Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الناتو العربي... هذه روايتي

الرئيس ترمب تحرر من الضغوط الداخلية المتمثلة في التحقيقات الروسية وبات قادراً بعد إدراج الحرس الثوري وإنهاء داعش على التحرك

استعراض للقوات المشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة "درع الخليج 1" والتي شملت 22 دولة في الجبيل ، بالمنطقة الشرقية في السعودية أبريل 2018 (واس)

يجري الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن التحالف العربي منذ سنوات عدة، ونسمع عن التحالف الذي يعمل في اليمن بمواجهة الحوثيين والمتطرفين، وعن احتمال نشوء تحالف عربي في سوريا.

وفي واشنطن يتحدثون عن تحالف عربي لمواجهة الإرهاب والتطرف، ومع ذلك لم نر طوال هذه السنوات مأسسة لهذا التحالف، وانما إعلانات استراتيجية مهمة وعمليات تنسيق بين أركانه، وبالمقابل تحاول بروباغندا الإخوان المسلمين، وإيران زعزعة التفاؤل بهذا التحالف، والزعم انه فشل في كل مكان لإحباط الشارع العربي والإسلامي ودفعه الى عدم المراهنة عليه.

في ظل هذه الروايات التي تتناول التحالف، الايجابية منها والسلبية، لا بد من تقديم مراجعة تاريخية لظروف ولادة التحالف العربي ونشأته والمقترحات التي قُدمت من بعض الحكومات والمسؤولين، كما سيقدم المؤرخون في المستقبل، الرواية الدقيقة لقرار انشاء التحالف على مراحل ومن أماكن مختلفة.

من جهتي، أقدم روايتي الشخصية التي اعرفها، فعلى الصعيد النظري وخلال عام 2009 الذي شهد معارك عنيفة في محافظة صعدة باليمن ونمو النفوذ الإيراني فيها، تحدثت عن ضرورة ان يكون الرد على التدخل الإيراني مشتركاً بين دول عربية عدة، ونشرت في العام نفسه كتاباً حمل عنوان المواجهة: الاستراتيجيات الجديدة ضد الإرهاب، حيث تحدثت عن ضرورة إقامة تحالفات دولية وإقليمية لمواجهة الخطرين الناميين في المنطقة، خطر الجهاديين التكفيريين، وخطر التوسع الإيراني.

ومع انطلاق شرارة ثورة الشعب المصري ضد تنظيم الاخوان المسلمين عام 2013، ركزت في إطلالاتي الإعلامية على وسائل الاعلام العربية والمصرية، على ضرورة وقوف العرب مع الشعب والمؤسسات في وثبتهم ضد نظام محمد مرسي ومن خلفه جماعة الإخوان. ودعوت إلى إقامة تحالف واسع، واعتبار مصر الجهة الأساسية للمواجهات التي سيخوضها هذا التحالف ضد الفكر المتطرف للقضاء عليه، ورأينا كيف ان المملكة العربية والسعودية والامارات والبحرين، وقفت الى جانب الشعب والقوات المسلحة عندما قاموا بعملية التغيير فكانت هذه المرحلة الثانية من موجبات قيام التحالف.

في العام 2014 وعلى اثر سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة من العراق وسوريا، حدثت لقاءات مع مسؤولين سعوديين في واشنطن، اقترحت خلالها قيام الرياض بالدعوة الى تشكيل تحالف عسكري يقوم بمساندة التحالف الدولي لتنفيذ عمليات ضد داعش، وإقامة مناطقة آمنة مستقرة في الدولتين بانتظار التوصل الى حلول سياسية في بغداد ودمشق، وفي العام نفسه تحاورت مع مسؤولين مصريين حول الموضوع نفسه، وزرت القاهرة في السنوات التي تلت والتقيت مع شيخ الازهر، وبابا الاقباط، ونواب وشخصيات رسمية مصرية، وكان الحديث يدور دائما حول ضرورة ان تكون مصر والامارات والسعودية نواة أساسية لهذا التحالف.

