونا".
وترى المحامية مور،أنه على الحكومة البريطانية وضع نظام تعويضات مخصص للقاح"كوفيد-19" يتواءم مع العدد الصغير إنما المتنامي من متلقي الجرعات التحصينية الذين عانوا ردود فعل موهنة نتيجتها.
"كي يحظى (المتضرر) بتعويض مالي، سيتعين إثبات السبب والنتيجة، وهي خطوة عسيرة في حالات متلازمة "غيلان باريه"، ولكن يمكن لأي نظام تعويض أيضاً أن يوفر الدعم بصورة أوسع"، كما قالت المحامية مور، مضيفة أن "الحاجة تدعو إلى دعم طبي ومركز يضم أماكن يستطيع أن يقصدها الأشخاص (المتضررون) لإجراء محادثات منطقية مع خبراء بشأن ما حدث".
وفي ظل غياب المعلومات حول "ما أنت قادر على فعله، وما الأسئلة التي عليك أن تطرحها"، أضافت مور، "سيُصار إلى سد تلك "الفجوة" بوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من مصادر غير موثوقة، "مما يفضي ربما إلى معلومات مضللة، وتردد تجاه أخذ اللقاحات".
في إحدى القضايا التي تولتها المحامية مور، توفي طبيب يُدعى ستيفن رايت كان يبلغ من العمر 32 عاماً، وذلك عقب إصابته بتجلط دموي نادر في الدماغ بعد مضي ثمانية أيام من تلقيه لقاح "أسترازينيكا". ترك الدكتور رايت خلفه زوجة شارلوت وطفلين. وبحسب "نظام التعويضات عن أضرار اللقاح"، يحق لعائلته الحصول على 120 ألف جنيه إسترليني كتعويض.
وذكرت المحامية التي تمثل العائلة، قول الزوجة رايت إن "ملء هذا النموذج القديم المتوفر ورقياً فقط في عالم من التكنولوجيا يبدو وكأنه قد صُنع عمداً لمنع المطالبة بالتعويضات، بدلاً من مساعدة الضحايا الذين احتاجوا إلى ذلك الدعم في غمرة حزن هائل".
وأضافت الزوجة المكلومة، "اضطررت إلى إعداد "طلب شهادة وفاة"بعد أسابيع من فقدان زوجي. لا تتوفر طريقة تسمح بتتبع طلبي. وليست لدي أدنى فكرة عما إذا كانت الجهة المعنية قد تسلمته. الصدمة النفسية، علاوة على الأسى الذي أعيشه وطفلاي، تفوقان التصور".
الآن، وقد توفي للأسف 49 شخصاً في المملكة المتحدة بسبب اضطراب تخثر الدم، طالب عدد من الخبراء حكومة بلادهم بمعالجة هذه "النقطة العمياء"، وفق وصفهم، في التشريعات.
الدكتور كلاس كيركيل، مؤرخ للطب في "كلية دبلن الجامعية"University College Dublin، وخبراء آخرون، توجهوا للمرة الأولى في رسالة إلى حكومة المملكة المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قبل الشروع في طرح اللقاحات المضادة لفيروس "كورونا" في البلاد، داعين إلى تحديث نظام التعويضات، ولكن "لم يُتخذ أي إجراء"، قال كيركل.
وأضاف، "التعويض الشفاف والمجدي جزء مهم من تقبل اللقاح. فوائد التطعيم تفوق كثيراً أي مخاطر، ولكن لا يلغي ذلك واجب الرعاية تجاه الأشخاص الذين تطالهم آثار جانبية بسببه، والعمل على جعل طلب المساعدة أكثر سهولة بالنسبة إليهم".
"إذا كنا سنشهد في المرحلة المقبلة طرحاً مستمراً للقاحات، ويبدو أنه الاحتمال الذي سترجح كفته، فنحن بحاجة إلى معالجة مسألة التعويض (على المتضررين) الآن وليس لاحقاً."
من بين الأشخاص الآخرين الذين مثلتهم السيدة مور ضحايا يعانون من متلازمة "غيلان باريه"، وهو اضطراب في المناعة الذاتية يهاجم الأعصاب وعادة ما يستغرق الشفاء منه أربعة أسابيع، ولكن يمكن أن يستمر لفترة أطول (تصل أحياناً إلى سنوات). تبدو الحالات أقل وضوحاً مقارنة بغيرها، مع غياب أي علاقة محددة بين الضرر الجسدي والتطعيم.
على ما يبدو، من بين مليون شخص تلقوا لقاح "كورونا" أُصيب شخص بالمتلازمة المذكورة، وفق "غين" Gain، الجمعية الخيرية التي تدعم مرضى "غيلان باريه". وتشير تقديرات إلى أن شخصاً إلى شخصين من كل 100 ألف شخص في المملكة المتحدة تطالهما هذه الحالة بشكل طبيعي سنوياً.
في الوقت نفسه، ووفق بيانات صادرة عن "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية"في بريطانيا،أُبلغ عن 184 إصابة بـ"غيلان باريه"(GBS) بين صفوف أكثر من 22 مليون شخص تلقوا لقاح "أسترازينيكا". ويوم الجمعة الماضي، ذكرت "وكالة الأدوية الأوروبية" أنها تبحث في وجود صلات محتملة بين"جي بي أس" واللقاح المذكور. وقالت إنها تدرس أيضاً تقارير عن التهاب في القلب مرتبط بلقاحي "فايزر" و"موديرنا".
بول سكينر، من ليفربول، قال إن والدته ذات الـ 75 عاماً أُدخلت إلى المستشفى جراء معاناتها متلازمة "غيلان باريه" بعد مرور أسبوع على تلقيها لقاحها في فبراير (شباط) الماضي. أُصيبت باربرا التي كانت تتمتع سابقاً "باللياقة والصحة والنشاط"، وفق كلمات ابنها، بشلل في معظم أجزاء جسدها وعليها أن تمر بفترة من التعافي لمدة سنة.
"تعي والدتي أن على الجميع أن يأخذ اللقاح، وقد اتخذت بنفسها قرار تلقي الجرعة. المخاطر التي يطرحها "كوفيد-19" أعلى (مقارنة بالمخاطر المحتملة للقاح)، كانت أمي تُدرك ذلك"، قال سكينر مضيفا،"علمياً وطبياً، لا نعرف ما إذا كانت ثمة علاقة بين رد فعلها واللقاح. نعلم أن أي لقاح أو دواء ينطوي على خطر، ولكني بحاجة ماسة إلى الحصول على إجابات ومساعدة".
"ربما يقول الناس إن نسبة تلك الحالات تكاد تكون واحداً في المليون، لكن هذا الكلام لا يساعدنا. نحن منسيون ببساطة. ليس من الإنصاف القول إن هذه الحوادث تطرأ، وانتهى الأمر. لقد تُركنا في المجهول من دون أي دعم".
يبقى أن سكينر واحد من 43 شخصاً تقدموا بطلبات إلى"نظام التعويضات عن أضرار اللقاح"، لكنه لم يتلق أي رد من المسؤولين بعد. وختم قائلاً، "يبدو أن النظام قد عفا عليه الدهر، ولا علاقة له بما نشهده حاضراً".
© The Independent