Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أشهر متحف للفسيفساء عالميا في سوريا على خط النار

تحوي المنطقة ثلث الآثار السورية

لوحة هرقل، من أبرز الأعمال الفسيفسائية التي تجسد النزعة الكلاسيكية المثالية في الفن السوري (فيليب حنا)

 

لوحات الفسيفساء: مجموعة حجارة صغيرة مربعة الشكل وملونة، وبتصاميم هندسية تمثل مشاهد أسطورية وتاريخية، جُمعت في متحف أثريّ في معرة النعمان، في ريف إدلب الجنوبي، شمال غربي سوريا، يعتبره مستشرقون أحد أكبر متاحف الفسيفساء في العالم.

تفرد معماري 

ليس غريباً أن يُعد هذا المتحف من أشهر المتاحف العالمية المتخصصة في الفسيفساء. فهو يحتوي على لوحات من قبل الميلاد، ومنطقة معرة النعمان في محافظة إدلب، على الرغم من اعتبارها منسية، تضم أضخم مخزونٍ من الآثار والأوابد التاريخية القديمة وتحوي ثلث الآثار السورية. وهنا، تتفرّد كنيسة قلب لوزة بهندستها التي اقتبس منها المعماريون الفرنسيون تصميم كنيسة نوتردام، الشهيرة في باريس.

وتشير معلومات من المديرية العامة للآثار والمتاحف إلى أن مرسوماً جمهورياً صادراً في العام 1983 حوّل خان مراد باشا في معرة النعمان، المبنيّ في العام 1563، إلى متحف للمدينة.

تحييد الحضارة

توجهت الأنظار، إبان الحرب، إلى كنوز لا تقدر بثمن، وإلى ضرورة حماية المتحف بعدما تعرض لهجوم من مجهولين فهبّ عدد من أهالي المدينة للدفاع عن إرثهم الثقافي والحضاري والتاريخي حاملين أسلحة بيضاء مشكلين درعاً لحمايته.

ومع تصاعد الحراك السلمي ثم الاصطدام المسلح دفعا العقلاء من أبناء المدينة إلى الطلب من أطراف النزاع تحييد المتحف والمواقع الأثرية من أتون النزاع المسلح، وتشير مصادر مطلعة إلى نجاح هذه المبادرات في إبعاد المواقع الأثرية عن وطيس المعارك التي كانت جلها بالأسلحة الخفيفة في بادئ الأمر، وأحياناً تخرج عن السيطرة ليعلو أزيز الرصاص على صوت الحكمة في خطوط التماس مع نيران تندلع في المدينة المكلومة.

الأمانة والأهالي

بعد احتدام المعارك وانسحاب آخر نقطة عسكرية، مع فراغ دوائر حكومية، تفيد معلومات أنه كان ضرورياً نقل أبرز القطع إلى أماكن آمنة تحت رعاية رسمية حفاظاً عليها من العبث والضياع أو السرقة، في وقت لم يكن يسمح  بذلك لاحتواء المتحف على لوحات ذات قطع حجرية بمقاسات وارتفاعات كبيرة وضخمة، فتُركت في مكانها لتواجه مصيرها المحتوم.

أجنحة المتحف 

تبهرك اللوحات الضخمة من الفسيفساء وتضعك أمام رحلة تاريخية مذهلة، حيث حوفظت على الرغم من دمار وسط باحة المتحف، لسماكة البناء ومتانته اللذي عزّزتا من الحفاظ. في جناحه الأول تشاهد ثلاث لوحات فسيفسائية فرشت في الأرضية وعلى جدرانه لوحة من معراتا بناحية دركوش، كانت ترصف بها أرض الكنيسة، وقد نقلت وفرشت في الصحن المركزي للجناح.

