بات جلياً ذلك الاعوجاج الذي يعتري صف الشرعية اليمنية في ظل حرب طاحنة يكابدها أبناء البلد منذ أربع سنوات بين القوات الموالية لها من جهة، ومسلحي الحوثي من جهة أخرى، ما تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب وصف الأمم المتحدة.
وشهد صف الحكومة الشرعية، منذ مطلع العام الحالي، بروز جملة تطورات كشفت هشاشة خارطة التحالفات السياسية والعسكرية الحالية التي تقودها الشرعية في ظل تباين بلغ حد الاتهام المباشر بالخيانة والتخاذل، فيما يبدي الطرف الآخر ممثلاً بجماعة الحوثي تماسكاً واضحاً عمل على ترجيح كفته العسكرية، مؤخراً في عدد من الجبهات كما هو الحال في جبهتي البيضاء (وسط اليمن) والضالع (جنوب) دفعت بخلافات "الشرعية" إلى السطح.
مواقع التواصل ساحة للصدام
وعجّت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الاتهام المتبادل كان أبطالها قيادات حكومية في الشرعية ومكوناتها المؤيدة التي تضم معظم الاحزاب والتنظيمات السياسية، كتعبير عن هوة مساحة الانسجام و التفاهم فيما بينها بعد أن توقع مراقبون حدوث تقارب نوعي إثر عقد البرلمان اليمني في مدينة سيئون منتصف شهر ابريل (نيسان) الحالي.
وتبادل مستشار وزير الإعلام، مختار الرحبي التهم مع الإعلامي المؤتمري عادل النزيلي، حول من يقف خلف الفوضى الأمنية التي تشهدها محافظة تعز. إذ يؤيد الرحبي إدارج اسم الزعيم السلفي "أبو العباس" ضمن قوائم الإرهاب الدولية وقوائم الإرهاب لكل دول الخليج. مطالباً إياه في تغريده عبر حسابه بتويتر بـ"ترك تصدر المشهد في محافظة تعز، لنقف جميعا مع الدولة مع الجيش مع الأمن مع الاستقرار ولتسقط تسمية كتائب ابو العباس اذا كانت فعلا تتبع الجيش ولتسقط كل التسميات ويبقى فقط اسم الجيش الوطني". ليرد عليه النزيلي بسخرية، بأن الحكومة الشرعية تراخت في قبول سلطة الحوثيين في الحديدة، وفي لهجة ساخرة يقول إن الحكومة الشرعية في مفاوضات السويد لم تقبل "بغير سيطرة الجيش الوطني على كامل تراب الحديدة".
ثم يرد الرحبي: "بطلوا هذه اللغة الاستعلائية التى تجيدون استخدمها وأنتم مع الحوثي في السابق او ضده".
الحكومة تبدي أسفها لـ"التراشق"!
وكرد فعل لما يجري، عبّر وزير الاعلام اليمني، معمر الإرياني، عن أسفه لما وصفه بـ"التراشق بين إعلام ونشطاء المكونات السياسية والوطنية"، الذي قال إنه "يؤكد الحاجة الماسة إلى العمل على إعداد وإقرار والالتزام بميثاق شرف إعلامي يضبط الأداء ويضع مواجهة الخطر الذي تمثله المليشيا الحوثية الإيرانية ويتهدد كل اليمنيين حاضرهم، مستقبلهم في صدارة الاهتمام".
وقال الارياني في سلسلة تغريدات نشرها في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، "لم يعد خاف (خافياً) على أحد انه لولا الأزمة بين القوى السياسية والوطنية لما كان لمليشيا الحوثي الإيرانية إمكانية اقتحام العاصمة صنعاء والسيطرة عليها، وأن المليشيا تعمل على تعميق الخلافات بين مكونات الصف الوطني وتراهن عليه، للبقاء والتوسع في مناطق جديدة والاستمرار في التسلط على رقاب اليمنيين".
