Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح السلطة الفلسطينية في الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل؟

تنظم اتفاقية باريس العلاقة الاقتصادية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني

لا تزال السلطة الفلسطينية تبحث عن مخرج من أزمتها المالية بعد اقتطاع إسرائيل حوالي 28 مليون دولار أميركي، من أموال المقاصة التي تجبيها نيابة عن الفلسطينيين، عن السلع والخدمات الصادرة والواردة من فلسطين وإليها، عبر الحدود الدولية.

الأزمة اشتدت بسبب رفض السلطة الفلسطينية استلام أموال المقاصة منقوصة، التي اتخذت فيها إسرائيل قانوناً أقرّه الكنيست، باقتطاع قيمة الأموال التي تدفعها السلطة إلى عائلات القتلى والمعتقلين الفلسطينيين، بذريعة دعم الإرهاب.

بحث عن حلول

مباشرة، بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس يبحث عن طرق تفادي الأزمة، فتوجّه إلى جامعة الدول العربيّة، التي وفّرت له حوالي 100 مليون دولار أميركي عبر شبكة الأمان العربية، لكن هذه النقطة لم تدخل حيّز التنفيذ. ولم تكن هذه الخطوة كافية، فرجل الاقتصاد المكلّف برئاسة الوزراء محمد اشتية شارك في مؤتمر المانحين المقام في بروكسل العاصمة البلجيكية، وبحث طرق حماية السلطة الفلسطينية من الانهيار، نتيجة العاصفة الاقتصادية التي تضربها منذ فترة.

وكذلك، وضع اشتية خطّة 100 يوم، بعناوين عريضة، للخروج من الأزمة المالية، من طريق تمكين الاقتصاد الوطني، ودفع عجلة الاستثمار المحلي في الضفة الغربية وقطاع غزّة، على حدّ سواء، بحسب ما جاء في خطته.

الانفكاك التدريجي

ولم تقتصر خطوات السلطة الفلسطينية على ذلك، بل أعلن مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية محمد مصطفى بدء الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي، وقال إنّ تغيير بروتوكول باريس واستبداله يستندان إلى تعزيز البنية التحتية للمنتج الوطني والاعتماد على الذات ليُصار في ما بعد إلى انفكاك حقيقي.

فهل تستطيع السلطة الفلسطينية الانفكاك عن بروتوكول باريس الذي ينظم علاقتها الاقتصادية مع إسرائيل، وهل تتمكن من تحقيق الانفكاك التدريجي عن إسرائيل، وما مقدرة الحكومة الفلسطينية في التمهيد لذلك؟

بداية التبعية الاقتصادية

يقول عضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين ثابت أبو الروس إنّ التبعية الاقتصادية مع الإسرائيلي، موجودة قبل اتفاقية باريس، وبدأت فعلياً عام 1967، وتعتبر السوق الفلسطينية أرضية خصبة استهلاكية للمنتجات الإسرائيلية. ويضيف "تتمثل العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية الاقتصادية، بضخ عملة "الشيكل" إلى السوق المحلية، فضلاً عن تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية في قطاعات مختلفة مثل البناء والمنسوجات والملابس، والفنادق داخل إسرائيل".

وبعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، تمخّض عنها الاتفاق على الجوانب الاقتصادية، من خلال اتفاقية باريس عام 1994، وجاءت لتنظيم العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية الاقتصادية، وكانت لمدّة خمس سنوات، لكن لعدم اعتراض أيّ طرف أصبحت ضمن التشريعات النافذة.

بنود التبعية

وبيّن أبو الروس أنّ اتفاقية باريس جعلت السوق الفلسطينية تتبع الاقتصاد الإسرائيلي بشكل رسمي، من خلال وحدة الغلاف الجمركي، (معطيات النسب الضريبية في إسرائيل نفسها بزيادة أو نقصان 2 في المئة من قيمة الضريبة للفلسطيني). وأوضح أنّ الاتفاقية الاقتصادية تضمنت ثلاثة بنود، الأرض، المياه، والإنسان، إذ يعمل أكثر من 256 ألف عامل فلسطيني لدى إسرائيل، منهم 125 ألفاً يعملون بطريقة رسمية، ووفق المعطيات السابقة، فإنّ ذلك يعني أنّ الطرف الإسرائيلي، يملي على الجانب الفلسطيني، ما يريده.

