Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراصير "تجتاح" سجن النقب الصحراوي

ترفض الإدارة الإسرائيلية رش المبيدات ما يعرض المعتقلين لمشاكل صحية

مسيرة تضامنية مع المعتقلين في سجن النقب (أحمد حسب الله)

"لا تدعه يفلت منك... اقتله قبل أن يهرب". يصرخ خليل، ومن ثمّ يركض مسرعاً، وبحركة خفيفة يضرب الحائط بيده، "قتلته... لكن أعداد الصراصير كبيرة". ينظر إلى رفيقه الذي قتل عشرات الحشرات، ووضعها في وعاء أسود كبير، منتظراً الصباح لتسليمها إلى سجانه. يمر الليل ثقيلاً في زنازين سجن النقب الصحراوي الإسرائيلي، فالساعة التاسعة موعد إلزامي للنوم، لكن السجناء لم يناموا لليلة الرابعة على التوالي بسبب هجوم مئات الصراصير على غرفة خليل التي يتشاركها مع 15 أسيراً.

حشرات وقوارض

هي ليست المرّة الأولى التي تهجم الحشرات على الأسرى الفلسطينيين في سجن النقب الصحراوي منذ إعادة افتتاحه العام 2004، لكن هذه المرّة مختلفة تماماً لضخامة أعداد الحشرات، وفق ما يقول خليل، خلال اتصالٍ هاتفي مسرب. وتبلغ مساحة السجن أكثر من 400 دونم، وهو أكبر السجون الإسرائيلية، و"يسكنه" 1500 أسير فلسطيني، وفيه 20 قسماً منوعاً، جزء منها خيام مكشوفة، منتشرة على مساحة 5 دونمات، فيما الجزء الثاني كرفانات، والبقية غرف إسمنتية.

ويقول خليل "لا يوجد أسرى في الغرف الإسمنتية، كلّنا موزعون على الخيام أو الكرفانات، كأحد أشكال التعذيب التي تتبعها إدارة السجون". ويسكن في الخيمة الواحدة 15 أسيراً، يوزعون المهام في بينهم، فينام قسم، فيما الباقون يتفرغون لقتل الصراصير، إما باليد أو بعصا أو ملاحقتها بالأحذية.

وطالب السجناء إدارة السجن بتوفير سم للصراصير، أو رشّ المكان بمبيدات حشريّة، لكنها رفضت، بسبب عيد، وهو إجازة رسمية قد تمتد إلى أكثر من سبعة أيام، لا يمكن خلالها شراء منظفات وإدخالها المعتقل. قد تطول المعركة مع الصراصير بحسب خليل الذي تهدّج صوته عبر الهاتف، لعلمه أن الإدارة لن تشتري المبيدات حتى بعد انتهاء عطلة عيد الفصح، والخوف من انتشار الأمراض والأوبئة بسبب هذا الهجوم الفتاك.

تقصير

ويثير انتشار الصراصير تخوفاً كبيراً لدى الأسرى والهيئات الحقوقية المهتمة بهم، كون أنّ مصلحة السجون لا توفّر أبسط مقومات العلاج أو العقاقير الطبية، ووفق الناطق باسم مكتب إعلام الأسرى علي المغربي، فإنّ ذلك يعد خرقًا للقانون الدولي الإنساني، ولاتفاقية جنيف الثالثة والرابعة، التي تنص على ضرورة حماية المعتقلين، وتوفير بيئة صحية مناسبة، تضمن حياة كريمة، وفي حال المرض، فإنّ السجان مكلّف بتوفير العلاج المناسب بالكمية اللازمة الكافية. لكن وفق المغربي، فإنّ إدارة السجن مستحيل أن تمنح الأسرى حقوقهم المكفولة في العلاج أو في أبسط مقومات حياتهم في الزنازين، إلا إذا نفذ ذلك نتيجة حراك وضغط جماعي، ومعروفة عن السجان الإسرائيلي المماطلة وعدم المبالاة بشأن الأسرى خصوصاً المرضى منهم.

سجن ملتهب صيفاً

ينخفض صوت الأسير خليل تدريجاً شارحاً "بدأت ظاهرة الصراصير تنتشر في السجون في 26 الحالي، إذ تدخل إلى الأقسام من بين الجدران الإسمنتية، ولأنّ الخيام مكشوفة على السماء، فإنّ ذلك يساعد الطيّار منها بالوصول إلينا". افتتح سجن النقب الصحراوي في العام 1989، وأغلق في العام 1994، ومن ثمّ أعيد افتتاحه في العام 2004، ويقع المعتقل وسط الصحراء، ودرس مكانه جيداً. إذ إن جغرافيا المكان محاطة بمعسكرات تابعة للجيش الإسرائيلي، يجري فيها عمليات تدريب ومناورات، ويسمع الأسرى فيه صوت أزيز الرصاص والقصف، وتعد حالة الضجيج هذه جزءاً من الرعب النفسي تجاه الأسرى. مكانه الصحراوي جعله إحدى وسائل تعذيب الأسرى، ففي الشتاء يكون البرد قارساً، وفي الصيف يكون حار جداً، ومحاطاً بأسوار إسمنتية عالية، تعتليها مجموعة من الجنود الإسرائيليين لحراسته ومنع حالات الهرب.

شيد سجن النقب من المكعبات الإسمنتية، ما يجعل بينها فراغات تساعد على دخول الحشرات والقوارض إلى غرف الأسرى، إضافة إلى الظروف المناخية.

كل تلك العوامل، جعلت المكان مناسباً للقوارض والحشرات والصراصير لاقتحام السجن، بحسب خليل "فالجرذان تعيش مع الأسرى، وتنتشر بكثرة في مصارف الصرف الصحي، وتخرج ليلاً، لأكل الخبز وبقايا الطعام، والرائحة كريهة جدًا، والحياة بائسة في هذه الظروف". ومشكلة التقصير في نظافة السجون لها تاريخ قديم، بدأت في العام 2004، بعدما أوقفت إسرائيل تزويد الأسير كل شهر بصابونة ومعجون أسنان، ومنظفات للمكان، وتزويد الغرفة بنحو 70 دولاراً لشراء أدوات تنظيف، وكانت الذريعة في ذلك عدم وجود موازنة مالية. ويشرح خليل أن الأسير بات يعتمد على ماله الخاص للاعتناء بنظافته الشخصية، لكن الأسعار مرتفعة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي