Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تمكن "ماكبث" شكسبير من التفرقة بين الأخوين كوين؟

اقتباس جديد ينطلق من مونولوغات شريف "ليس هذا وطنا للعجائز"

من تقديم معاصر لمسرحية ماكبث (غيتي)

منذ بداياتهما السينمائية التي كانت أكثر من لافتة مع أفلامهما الأولى التي حققاها خلال ثمانينيات القرن العشرين، كان من المتفق عليه أنه لا شيء يمكنه أن يفرق بين الأخوين جويل وإيثان كوين. وهكذا اشتغل الاثنان معاً على ما يقرب من عشرين فيلماً تكلل معظمها بالنجاح بل اعتبر بعضها علامات في تاريخ السينما ونوعاً من التجديد الحقيقي في الأشكال والمواضيع. كان الاثنان حاضرين معاً في كل واحد من تلك الأفلام، كاتبين ومنتجين وغالباً في شراكة إخراجية تشي بآثار إبداعهما في أعمال كتباها معاً منذ البداية وأحياناً اقتبساها عن أعمال أدبية أو عن شخصيات تاريخية، ومنحتهما عدداً لا بأس به من "أوسكارات متنوعة". ولقد كان الحس العائلي يقودهما أحياناً إلى دمج أفراد آخرين من العائلة في هذا الجانب من الإنتاج أو ذاك من دون أن ننسى حضور زوجة أحدهما، جويل، الممثلة المبدعة فرنسيس ماكدورماند في بطولة عدد لا بأس به من أفلامهما بل أحياناً في أدوار ثانوية ترضى القيام بها بكل أريحية.

في السراء والضراء

كان الاثنان يؤكدان دائماً أنهما لن يحيدا عن ذلك المسار الذي شمل أحياناً كتابتهما أو إنتاجهما معاً أفلاما لا يخرجانها. ولكن فجأة قبل عامين ومع بداية أزمة كورونا وغياب الأخبار السينمائية الكبرى، أتت أخبار كان من الصعب أن يصدقها المرء في البداية: جويل كوين يعمل وحده من دون أخيه ناتان على تحقيق فيلم عن مسرحية "ماكبث" لشكسبير. وسيكون الفيلم وعنوانه "تراجيديا ماكبث" من بطولة دنزل واشنطن في دور ماكبث وفرانسيس ماكدورماند صاحبة الجوائز الرائعة بما فيها الأوسكار عن فيلم "لوحات إعلانية"، في دور الليدي ماكبث، ملكة الشر في تاريخ المسرح العالمي. كان الخبر مذهلاً لأسباب عديدة منها أن جويل اختار أن يكون فيلمه بالأسود والأبيض، وكتبه وأنتجه بنفسه من دون أن يكون أخوه حتى مستشاراً أو منتجاً للفيلم. ولكن بسرعة يومها جاء التوضيح: شراكة الأخوين "الأبدية" على حالها. أما هذا الفيلم فنزوة شخصية أراد جويل خوضها من دون أخيه الذي تبين أنه هو الآخر يعد نفسه بنزوة مشابهة لم يفصَح عنها حتى الآن. وأمام هذا التوضيح لم يوغل أحد في التساؤل أكثر عما إذا كان "الثنائي" الأشهر اليوم في تاريخ السينما الأميركية قد انفرط، أم أن في الأمر فعلاً نزوة لا أكثر.

ما الذي سيضيفه؟

وهكذا بدلاً من التوقف طويلاً عند فرضيات لا يريد أحد أن يخوضها حلّ الترقب بديلاً عن الإحباط وراح كثر يتساءلون ما الذي في إمكان جويل أن يضيفه إلى تلك الحكاية الخالدة التي جعل منها شكسبير قمة في الحديث عن الشر والسلطة بل حتى نزوة شخصية له ذات حقبة كان الإحباط يحيط به فيها من كل جانب؟ بدا واضحاً أن جويل كوين الذي كتب السيناريو بنفسه، يخوض المشروع كلعبة تحد فنية محاولاً أن يفعل ما يبدو مستحيلاً: أن يضيف جديداً إلى عمل اقتُبس نحو دزينتين من المرات في السينما ودائماً في أفلام نجحت في أفلمة بدت صعبة وقاسية. أفلام حملت تواقيع راسخة مثل أورسون ويلز ورومان بولانسكي وطبعاً الياباني كوروساوا في اقتباس جعل حكاية الطامح إلى عرش اسكتلندا ووسوسة زوجته له تدور في اليابان قبل قرون، وصولاً إلى لورنس أوليفييه الذي لم ينه اقتباسه أبداً.... ومن بعده المجري الكبير بيلا تار وعلى خطاه الأسترالي جاستن كورزل الذي حقق عام 2015 واحداً من أروع الاقتباسات وأكثرها عتمة وعنفاً...

