يزداد أخيراً مستوى التقارب الجزائري - الموريتاني، بعد "توتر" سابق هدد بانشطار العلاقات بين البلدين. وجاء فتح خط بحري تجاري مباشر بين الجزائر وموريتانيا ليعبّر عن الحيوية التي تطبع النشاط على خط الجزائر- نواكشوط.
ارتياح وشكوك
وتتسارع الإجراءات والقرارات التحفيزية بين الجزائر وموريتانيا بشكل خلق نوعاً من الارتياح لدى الطرفين، لا سيما في أوساط الاقتصاديين ورجال الأعمال من البلدين، فبعد فتح المعبر الحدودي البري وتوقيع اتفاقيات تجارية عدة، انطلقت يوم الاثنين 12 أبريل (نيسان) الحالي، أول رحلة للخط البحري المنتظم الموجه خصوصاً للتصدير بين الجزائر ونواكشوط. وبقدر ما يُعد التقدم الحاصل بين البلدين الشقيقين نجاحاً كبيراً، في ظل التشنج والانسداد المسجل بين دول شمال أفريقيا، إلا أن الشكوك تحوم حول النوايا الحقيقية من هذا التقارب، بخاصة بعد كشف المدير العام للشركة الجزائرية التي تشرف على الخط الجديد، مصطفى حمادو، عن "استهداف الدول المجاورة لموريتانيا"، مبرزاً أنه "أول خط مباشر نحو أفريقيا، وسيمكن الجزائر من تصدير مختلف منتجاتها نحو القارة السمراء في مدة قياسية، فضلاً عن توفير أحسن الظروف للحفاظ على السلع وحمايتها من التلف".
وتابع حمادو أنه "بوصول المنتجات الجزائرية إلى نواكشوط من طريق البحر، يمكن بكل سهولة استعمال الطرق البرية لتوصيل السلع إلى بلدان أفريقية أخرى على غرار مالي والسنغال وغيرهما"، مشدداً على أن "الخطوة تأتي استجابةً للطلب الكبير الذي عبّر عنه المصدرون الجزائريون الذين يرغبون في ولوج الأسواق الأفريقية، لا سيما في غرب القارة".
الجزائر ثانية بعد المغرب
في السياق، يعتبر المحلل الاقتصادي، مراد ملاّح، أنه "مما لا شك فيه أن تطوير الخطوط البحرية وإضافة وجهات جديدة، يُعد أمراً مهماً جداً للاقتصاد بشكل عام، وللمتعاملين بشكل خاص، فالعلاقات التجارية الجزائرية - الموريتانية التي أضحت في قلب اهتمامات الجزائر الرسمية والشعبية، ستستفيد لا محالة من الرحلة المباشرة التي تختصر الزمن، وتسمح بإجراء عمليات تصدير نوعية وبكميات كبيرة، بخاصة أن الباخرة تتمتع بطاقة استيعابية تناهز 1000 حاوية". وقال إن "هذه الخطوة قد تؤسس لتجارة نحو بقية الغرب الأفريقي وتحويل موريتانيا إلى منصة لتصدير المنتجات الجزائرية، كما قد تحول الموانئ الجزائرية إلى موانئ عبور لصادرات السمك الموريتانية الضخمة نحو بقية الدول".
وواصل ملاّح أن "الصادرات الجزائرية إلى موريتانيا، لا تزال ربما دون المأمول، حيث تُقدَّر بحدود 50 مليون دولار، وسجلت حوالى 8.7 مليون دولار في الربع الأخير من السنة الماضية". وختم قائلاً إن "هذه الأرقام تضع الجزائر ثانيةً في سلم التبادلات التجارية الأفريقية لدولة موريتانيا بعد المغرب، الذي يصدر حوالى 200 مليون دولار سنوياً إلى ذلك البلد".
