وجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تحذيرات لكل من روسيا والصين في شأن تحركاتهم العسكرية في أوكرانيا وتايوان، من دون أن يشير إلى أي احتمال بتدخل من الولايات المتحدة في حال إقدام أي من البلدين على غزو عسكري لجيرانه، قائلاً "لن أخوض في الافتراضات"، لكنه تعهد بأن تكون هناك "عواقب".
وفي حديث لقناة "أن بي سي" الأميركية، الأحد، قال بلينكن إنه "سيكون خطأ فادحاً" أن تضرب الصين تايوان. وأشار "لدينا التزام تجاه تايوان بموجب قانون العلاقات مع تايوان، وهو التزام موجود منذ سنوات عدة، للتأكد من أن لدى تايوان القدرة على الدفاع عن نفسها، والتأكد من أننا نحافظ على السلام والأمن في غرب المحيط الهادئ، ونحن نقف وراء تلك الالتزامات".
وأضاف الوزير الأميركي "كل ما يمكنني قوله هو أنه سيكون من الخطأ الفادح أن يحاول أي شخص تغيير الوضع الراهن بالقوة". وأعرب عن "قلق حقيقي" بشأن حشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا.
قضية تايوان
تايوان، التي يقطنها ثلاثة وعشرون مليون نسمة، وتحكمها حكومة منتخبة ديمقراطياً، استقلت عن الصين منذ ثورة ماو تسي تونغ عام 1949. لكن تنظر جمهورية الصين الشعبية إلى الجزيرة، التي هرب إليها بقايا النظام القومي القديم حيث كانوا هم وخلفاؤهم بمثابة شوكة في جانب الصين لعقود، كمقاطعة.
وترفض الصين التخلي عن استخدام القوة لحل النزاع حول وضع الجزيرة، وهو ما أكده وزير دفاعها وي فنغ خه، في كلمته أمام منتدى "شانغريلا"، الأمني في سنغافورة، إذ قال إن الصين "ستقاتل حتى النهاية"، إذا حاول أحد التدخل في علاقتها مع "تايبيه" (عاصمة تايوان). وأضاف بينما كان يرتدي زيه العسكري جنرالاً في جيش التحرير الشعبي الصيني "لن تنجح محاولات تقسيم الصين. أي تدخل في مسألة تايوان محكوم عليه بالفشل".
ضُمت الجزيرة إلى سيادة الصين في عهد أسرة تشينغ في أواخر القرن السادس عشر، ثم تنازلت عنها الإمبراطورية في وقت لاحق إلى اليابان في عام 1895 وفقاً لمعاهدة شيمونوسيكي، التي أبرمت في أعقاب الحرب الصينية- اليابانية الأولى، إذ كانت تعرف وقتها باسم "فورموز". وظلت اليابان تحكمها كمستعمرة حتى عام 1945، عندما طُلب من القوات اليابانية في الجزيرة الاستسلام للقوات الصينية (قوات الكومينتاغ التابعة لجمهورية الصين الشعبية) بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. لكن، مع اندلاع الحرب الأهلية والاشتباكات المسلحة بين الحكومة الصينية (حزب الكومينتاغ) والميليشيات العسكرية الشيوعية، هربت الحكومة الصينية إلى تايوان، لكن الرئيس تشيانغ كاي تشك أصر على أن حكومته واصلت تمثيل جميع الشعب الصيني في الجزيرة والبر الرئيسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت واشنطن ومعظم القوى الغربية موقف حزب الكومينتانغ من خلال رفضها، فترة طويلة، الاعتراف بالحكومة الشيوعية في بكين. وهو الموقف الذي تراجعت عنه معظم الدول في ما بعد. وبحسب مركز العلاقات الخارجية الأميركي، فإن موقف واشنطن من الصين الشيوعية بدأ في التحول تحت إدارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، إذ أسفرت دبلوماسية القنوات الخلفية عن اعتراف واشنطن الرسمي بجمهورية الصين الشعبية في عام 1979، ونقلت عضوية مجلس الأمن من تايوان إلى الصين عام 1971، باعتبار الصين الموحدة هي الكيان السياسي الذي كان يسيطر على الجزيرة والأراضي الرئيسية قبل الحرب الأهلية.