والجدير بالذكر أنّ اللجنة المركزية في منظمة التحرير الفلسطينية (أعلى هيئة لصنع القرار) اتخذت عام 2017 قراراً، بالانفكاك الاقتصادي عن الجانب الإسرائيلي، وتعزيز السوق المحلية الوطنية.

ليست تبعية كاملة

وحول طبيعة التبعية الاقتصادية التي حدّدتها اتفاقية باريس، بيّن أنّها ليس تبعية كاملة، بدليل، ضمان حرية شراء السلطة الفلسطينية الوقود من مصر والأردن، وحرية التجارة، والتصدير. ومن مظاهر التبعية الاقتصادية، استخدام وحدة نقد "الشيكل الإسرائيلي" من حوالي خمسة ملايين فلسطيني، وإغراق السوق بالمنتجات الإسرائيلية، وملف المقاصة (جباية الضرائب الفلسطينية من إسرائيل بدلاً من السلطة).

وفي تحليل ما تستفيد إسرائيل من أموال المقاصة، أوضح أبو الروس أنّها تتقاضى ثلاثة في المئة بدل مصاريف جباية، واقتطاع فاتورة العلاج في المستشفيات الإسرائيلية، وتبلغ قيمة الفاتورة حوالي 140 مليون دولار.

طرق الانفكاك الاقتصادي

ومن مظاهر بدء الانفكاك الاقتصادي الذي قامت به السلطة الفلسطينية، الطلب من النرويج إعادة تفعيل اتفاقية باريس الاقتصادية، وكذلك عقد اتفاقيات مع المستشفيات المصرية والأردنية، لتحويل المرضى عليهم، والاستغناء عن المستشفيات الإسرائيلية، وإنشاء سلسلة مستشفيات جديدة، وتشجيع السلطة الفلسطينية للمنتج المحلي.

وحول كيفية الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي، أظهر أنّ ذلك يحدث من خلال خطوات فعليّة مدعّمة بالإرادة السياسيّة، وتتمثل في أسئلة عدة، فهل يمكن إيجاد عملة فلسطينية؟ وهل يمكن استيعاب العمال؟ وهل تستطيع السلطة إيصال السلع من دون المرور بالموانئ الإسرائيلية؟ ومن ضمن طرق الانفكاك، أوضح أبو الروس أنّ العملية التجارية أهمّ خطوة، وتكون من خلال إيقاف استيراد البضائع من الموانئ الإسرائيلية، وتعزيز التعاون التجاري مع الأردن ومصر.

 ويليهما إيجاد عملة فلسطينية "الجينيه" وهو من أهم مظاهر الانفكاك الاقتصادي، لضخامة عدد من يستخدم "الشيكل الإسرائيلي"، ويمكن حدوث ذلك من خلال ترويج العملة الفلسطينية، وشرعنتها عربياً، بقبول التبادلات المالية فيها، ووجود غطاء بالعملة الصعبة للحفاظ على قيمتها.

ثمّ، التحرر من التبعية الصحية، من خلال إنشاء مستشفيات، وعقد اتفاقيات مع الدول العربية لتحويل المرضى على مستشفياتهم، وتشجيع الاستثمار المحلي، وإقامة مصانع وطنية لتشغيل الأيدي العاملة في إسرائيل، والقضاء على البطالة. وأظهر أنّ من بين طرق الانفكاك تشجيع الزراعة، وفي هذا الجانب فرصة قوية، من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتوجات الزراعية، فضلاً عن إمكان تصدير بعض الأصناف إلى الخارج.

غزة وإسرائيل

وحول قطاع غزّة، أكّد أبو الروس وجود موارد كثيرة لا يمكن تحقيق الانفكاك الاقتصادي بالاستغناء عنها، مثل مخرجات البحر، والغاز، فضلاً عن إمكان طباعة العملة الفلسطينية فيها، ويمكن أن يحدث ذلك في حال تحقيق المصالحة الوطنية. والملفت أنّ أكثر المعضلات التي قد تواجه الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، ضخامة الأيدي العاملة العاطلة من العمل، والتي التحق بها أكثر من 49 ألف عامل لصفوف البطالة في العام 2018.

وأكّد أنّه في حال الانفكاك الاقتصادي فإنّ إسرائيل ستتأثر بقيمة النقد الذي كان يستخدمه الفلسطيني، وفي قيمة المنتجات والتبادلات التجارية، والتي تشكل 58 في المئة من إيرادات الجانب الإسرائيلي، وهو ما يعجل الاقتصاد الإسرائيلي يتضعضع موقتاً.

المزيد من العالم العربي