يوضح الباحث أحمد غريب، أمين متحف معرة النعمان سابقاً، أن سوريا من أكثر البلدان التي اكتشفت فيها لوحات فسيفسائية في العالم، تعود إلى فترات هلنستية ورومانية وبيزنطية. حيث كانت أنطاكيا المصدر الأساس لانتشار هذا الفن في سوريا والمشرق بشكل عام. يضيف "امتدت المرحلة الأولى بين القرنين الثاني والثالث الميلاديين والمرحلة الثانية وهي المرحلة الانتقالية، امتدت من بداية القرن الرابع الميلادي وحتى الربع الثالث من المسيحية المبكرة، والمرحلة الثالثة من نهاية القرن الرابع الميلادي حتى بداية القرن السابع الميلادي وهي الفترة البيزنطية المتأخرة".

لوحة الطفلين 

يستعرض غريب في بحث يفصل أبرز اللوحات ومنها لوحة مصدرها قرية فركيا، في ضاحية المعرة وهي ذات مكعبات كانت ترصف أرض قاعةٍ مساحتها 28 متراً مربعاً وكعوبها حجرية ملونة بمشهد حيواني ضمن شريط نباتي، يبرز في منتصفها نصٌ كتابيّ باليونانية وذئبة تُرضع الطفلين رومولوس ورمليوس، وعن يمينها وعلٌ يرعى وحملٌ يتغذى على العشب، وبطة تبحث عن شيء ما يقابلها ما يماثلها، وعن شمال الذئبة أسدٌ يفترس غزالاً. علماً أن الفنان الذي رصفها استخدم الكعوب الحجرية المناسبة.

لوحة هرقل  

تعتبر لوحة فسيفساء هرقل من أبرز الأعمال الفسيفسائية التي تجَسد النزعة الكلاسيكية المثالية في الفن السوري القديم، من خلال العناية بتصوير الأشكال على نحو واقعي يمثّل أفضل القيم الجمالية في الشكل الإنساني، مستقاة من التراث الإغريقي، وقد اكتشفت في مدينة حمص، في حيّ الأربعين، في العام 1987، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث الميلادي.

وتتميز مشاهدها بموضوعاتها الميثولوجية التي تسطّر ذاكرة مهمة لولادة هرقل "إله القوة عند الإغريق"، من خلال التعابير الدرامية والحالة الإنسانية التي رصفها الفنَّان. ويشرح الباحث غريب اهتمام ذلك الفنَّان القديم برصف الألوان الداكنة التي تعبّر عن مأساة المشاهد مفجرةً الألوان بشكل صارخ ومركزاً ومظهراً ثنايا لباس الأشخاص.

زيوس   

في المشهد الأول من اللوحة كان زيوس "رب الأرباب" المولع بالنساء الجميلات، ومنهنّ "ألكمين" أجمل نساء عصرها في طيبة اليونان، فتقدم لها زيوس متقمصاً شخصية زوجها أمفتريون بعدما ألهاهُ برعي القطعان خارج المدينة، ويلاحَظ كيوبيد إله الحب، مرافقاً له وممسكاً رداءه، وهو على هيئة طفل مجنّح يحمل في يده قوساً. في هذه الليلة عاد أمفتريون واقترن بألكمين بعدما اقترن بها زيوس فحملت توأمين، هرقل من زيوس، وإيفكليس من أمفتريون.

هرقل في المهد 

وتتواصل حكاية هرقل في المشهد الثاني، إذ يمثل ولادة هرقل وأخيه إيفكليس، ويبدو هرقل في المهد يصارع أفعواناً صنيعة هيرا، حيث كان دأبُها وهي زوجة زيوس، قتل كلّ نسلٍ لزوجها من غيرها، لتحتفظ بالألوهية لأولادها، لذا أخّرت ولادة هرقل ليلة واحدة، ليولد إيفكليس قبله، عدا أنها وضعت الأفاعي في المهد لقتل هرقل، غير أنَّ الصفات الإلهية التي يمتلكها الطفل والتي اكتسبها من والده زيوس مكّنته من إمساك الأفاعي وخنقها، في وقت هرعت والدته ألكمين إلى سحب طفلها إيفكليس خوفاً منها، وحين هبّ الجميع لإنقاذ هرقل تفاجؤوا بنجاته وانتصاره.

المزيد من ثقافة