إن انتخابات البرلمان الاسكتلندي حُبلى باحتمالات أكثر وأخطر بكثير من أي من الانتخابات الأخرى التي تُجرى اليوم في طول بريطانيا العظمى وعرضها. فنتائجها ستؤدي إما إلى خروج اسكتلندا من المملكة المتحدة بعد بضع سنوات، وإما إلى وضع القضية الاسكتلندية بشكل أكيد على الرف، حيث ستبقى على الأغلب "لجيل كامل"، هذا إذا كنا لنقتبس تعبيراً معروفاً.
ولعل حقيقة أن حزب العمال الاسكتلندي الذي كان مهيمناً في الماضي هناك، وزعيمه الجديد الذي باشر مهامه حديثاً، سينتهي به الأمر على الأرجح في المرتبة الثالثة، هي مجرد عرض جانبي في الدراما الدستورية التي يبدو من المرجح أنها ستهيمن على السياسة الوطنية (أي البريطانية والاسكتلندية) لأشهر عدة. وربما سيعني التدمير المحتمل لحزب "آلبا" المنشق (عن الحزب القومي الاسكتلندي) أن صفحة الحياة السياسية لأليكس سالموند ستُطوى نهائياً– هذا حدث لافت، لكنه يبدو حالياً عبارة عن حاشية صغيرة على الهامش في القصة الأكبر والأوسع بكثير.
من الواضح تماماً– كما كان الأمر منذ أشهر، إن لم يكن منذ سنوات– أن الحزب القومي الاسكتلندي سيفوز مرة أخرى بالحصة الأكبر من مقاعد البرلمان الـ129، وأن نيكولا ستورجين ستنتخب من جديد لمنصب الوزير الأول (رئيسة الحكومة المحلية). وقد سلم الزعماء الآخرون في سياق مناظرتهم التلفزيونية الأخيرة عملياً بهذا القدر من التوقعات، وناشدوا الشعب الاسكتلندي عدم إعطاء حزب ستورجين أغلبية كاملة في الانتخابات المقبلة. إنهم أدركوا ما كانوا يفعلونه.
إن الحزب القومي الاسكتلندي قادر تماماً أن يحكم اسكتلندا من دون أغلبية شاملة، كما فعل في الماضي، وذلك بمساعدة حلفائه في حزب الخضر (وهذا من المرجح أن يؤدي أداء حسناً، هو كذلك)، وبفضل قدر محدد من المساومة بشأن التشريعات. والأمر المهم في فوز "الحزب القومي الاسكتلندي" بأغلبية شاملة– 65 مقعداً أو أكثر- هو أن ذلك سيعزز على الصعيدين السياسي والأخلاقي قضية إجراء استفتاء ثان في الاستقلال. من الواضح أن الوضع سيكون كذلك باعتبار أن "الحزب القومي الاسكتلندي" قد جعل الفوز بـ"تفويض" شعبي لتنظيم استفتاء ثان سمة بارزة لحملته الانتخابية (ولو تم ذلك بعد انتهاء أزمة كوفيد).
وإن الحزب القومي حريص أيضاً على أن يتابع أداءه انطلاقاً من سابقته القوية– والمفيدة للغاية- في عام 2011. فقد حقق الحزب في تلك الانتخابات، التي خاضها الحزب بقيادة سالموند وفريقه الذي كانت ستورجين شخصية بارزة فيه، اختراقاً ضمن له أغلبية شاملة، وتمثيلاً هو الأعلى على الإطلاق إذ بلغ عدد المقاعد التي احتلها في برلمان هولي رود المحلي وقتذاك 69 مقعداً.
وبفضل ذلك الأداء، فاز سالموند بموافقة ديفيد كاميرون رئيس الوزراء على إجراء استفتاء ثان (الاستفتاء الأول في اسكتلندا تم في 1979 على الإدارة الذاتية)، على أن يحدد البرلمان الاسكتلندي موعده (في غضون مهلة زمنية مدتها سنتان)، وصياغة السؤال المطروح فيه على الناخبين (الذي يخضع لموافقة لجنة الانتخابات)، وحق الامتياز (يمنح لمن كانوا في سن الـ16 و17 عاماً) واللوائح المتعلقة بتمويل الحملات. وعلى الرغم من أن "اتفاقية إدنبرة" لعام 2012 غير ملزمة، فإنها لا تزال ترخي بظلالها القاتمة على المشهد.