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعظم كاتب سيناريو

والحقيقة أنه كان ثمة دائماً جاذبية تمثلها المسرحية التي إلى أفلمتها المتنوعة والتي جعلت أورسون ويلز يقول يوماً، إن "شكسبير هو بالتأكيد أعظم كاتب للسيناريو في تاريخ الفن"، فإن ثمة أيضاً ما يذكّر بأن كثراً من الموسيقيين أُغروا بتحويلها إلى أوبرات ومن بينهم طبعاً فردي الذي قال إن "ماكبث" أرغمته على عنف موسيقي لم يسبق له أن اختبره. وهو ما يشبه تعليق الروسي شوستاكوفيتش على اقتباسه أوبراليا لمسرحية روسية مقتبسة بدورها عن ماكبث الشكسبيري جاعلة منه امرأة هذه المرة، وكأن شر الليدي ماكبث وحده لا يكفي.

وطبعاً لسنا في حاجة هنا إلى التوسع في رواية ما يحدث في فصول هذه المسرحية التي كتبها شكسبير في عام 1606، مستنداً فيها إلى بعض التواريخ الاسكتلندية وربما شاهدها وقرأها ملايين البشر منذ عرضها الأول. ولكن لا بد من التذكير بأن في النبوءة التي تفتتح بها المسرحية يقال لنا إن بانكو يلد الملوك من دون أن يكون هو ملكاً، وهذه النبوءة تجعل "ماكبث" تبدو أشبه بتلك التراجيديات الإغريقية المليئة بالنبوءات وبمشيئة الأقدار. غير أن الجديد هنا، الإنساني المفتتح لعصر الفنون المرتبطة بالنوازع البشرية النابعة عن الإرادة البشرية، هو وصول النبوءة إلى الليدي ماكبث. فلئن كان ماكبث نفسه ارتعب أمام ما تنبأت به الساحرات واعتبره تخريفاً. فإن الليدي تتعامل مع الأمر بشكل مختلف: منذ البداية تجعل من نفسها المحرّض على الجريمة، وهي إلى حد كبير تقترفها أيضاً. وهكذا لا تعود مشيئة الأقدار قابلة للتنفيذ إلا عن طريق وسيط هو الجشع البشري الذي تمثله الليدي ماكبث وتجر زوجها فيه إلى جحيمهما.

الشرّ الذي لا مفر منه

في "ماكبث" وبحسب تحليل مبدع للبولندي يان كوت في كتابه "شكسبير معاصرنا"، التاريخ والكابوس صنوان لا يفترقان والشر جزء أساسيّ منهما. التاريخ، تاريخ الجريمة، والكابوس، كابوس العقاب والهبوط إلى الجحيم، أما الشر، فطبيعي ولا بد منه في الحياة. والمسألة هنا "قرار واختيار وقسر". الجريمة هنا ترتكب على مسؤولية الفرد الشخصية و"عليه أن ينفّذها بيده هو". فكيف سيعالج جويل كوين هذه المسألة منطلقاً من حوارات فيلمه وأخيه "ليس هذا وطناً للعجائز" الذي بدوره يدور من حول الشر المطلق؟ بالتأكيد سيكون علينا أن ننتظر الآن بعض الوقت لنرى اشتغال جويل كوين على المسرحية الشكسبيرية الكبرى. بل من المؤكد أن مشاهدتنا لهذا العمل حين تسمح الظروف الصحية العالمية بذلك لن ترينا فقط كيف اشتغل كوين على مسرحية قد يبدو أنها دخيلة على جوهر عمله للوهلة الأولى، بل لماذا اشتغل عليها. ومع ذلك يمكن المراهنة منذ الآن على أن في وسعنا أن نعثر، على الأقل في ثنايا وحوارات فيلم "ليس هذا وطناً للعجائز" على بذور فكرة تحول جويل إلى تحقيق "ماكبث"، لا سيما في ما يشبه المونولوغات التي يقولها ضابط الشرطة الذي يلعب دوره توم لي جونز في هذا الفيلم معلقاً على ما في الأحداث من كمية هائلة من الشر. وهي تعليقات ما كان من شأنها أن تمر مرور الكرام من دون أن تترك أثراً على الأقل لدى واحد من الأخوين وتدفعه إلى خوض تلك "النزوة" من دون أن تقلب مسار الأخوين رأساً على عقب، من خلال تأملات أحدهما في مسألة الشرّ.

المزيد من ثقافة