وظل حزب الكومينتانغ يحكم الجزيرة حتى عام 1987 بالأحكام العرفية للبقاء عليها مستقلة عن الصين، ومنع انفلات الأمر منه. وفي عام 1992 شهدت تايوان الانتخابات التشريعية الأولى، ثم انتخابات رئاسية في عام 1996. كان قد تم تأسيس الحزب الديمقراطي التقدمي، في عام 1986، كمنافس رئيسي لحزب الكومينتانغ، وأصبح قانونياً في عام 1989 بعد إلغاء الحظر المفروض على أحزاب المعارضة. وقد دعا الحزب الديمقراطي التقدمي إلى تايوان مستقلة قانوناً ككيان سياسي منفصل عن الصين. وأصبح منفذاً للتعبير عن الهوية التايوانية. وبين عامي 2000-2008 أصبح تشن شوي السياسي الأول الذي لا ينتمي إلى حزب الكومينتانغ يرأس البلاد.
تصعيد عسكري
والأسبوع الماضي، دفعت الصين بمزيد من مقاتلاتها إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية، في تصعيد لاستعراض القوة حول الجزيرة. وهو ما قوبل بإرسال الولايات المتحدة المدمرة "جون أس ماكين" التي تحمل صواريخ موجهة عبرت مضيق تايوان. وفي حين قالت واشنطن إن التحرك "روتيني"، ندّدت قيادة مسرح العمليات الشرقي للصين بالتحرك ووصفته بأنه يعمل على "تعريض السلام والاستقرار في مضيق تايوان للخطر".
ونقلت وكالة "رويترز"، الخميس، قول وزير الخارجية التايواني جوزيف وو، أن الولايات المتحدة "تشعر بالقلق"، بسبب احتمالات نشوب صراع. وقال للصحافيين في مقر الوزارة، "بحسب فهمي المحدود لصناع القرار الأميركيين الذين يراقبون التطورات في المنطقة، فمن الواضح أنهم يرون خطر احتمال أن تشن الصين هجوماً على تايوان".
أوكرانيا نقطة مشتعلة
وتقول مجلة "بولتيكو" الأميركية إن ديناميكية مماثلة ظهرت بين روسيا وأوكرانيا في السنوات الماضية. إذ أصبحت أوكرانيا دولة مستقلة في التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. لكن، في عام 2014، قامت روسيا بقيادة فلاديمير بوتين بضم شبه جزيرة القرم الواقعة على جنوب أوكرانيا ويفصلها عن روسيا من الشرق مضيق كيرش. ومنذ ذلك الحين يشتعل القتال بين الحين والآخر على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا.
وقال وزير الخارجية الأميركي، خلال لقائه مع القناة الأميركية، "بينما نتحدث الآن، يجب أن أخبرك أن لدي مخاوف حقيقية بشأن تصرفات روسيا على حدود أوكرانيا. هناك مزيد من القوات الروسية المحتشدة على تلك الحدود أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2014 عندما غزتها روسيا للمرة الأولى. لهذا السبب نحن على اتصال وثيق للغاية، وبتنسيق وثيق، مع حلفائنا وشركائنا في أوروبا".
وأضاف، "الرئيس بايدن كان واضحاً جداً بشأن هذا. إذا تصرفت روسيا بتهور أو بقوة، فستكون هناك تكلفة وستكون هناك عواقب".
واتهمت كييف موسكو، الأسبوع الماضي، بحشد آلاف العسكريين عند حدودها الشمالية والشرقية، وكذلك في شبه جزيرة القرم. وتقع اشتباكات بين القوات الأوكرانية وموالين لروسيا، في منطقة دونباس الناطقة بالروسية. ما يثير مخاوف من تصعيد النزاع الذي بدأ في 2014، إذ قتل 23 جندياً أوكرانياً على الأقل منذ مطلع العام الحالي مقارنة مع 50 خلال عام 2020 بكاملها.
ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء الماضي، حلف شمال الأطلسي إلى "تسريع عملية انضمام بلاده إلى الحلف"، معتبراً أن هذه هي "الطريقة الوحيدة" لإنهاء النزاع مع الانفصاليين الموالين لروسيا.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، لم ينف الكرملين تحركات القوات الروسية، لكنه شدد على أن موسكو "لا تهدد أحداً". وحذر من أنه سيتخذ "الإجراءات" اللازمة في حالة انتشار عسكري غربي في أوكرانيا. واعتبر أن انضمام أوكرانيا إلى الحلف العسكري الغربي "سيؤدي إلى تفاقم النزاع بين الانفصاليين الموالين لروسيا والقوات الأوكرانية". وقال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمام الصحافيين، "نشك كثيراً في أن ذلك، يمكن أن يساعد أوكرانيا على حل مشكلتها الداخلية. من وجهة نظرنا هذا الأمر سيفاقم الوضع".