نهاية عام 2015 التقيت بالمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، دونالد ترمب واطلعته على أفكاري، ورسمنا خرائط على طاولة مكتبه في نيويورك حول ما يمكن ان يقوم به التحالف العربي، واُعجب جدا في هذه الفكرة، قائلاً انه سيستخدمها في حملته الانتخابية، وسيعتمدها كسياسة في ادارته بحال نجاحه بالانتخابات، وخلال الحملة الانتخابية عام 2016 واثر تعييني مستشاراً للعلاقات الخارجية للمرشح الرئاسي يومها، تحدثت خلال لقاءاتي مع الدبلوماسيين العرب والأجانب عن ضرورة اعلان هذا التحالف بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، واطلقت عليه اسم "الناتو العربي"، كما تحدث ترمب مرارا عن هذا المشروع، وبعد الفوز بانتخابات 2016 زرت أبو ظبي والتقيت بقيادات إماراتية رفيعة المستوى وتباحثنا في موضوع التحالف وكانوا من أشد المرحبين بفكرة التحالف والداعمين لها.

الإشارة الأقوى للإدارة الأميركية في هذا السياق جاءت مع زيارة الرئيس ترمب إلى الرياض في أيار 2017، حيث طالب الزعماء العرب والمسلمين بتشكيل قوة مشتركة لمواجهة الإرهاب، وقال عبارته الشهيرة ادفعوهم الى الخارج، وحذر من خطورة إيران. يومها ظهر جلياً أركان التحالف الرئيسيين السعودية والإمارات ومصر، ويلاقيهم الرئيس الأميركي على الشطر الآخر من الأطلسي.

بعد هذا الإعلان في قمة الرياض، لم يتبلور التحالف بالشكل المطلوب، فكان يتقدم في بعض المواقع ويتعثر في أخرى، ومن أهم الاحداث التي اثرت على صعود التحالف، الرفض القطري له ورغبة الدوحة بالتنسيق مع ايران، مما دفع بالقيادة الإماراتية والسعودية، أركان هذا التحالف، الى مقاطعة قطر، ولم تسمح الأوضاع الأميركية الداخلية للرئيس ترمب بالضغط اكثر في هذا الموضوع، وتمكنت جماعات الضغط من دفع الكونغرس الى مضايقة الرياض في موضوع اليمن، وتم التهديد بقطع المساعدات العسكرية عن مصر، ووجهت انتقادات لاذعة للإمارات، ولعل عدم وجود قيادة مركزية للتحالف تتعاطى مع كل الإشكالات، بالإضافة إلى غياب إدارة ترمب بسبب المشاكل الداخلية ساهمت في ابطاء عمل التحالف.

غير انه في عام 2018، قام ترمب بعمل مهم لمصلحة التحالف بعد إعلان انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني بالتنسيق مع دول التحالف، وعُدّ هذا نصراً مهماً بعد عام من قمة الرياض، ثم وضع عقوبات قاسية على النظام الإيراني وحزب الله، وجاء القرار الأهم بإدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب.

وإذا أردنا ان نقوِّم التحالف من الناحية الاستراتيجية، فلا بد من القول، انه حقق نجاحاً كبيراً من خلال تضامن الدول الأعضاء الأساسية (الإمارات والسعودية والبحرين ومصر) ومعها الجيش الوطني الليبي وقوى معارضة في المنطقة. ان استمرار هذه القوى بالمواجهة هو نجاح أساسي، والمطلوب الان الوصول الى النجاح الاستراتيجي الأكبر، والظروف أصبحت ملائمة فالرئيس ترمب تحرر من الضغوط الداخلية المتمثلة في التحقيقات الروسية، وبات قادراً بعد ادراج الحرس الثوري وإنهاء داعش على الحدود العراقية السورية، على التحرك على المحاور كافة، ولذلك المطلوب إعادة اطلاق التحالف من خلال مؤتمر ثان يُمكن عقده في الرياض، او أبو ظبي، او القاهرة، وحتى في واشنطن، وإعلان تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة التي ستعطي العرب ثقة اكبر وهم يشاهدون قوة موحدة تمثلهم وتواجه الإرهاب في كل الساحات، والاهم تشكيل جهاز اداري للتحالف على غرار الناتو في بروكسيل، وافتتاح مكتب له في واشنطن كي يتمكن من الدفاع عن أفكاره وإقامة العلاقات المطلوبة لتوفير سبل النجاح. هذه دعوة مني لإطلاق المرحلة الثانية من التحالف العربي.

المزيد من آراء