رجحت الهيئات المنظمة للأدوية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أن يكون لقاح "أكسفورد أسترازينيكا" المضاد لـ"كوفيد- 19"، مرتبطاً باضطرابات نادرة من تخثر الدم، أبلغ عنها بعض الأشخاص الذين تطعموا بجرعة من هذا اللقاح.
وكذلك تتركز مكامن القلق حول حالة نادرة للغاية تُعرف بـ "تجلط الجيوب الوريدية في الدماغ" Cerebral Venous Sinus Thrombosis (CVST)، وتحدث عندما يتخثر الدم في الأوردة التي تنطلق من الدماغ، أما ذروة خطرها فقد تتمثل أحياناً بوفاة الشخص المصاب بها.
وكذلك ظهر ترابط بين هذا التخثر من جهة، وحدوث تدن في عدد الصفيحات ["ثرومبوسايتوبينيا" Thrombocytopenia]، فتظهر لدى المريض مستويات منخفضة من الصفائح الدموية بشكل غير طبيعي.
واستطراداً، بلغت الحالات المكتشفة (من التجلط الدموي النادر) أقل من 300 حالة من بين 54 مليون جرعة أعطيت في مختلف أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة حتى الآن. ويبدو أن المعدل الأعلى للإصابات بهذه الحالة، قد سُجل بين الشابات، على الرغم من تعرض بالغين في سن التاسعة والسبعين للإصابة بها.
في ذلك الصدد، أصرت كل من "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" في بريطانيا Medicines and Healthcare products Regulatory Agency، و"وكالة الأدوية الأوروبية" European Medicines Agency على أن لقاح "أسترازينيكا" لا يزال آمناً للاستخدام، وفائدته في تأمين الحماية من فيروس "كوفيد- 19" تفوق بكثير المخاطر جميعها.
ما جديد هذا الموضوع في المملكة المتحدة؟
بعد التحقيق في تقارير تتعلق بحالات "تجلط الجيوب الوريدية في الدماغ"، تقرر تطعيم الشباب ممن تقل أعمارهم عن 30 عاماً في المملكة المتحدة بلقاح بديل عن لقاح "أكسفورد - أسترازينيكا".
وفي هذا الإطار، قالت "اللجنة الحكومية المشتركة للتطعيم والتحصين" Joint Committee on Vaccination and Immunisation إن الأشخاص البالغين الأصحاء الذين تتفاوت أعمارهم ما بين سن الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين، ولا يعانون ظروفاً صحية أساسية أو مخاطر من فيروس كورونا بحد ذاته، يجب أن يحصلوا على لقاح مختلف، حينما يكون ذلك متاحاً.
وحاضراً، لم تعط المملكة المتحدة ترخيصاً إلا للقاحين هما "فايزر - بيونتك"، و"موديرنا".
وفي مزيد من التفاصيل، ذكرت "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" أنه جرى تسجيل 79 حالة من "تجلط الجيوب الوريدية في الدماغ" المرتبطة بانخفاض في خلايا الصفائح في الدم. وقد ظهرت بعد إعطاء أصحابها الجرعة الأولى.
وكذلك أشارت الوكالة إلى أن 19 شخصاً قد توفوا نتيجة تلك الاضطرابات في تخثر الدم، ثلاثة منهم أعمارهم تقل عن 30 عاماً، في حين تراوحت أعمار جميع المرضى المصابين بين 18 و79 عاماً، منهم 51 امرأة و28 رجلاً.
ويؤكد مسؤولو الصحة أن لقاح "أسترازينيكا" لا يزال آمناً بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المرضى، مع إعطاء نحو 20 مليون جرعة حتى الآن في مختلف أنحاء المملكة المتحدة. وضمن هذه المجموعة، جرى إنقاذ حوالى 6 آلاف شخص من الموت، قياساً على متوسط معدل الوفيات الذي يسببه مرض "كوفيد".
وفي سياق متصل، أوقِفت تجارب لقاح "أسترازينيكا" على الأطفال في المملكة المتحدة بشكل مؤقت، في وقت تواصل فيه الجهات التنظيمية ضمن "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" تحقيقاتها بشأن إمكانية وجود رابط بين اللقاح وحالات "تجلط الجيوب الوريدية في الدماغ".