وكما هو الوضع حالياً، يتوقع الخبراء أن تتراوح حصة السيدة ستورجين وحزبها بين 63 و68 مقعداً، معتبرين أن الوصول إلى سابقة عام 2012 أمر قابل للمناقشة- وهذا ينطبق خصوصاً على بوريس جونسون، الذي أوضح سلفاً أن رفضه منح الإذن بإجراء استفتاء جديد سيكون مطلقاً وغير مشروط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالتالي، فإن هذا من شأنه أن يترك للسيدة ستورجين خيار إجراء استفتاء غير رسمي: وهو أمر نظرت إليه مرة نظرة إيجابية، بيد أنها باتت الآن تستبعد إجراءه لأنه سيكون عملاً "غير قانوني". ولعل المثال الكتالوني للاستفتاء غير القانوني، والذي فشل ولم يحظَ باعتراف الاتحاد الأوروبي، يمثل سابقة مشجعة على عدم المضي قدماً في تجربة كهذه. وبدلاً من ذلك، قد يُضطر الحزب القومي الاسكتلندي، الذي يدعمه حزب الخضر الاسكتلندي مجدداً في مساعيه لنيل الحرية القومية، إلى اللجوء لوسائل أخرى.
ولن تتركز الحجة عندها على الاستقلال؛ بل ستصبح متعلقة بدلاً من ذلك بالديمقراطية وحق اسكتلندا في تقرير مصيرها ككيان سياسي، ولو لم تصبح بعد دولة ذات سيادة. وتستطيع ستورجين أن تصدر التشريعات في البرلمان الاسكتلندي، كما فعلت في الماضي، وتتحدى برلمان وستمنستر بشكل متكرر كي يرفض مزاعم اسكتلندا. ويمكنها أيضاً أن ترفع القضية إلى المحاكم- مستشهدة بحجج منها سابقة انفصال إيرلندا عن المملكة المتحدة قبل مئة عام (وكان التفويض البرلماني، وليس الاستفتاء، كافياً في تلك الحالة؛ على الرغم من أن العنف كان المحرك الحقيقي وراء ذلك).
ومن الممكن لستورجين أن توقف التعاون الاسكتلندي، الذي يجري عبر الهيئات الاستشارية والجهات الأخرى على امتداد المملكة المتحدة، على الرغم من أن جونسون قد أوقف هذا التعاون عملياً سلفاً، ما يدل على المستوى الذي بلغه احتقاره المقنّع على نحو رديء لـ"كارثة" نقل السلطة (كما وصفها ذات مرة). ومن الممكن أن تسحب زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي نوابها من مجلس العموم البريطاني في وستمنستر، مع أن ذلك لن يخدم بقية المملكة المتحدة. وسيكون ضجيج النزاعات حول العملة التي ينبغي استخدامها، والحدود المادية الصلبة مع إنجلترا، وحقوق السفر والعمل، وكل ما تبقى من المسائل ذات العلاقة، بمثابة العنصر الحاضر على الدوام الذي سيبقى في خلفية المشهد.
وإذا كانت السيدة ستورجين سياسية داهية– وهي قد أثبتت جدارتها بهذه الصفة– فإنها ستتحين الفرص حتى يصبح الدعم الذي يحظى به مشروع الاستقلال أكبر في استطلاعات الرأي، وذلك على الرغم من وجود كثير من نفاد الصبر في أوساط حزبها ودوائر حركة الاستقلال عموماً، والرغبة بحملة سريعة لتحقيق الهدف الرئيس، كما أنها شخصياً تعرف حق المعرفة أن الوقت أخذ ينفد بالنسبة لها لإكمال المهمة السياسة التي كرست حياتها السياسية كلها لتحقيقها. مع هذا، فإن المجازفة تكمن في أن تقامر وتخسر، ما سيؤدي إلى القضاء على احتمال نيل اسكتلندا استقلالها قبل مضي جيل كامل.
سيكون الجدل في الاستفتاء والاستقلال، شأنه شأن النقاش في "بريكست"، مصدراً ثابتاً لحرف الأنظار وإلهاء الناس حتى بعد انتهاء أزمة كوفيد. وشأنه شأن الجدال في بريكست أيضاً، من غير المرجح أن ينتهي النقاش في الاستقلال إلى خاتمة توافقية سعيدة بعد إجراء أي استفتاء– ذلك أن الرأي منقسم بالتساوي، كما كان بالنسبة لـ"بريكست"، فيما لا تزال شروط الخروج المقترح لاسكتلندا من المملكة المتحدة وانضمامها من جديد إلى الاتحاد الأوروبي غير معروفة.
سيخفت ضجيج الجدال لوقت طويل فقط في حال إجراء الاستفتاء وتصويت الاسكتلنديين لصالح البقاء في المملكة المتحدة. وفعلاً يمكن لستورجين أن تتطوع بصياغة نسخة قانونية جديدة، أكثر إلزاماً، للشعار القديم للحزب القومي الاسكتلندي بأن الاستفتاء سيكون تصويتاً لـ"مرة واحدة في جيل"، على الرغم من أن جونسون لا يزال عرضة لرفض أي شيء تقترحه. من المرجح جداً أن يؤدي الوضع الدستوري لاسكتلندا إلى تشويه السياسة البريطانية لسنوات. وهذا ما بدأ للتو.
© The Independent