من جانبه، رأى رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات، يوسف الميلي أن "فتح خط بحري تجاري مباشر بين الجزائر ونواكشوط، خطوة عملاقة ومهمة جداً للتصدير"، معتبراً أنها "بمثابة شريان جديد للتصدير، حيث نستطيع الآن توصيل البضاعة بسرعة أكبر وتكاليف أقل، وهذا ما يجعل البضاعة الجزائرية جد منافسة في السوق الأفريقية، لأن الطريق البري في هذه المرحلة صعب جداً ومكلف إذا لم تتحسن حالته".
استغراب وانتقادات
وأثارت الخطوة استغراب بعض الأطراف التي تساءلت حول مدى قدرة الجزائر على التجاوب مع المتطلبات التي تبحث عن تحقيقها من خلال التقارب مع موريتانيا، أم أن الأمر يتعلق بمنافسة المغرب، بخاصة في ظل الانتقادات التي وجهتها "الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل" إلى الحكومة التي لم تفرج حتى الساعة عن قانون الاستثمار. وقال رئيس "الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل" سامي عقلي في تصريحات إعلامية، إنه "من غير المعقول ألا يُدرس ملف استثمار صناعي واحد طيلة سنة كاملة"، مضيفاً أن "المتعاملين الاقتصاديين يأملون في تخفيف مسار خلق الثروة بطريقة فعلية، وتشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأنها اللاعب الحقيقي في هذه النظرة الجديدة إلى الاقتصاد، من أجل الوصول إلى سد العجز الحاصل في عدد المؤسسات والمقدّر بنحو مليون ونصف المليون مؤسسة". وأوضح سامي عقلي أنه "لا يمكن التحدث عن نجاح الفلاحة من دون وجود مصنع محول، لأن الصناعة التحويلية تمثل رافداً مهماً للفلاحة مثلها مثل الجوانب الأخرى التي لها صلة بنجاح الفلاحة كالتخزين والتصدير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوة غير كافية
في سياق متصل، عبّر أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي عن اعتقاده بأن "فتح خط بين الجزائر وموريتانيا كان مطلب المصدرين الجزائريين منذ مدة". وقال "صحيح أنها خطوة مهمة في تعزيز صادرات الجزائر بخاصة نحو الغرب الأفريقي، لكن تبقى أولية يجب أن تتبعها خطوات أكبر حتى تكون للسلع الجزائرية القدرة على منافسة منتجات الدول التي سبقتها إلى هذه المنطقة"، مشيراً إلى أن "حجم التجارة مع موريتانيا ارتفع منذ فتح المعبر الحدودي، لكن يبقى غير كاف لتحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة الجزائرية المتمثلة ببلوغ 5 مليارات دولار، خارج قيمة المحروقات". ودعا إلى إنشاء شركة مختلطة جزائرية - موريتانية لسكك الحديد للإسهام في ترقية التجارة الجزائرية في أفريقيا.
تحريك الدبلوماسية الاقتصادية
في الشأن ذاته، اعتبر الإعلامي وليد محمد مدكور، أنه "ليس سهلاً تصدير السلع عبر النقل البحري، على الرغم من أنه أقل كلفة من أنواع النقل الأخرى، بالإضافة إلى أفضلية الوزن بما أن الباخرة تنقل آلاف الأطنان من البضائع والسلع، لكن النقل البحري يقتضي توفر التسهيلات اللوجستية، من حاويات تبريد وإجراءات مبسطة لنقل الحاويات دون المماطلة على مستوى الموانئ، بينما نتساءل حول الاستراتيجية المتبعة بعد فتح هذا الخط البحري". وقال مدكور إن "السوق الموريتانية تكتسحها المنتجات المغربية والصينية والأوروبية، كما أن عدد سكان موريتانيا لا يتجاوز 4.5 مليون نسمة، أما السنغال فتعدادها 13.7 مليون نسمة، وغينيا 12.7 مليون نسمة، وعليه، فالأمر يتعلق بضرورة تحريك الدبلوماسية الاقتصادية من خلال فتح مصارف وخطوط جزائرية لتسويق المنتجات، بالإضافة إلى الدعاية الإعلامية للسلع الجزائرية في غرب أفريقيا". وختم قائلاً إن "على الجزائر استغلال علاقاتها قبل فتح خط بحري".