وكذلك أوضحت "جامعة أكسفورد" أنها "لا توجد مخاوف تتعلق بالسلامة في التجارب السريرية التي تُجرى على الأطفال"، والاختبارات قد توقفت بصورة موقتة، في انتظار توفر معلومات إضافية من وكالة تنظيم الأدوية، عن الجلطات لدى البالغين التي جرى الإبلاغ عنها.
وأكدت الجامعة نفسها أيضاً أنها لم تحدث أي مشاكل أو مضاعفات في التجارب نفسها. ودعا الباحثون في الجامعة الأهالي والأطفال إلى مواصلة التزام جميع مواعيد الزيارات التي جرت جدولتها، مشيرين إلى أنه "يمكنهم الاتصال بالأماكن التي تُجرى فيها التجارب للاسستفسار أو لطرح أي أسئلة".
ما هي الإجراءات التي اتخذتها أوروبا؟
رجحت "وكالة الأدوية الأوروبية" ونظيرتها "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" في بريطانيا، وجود ارتباط بين اللقاح واضطرابات التخثر النادرة، لكنها رأت أن "أسترازينيكا" يبقى آمناً، وتتعين مواصلة إعطائه للبالغين. وأوصت مراجعة أجرتها لجنة السلامة التابعة للوكالة الأوروبية، "بوجوب اعتبار جلطات الدم غير المعتادة التي يسببها انخفاض الصفائح الدموية كآثار جانبية نادرة جداً" للقاح.
في المقابل، اعتبرت "وكالة الأدوية الأوروبية" أن فوائد اللقاح في تأمين حماية من فيروس "كوفيد- 19"، تفوق بكثير المخاطر المرتبطة به. وخلصت إيمير كوك مديرة الوكالة إلى أن "خطر الوفاة نتيجة الإصابة بمرض "كوفيد" أكبر بكثير من خطر الوفاة بسبب هذه الآثار الجانبية (المتعلقة باللقاح)".
في ملمح بارز، يلاحظ أن غالبية جلطات الدم النادرة التي أُبلِغَ عنها حتى الآن، حصلت خلال أسبوعين من التطعيم، لدى نساء ما دون سن الستين. لكن، أمام الأدلة التي أتيح جمعها حتى الآن، ذكرت "وكالة الأدوية الأوروبية" أنها ما زالت غير قادرة على تحديد عوامل خطورة معينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحتى الرابع من أبريل (نيسان) الجاري، أُبلِغَ عن 169 حالة "تجلط للجيوب الوريدية في الدماغ" من مجموع 34 مليون جرعة من اللقاح أعطيت في مختلف أنحاء أوروبا، وفق تلك الوكالة الأوروبية.
وعلى عكس الجهة المنظمة للأدوية في المملكة المتحدة، لم تفرض "وكالة الأدوية الأوروبية" أي قيود عمرية جديدة على إعطاء اللقاح. وكذلك لم توصِ بعدم إعطاء لقاحات مختلفة للفئات الأصغر سناً. وقد دفعت حتى الآن المخاوف المتعلقة بالسلامة المحيطة باللقاح، ما يزيد على عشر دول في الأسابيع الأخيرة إلى تعليق استخدام اللقاح، أو تقييد استخدامه وحصره في مجموعات معينة.
إذ لا تستخدم ألمانيا لقاح "أسترازينيكا" إلا بشكل محدود للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً وما فوق، وكذلك الأفراد أصحاب الأولوية الملحة. وقد جاء ذلك عقب إبلاغ الهيئة المنظمة للأدوية في البلاد عن تسجيل 31 حالة "تجلط الجيوب الوريدية في الدماغ"، من بين حوالى مليونين و700 ألف شخص تلقوا اللقاح حتى الآن.
وفي ذلك الصدد، ذكر "معهد بول إيرليش" الألماني Paul Ehrlich Institute أن تسعة أشخاص من31 عانوا تلك التجلطات قد تُوفوا، وجميع الحالات باستثناء اثنتين منها، ترتبط بنساء تتفاوت أعمارهن ما بين 20 عاماً و63 عاماً. وسُجل أيضاً أن الرجلين المتوفين يبلغان من العمر 36 عاماً و57 عاماً.
وفي فرنسا، جرت الموافقة في 19 مارس (آذار) 2021 على مواصلة استخدام اللقاح، بعدما أبدت باريس سابقاً بعض المخاوف في شأن تسببه بتخثر للدم، لكنها ذكرت أنه ينبغي إعطاء اللقاح للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 55 عاماً وما فوق.