وناشد الوزير اليمني "كافة الاعلاميين والنشطاء في مواقع التواصل من مختلف المكونات السياسية تجاوز الحسابات السياسية والحزبية والعمل على لملمة الصفوف وتوحيد الجبهة الوطنية لمواجهة الحوثيين وفاء لتضحيات الشهداء والجرحى من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية الذين رووا بدمائهم الطاهرة تراب هذا الوطن".
الشرعية ومعارك التكسب
وتصاعدت حدّة الاتهامات البينية داخل أطراف الشرعية اليمنية بالتكسب وراء العمليات العسكرية التي تستهدف الحوثيين، وهي النقطة الأبرز التي دائماً ما تثير الجدل وتدفع هذه الأطراف لتبادل الاتهامات بينها، خصوصاً في ظل توقف جبهات القتال الذي يقابله دعم سخي من دول التحالف العربي في حالة شبهها البعض بمثابة حرب استنزاف لدول التحالف.
يرى الباحث السياسي اليمني، ثابت الأحمدي، بروز خلافات كبيرة ومتباينة بين فريق الشرعية لم تكن موجودة من قبل، وهو خلاف تجنحات ومصالح داخل الفريق الواحد نفسه، بعد أن أصبحت القضية اليمنية قضية ثانوية في اهتمامات الشرعية".
ويضيف خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، " الخلافات التي طفت على السطح مؤخراً هي خلافات مصالح تجارية بدرجة رئيسية، ثم خلافات سياسية وحزبية بين بعض المكونات بدرجة ثانية ولم تعد القيادة السياسة ترغب بالعودة للبلاد التي تعيش أوضاعاً صعبة وحسم المعركة مع الانقلابيين".
مواجهات دامية
وبحسب متابعين، فإن هذه الخلافات انعكست بدورها على مجمل الأوضاع في المحافظات التي تسيطر عليها الشرعية، وأسهمت بشكل كبير في تردي الخدمات، فيما وصلت ذروة هذا الخلاف وتداعياته حد المواجهة الدامية كالتي شهدتها تعز بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة تقول جهات حكومية انها تتبع القيادي السلفي أبو العباس، الذي سبق واتهمت أطراف موالية للحكومة فريقه بقتل الموظف اللبناني في الصليب الاحمر، حنا لحود، في شهر ابريل (نيسان) العام الماضي. فضلاً عما سبق كل ذلك من مواجهات مسلحة قادها ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الداعي لانفصال جنوب اليمن عن شماله، في يناير (كانون الثاني) من العام 2018 وهو تيار يقول أنه يتبع حكومة الرئيس هادي!
إطالة أمد الحرب
ويقول المحلل السياسي اليمني فؤاد مسعد إن التباينات الموجودة داخل مكونات الشرعية ساهمت كثيراً في إطالة أمد الحرب وعدم تحقيق أهداف التحالف العربي والحكومة الشرعية ممثلة في استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب الحوثي.
ويضيف خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "هذه التباينات كان يمكن أن تكون ظاهرة طبيعية وصحية لو أن أطراف الشرعية وقيادة التحالف العربي استطاعت التعامل مع الخلافات بما يخدم الهدف الرئيسي الذي يجمع كل هذه الأطراف، وتجاوز حالة الصراع والضعف إلى مستوى متقدم في تحقيق الانتصار على جماعة الحوثي".
ويستدرك "لكن فيما يبدو أن أطرافاً داخل التحالف عملت على استثمار هذا التباين والخلافات في صناعة قوى ومراكز نفوذ محلية تمارس الحرب بالنيابة عنها لأجل تحقيق أهداف غير تلك التي أعلنها التحالف العربي عند بدء الحرب وإعلان عاصفة الحزم، وهو ما أدى إلى توسع رقعة الصراعات الداخلية وإضعاف جبهة الشرعية سياسيا وعسكرياً".