وقررت إسبانيا في 30 مارس 2021 استخدام اللقاح في تطعيم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 55 عاماً و65 عاماً. ثم ذكرت في اليوم التالي أنها ستوسع نطاق التطعيم به كي يشمل الموظفين الأساسيين ممن تزيد أعمارهم على 65 عاماً.
ما الذي يمكن أن يسبب هذا التخثر؟
في هذه المرحلة، لا يملك أحد إجابةً واضحة عن هذا السؤال. وقد رجح باحثون في ألمانيا أن اللقاح يمكن أن يحفز استجابةً مناعية مفرطة لدى بعض الأشخاص، ما يتسبب في إنتاج أجسام مضادة تستهدف صفائح الدم. وترى "وكالة الأدوية الأوروبية" أن الأثر الجانبي يشبه حالة الانسداد التجلطي التي يعاني منها مرضى ممن يُعالجون بدواء "هيبارين" Heparin الذي يمنع تخثر الدم.
تجدر الإشارة إلى أن معظم متلقي لقاح "أسترازينيكا" الذين أصيبوا بجلطات دموية، جاءت نتائج اختبارهم إيجابية أيضاً لجهة تكون جسم مضاد داخل أجسامهم، يُلاحظ عادةً لدى المرضى الذين يسجلون ردة فعل سلبية تجاه عقار "هيبارين".
في ذلك الشأن، ذكرت البروفسورة بيفرلي هانت أستاذة تجلط الدم والتخثر في "جامعة كينغز كوليدج لندن"، أن اختبارات أُجريت للعثور على الجسم المضاد للجزيء المعروف بـ"عامل الصفائح الدموية 4" Platelets Factor 4، واختصاراً "بي أف 4". (توضيحاً، يحدث نادراً لدى بعض من يتناولون دواء "هيبارين" الذي يمنع تخثر الدم، أن يكون جهاز المناعة أجساماً مضادة للصفائح الدموية التي تؤدي دوراً محورياً في تشكل التجلطات الدموية. وتضرب تلك الأجسام المضادة التي تُسمى "عامل الصفائح الدموية 4"، الصفائح الدموية ما يؤدي إلى اضمحلال أعدادها في الجسم. ويُفترض أن يؤدي ذلك إلى زيادة سيولة الدم، لكن ما يحصل هو أن كثرة أعداد الأجسام المُضادة من نوع "بي أف 4" يرفع لزوجة الدم ويزيد كثافته، ما يرفع إمكانية تكون التجلطات والتخثرات الدموية في الجهاز الدوري كله).
وفي سياق متصل، ذكرت هانت، "لقد فوجئنا بالاكتشاف الذي حصل للمرة الأولى في ألمانيا، وقد تمثل في أن هؤلاء المرضى جاءت نتيجة اختبارهم إيجابية لجهة تكوينهم أجساماً مضادة من نوع "عامل الصفائح الدموية 4". وتبين أن ردة فعلهم أتت بطرق عدة مشابهة لأعراض هذه المتلازمة النادرة جداً من تخثر الدم الناجم من تناول دواء هيبارين".
ما هي الأعراض التي يجب التنبه لها؟
تشمل الأعراض المرافقة لتجلط الدم ضيقاً في التنفس، وألماً في الصدر، وتورماً في الساق، وأوجاعاً مستمرة في البطن، وصداعاً شديداً، وعدم الوضوح في الرؤية، وظهور بقع دمٍ صغيرة تحت الجلد خارج المنطقة التي حُقِنَتْ الجرعة فيها.
وقد دعت "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" في بريطانيا، كل شخص تظهر عليه الأعراض بعد أربعة أيام من التطعيم، إلى التوجه إلى العيادات والحصول على استشارة طبية فورية.
ما رأي العلماء؟
البروفسور آدم فين العضو في "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين"، اعتبر أنه من الضرورة بمكان، مواصلة استخدام لقاح "أسترازينيكا" خصوصاً مع الخروج من الإغلاق وإعادة فتح المجتمعات، بهدف المساعدة في تجنب ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا. وفي حديث إلى برنامج "بريكفاست" Breakfast الذي تبثه قناة "بي بي سي"، ذكر فين إن "معادلة المخاطر والفوائد تصب بشدة في مصلحة تلقي اللقاح"، على الرغم من تأكيده أن التقارير عن حالات التجلط تخضع للتحقيق "بجدية فائقة".
وأضاف البروفيسور فين أنه "مع مرور الوقت، ستكون لدينا مرونة أكثر في شأن تحديد أي نوع من اللقاحات يجب إعطاؤه لأي فئة من الأفراد. إننا نشهد الآن طرح لقاح آخر (موديرنا)، فيما لقاحات أخرى باتت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على ترخيص باستعمالها، وأنا على علم بأن المملكة المتحدة قد أبرمت عقوداً للحصول على مجموعة كبيرة من اللقاحات المختلفة".
الدكتورة ماغي ويرماوث وهي عضو آخر في "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين"، رأت أيضاً في تصريح إلى صحيفة "ديلي تليغراف" أنه "قد يكون من الحكمة أن نتروى قليلاً" في موضوع طرح اللقاح "إلى حين نصبح متيقنين تماماً من سلامته".
وأضافت "أن المسألة ترتبط بالسلامة العامة وثقة الناس. نحن لا نريد التستر على أي شيء نشعر أن الرأي العام يجب أن يكون على دراية به. إذ يجب ألا يقتصر دورنا في هذا المجال على التقيد بالأهداف المحددة أو بمواعيد الاستحقاق بشكل عشوائي. نحن عازمون على فعل ما هو ضروري".
البروفسور كالوم سيمبل العضو في "المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ" التابعة للحكومة البريطانية، أكد أن الأخبار والعناوين الرئيسة المتعلقة بسلامة لقاح "أسترازينيكا"، "لم تشكل له أي قلق على الإطلاق".
وأكد في حديث إلى "راديو أل بي سي" أنه سيتلقى اللقاح (أسترازينيكا) بنفسه شخصياً. وأضاف، "إنني أبلغ من العمر 53 عاماً، وأعتبر أن خطر الوفاة بسبب "كوفيد" يطاول فرداً من كل 13 ألف شخص. بالنسبة إليّ، ليس هنالك من داع للتفكير بالأمر، وأجد من الضروري أن أتلقى اللقاح". واستطرد البروفسور سيمبل مشيراً إلى أن "هذا اللقاح آمن". وأضاف، "ماذا أعني بكلمة آمن؟ قبل عبور طريق ما يمكنك الالتفات يمنةً ويساراً، ومن ثم معاودة النظر إلى اليمين مرة أخرى. وفيما قد يُخيل لك أن العبور آمن بسبب عدم رؤيتك أي سيارة متوجهة نحوك، قد تتعثر خطاك وتسقط. لا شيء خالياً تماماً من المخاطر، لكن هل اللقاح آمن؟ أود أن أجيب بكلمة نعم".
وفي هذا الإطار، أشار كبير المسؤولين الطبيين في بريطانيا كريس ويتي، الأسبوع الماضي إلى أنه "لم يثبت" بعد إذا كان اللقاح يسبب تجلطاً في الدم. وفي المقابل، دعا ويتي الناس إلى "التنبه والوعي وافتراض أنه قد يكون مسبباً للتخثر إلى أن يثبت العكس". وأضاف، "بالنسبة إلى الأفراد المعرضين بشكل كبير للإصابة بعدوى "كوفيد"، كالكبار في السن والمصابين باعتلالات مشتركة، أعتبر أن معادلة المخاطر مقابل المنافع التي يمكنهم الحصول عليها، إنما تصب في مصلحة تلقيهم التلقيح".
وأضاف ويتي، "كلما تقدم إلينا أحد يبلغ من العمر 20 عاماً لتلقي اللقاح وتبين أنه يتمتع بصحة ممتازة، توجب علينا التساؤل أكثر في شأن تلك الآثار الجانبية النادرة للغاية، فقد تصبح هنا الفوائد متعادلةً مع المخاطر".
الدكتور بيتر أرليت رئيس تحليل البيانات في "وكالة الأدوية الأوروبية"، أشار إلى أن أدوية منع الحمل عبر الفم شكلت "انطلاقة" عقار علاجي آخر يُعطى لأناس يتمتعون بصحة جيدة، ولديه آثار جانبية نادرة.
ووفق كلمات ختامية منه، "تُعطى هذه الحبوب للنساء اللواتي يتمتعن عادةً بصحة جيدة، على الرغم من أن بعضاً منهن سيكون لديهن عوامل خطر وظروف أخرى في ما لو وُجدن في مجتمعات ذات كثافة سكانية عالية. وإذا عالجنا مثلاً 10 آلاف امرأة بوسائل منع الحمل الهرمونية المركبة لمدة سنة، سنواجه أربع إصابات إضافية بجلطات دموية في تلك السنة".
© The Independent