Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصويت البرلمان العراقي على حل نفسه يثير تساؤلات حول دلالة التوقيت

قانونيون يرون أن القرار غير دستوري بينما يعتبره البعض خطوة مهمة في إطار التأكيد على موعد الانتخابات المبكرة

يشير مراقبون إلى أن استمرار عمل البرلمان إلى ما قبل الانتخابات بأيام قليلة سيسهم في التأثير على آراء الناخبين (صفحة المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي)

بعد تصويت البرلمان العراقي على حل نفسه في تاريخ يسبق موعد الانتخابات المبكرة بثلاثة أيام، أثيرت تساؤلات عدة حول دلالات التوقيت والإشكالات الدستورية التي شابت هذا القرار، فضلاً عن عراقيل عدة ربما تؤثر في سياق تكافؤ التنافس بين القوى المختلفة.
وتحدث مراقبون عن مخاوف رئيسة دفعت القوى السياسية إلى اختيار هذا الموعد لحل البرلمان، على رأسها محاولة تلك القوى عدم إعطاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي متسعاً من الوقت، الذي قد يستغله في تحريك ملفات فساد وقتل، بحق شخصيات سياسية وازنة لإطاحتها قبل الانتخابات.

مخالفة للدستور

ولا تتوقف الاعتراضات على الجوانب السياسية للقرار، الذي أثار حفيظة متخصصين قانونيين من حيث مخالفته القواعد الدستورية في هذا الإطار، خصوصاً المادة 64 من الدستور العراقي التي تناقش مسألة الانتخابات المبكرة.
وعلق المتخصص في المجال القانوني علي التميمي على تحديد موعد حل البرلمان قبل الانتخابات المبكرة بثلاثة أيام، معتبراً أنه "غير الدستوري ويتناقض مع نص المادة 64 من الدستور العراقي"، التي تنص على أن يقوم رئيس الجمهورية، عند حل البرلمان، بالدعوة إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها 60 يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية. وأضاف أن "الانتخابات التشريعية المبكرة تحدد بمرسوم جمهوري من رئيس الجمهورية خلال مدة أقصاها شهرين من حل البرلمان، وفق الدستور العراقي"، لافتاً إلى أن "هذا النوع من الانتخابات لا علاقة له بمجلس الوزراء ولا مفوضية الانتخابات من حيث تحديد موعد الانتخابات بخلاف الانتخابات العادية".
ويبدو أن الموعد الذي حدده الكاظمي لإجراء الانتخابات يعد من ضمن "التعهدات في البرنامج الوزاري لا أكثر"، وفق التميمي، الذي أكد أن "تحديد الموعد الملزم من الناحية الدستورية يرتبط برئيس الجمهورية، كونها انتخابات مبكرة استثنائية". ولعل أبرز الاعتراضات ترتبط بتحديد سريان القرار بإجراء الانتخابات في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وبخلافه يعتبر حل البرلمان لاغياً.
وذكرت الدائرة الإعلامية للبرلمان العراقي في بيان، أن "مجلس النواب صوت على حل نفسه في تاريخ 7 أكتوبر 2021 على أن تجري الانتخابات في موعدها المحدد بتاريخ 10 أكتوبر 2021". وبين التميمي أن "هذا الشرط يعد مخالفاً للدستور أيضاً، إذ لا يوجد نص في الدستور يشير إلى إمكانية تعليق حل البرلمان بشرط واجب التنفيذ".

سياقان يحركان القوى السياسية

كذلك تثير دلالة التوقيت تحديات عدة، إذ يشير مراقبون إلى أن استمرار عمل البرلمان إلى ما قبل الانتخابات بأيام قليلة سيسهم في التأثير على آراء الناخبين، ويبعد الاستحقاق الانتخابي عن العدالة المطلوبة، لأنه يبقي على سلطة النواب وسطوتهم حتى أيام قليلة من موعد الانتخابات.
ويرى أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي أن "دافعين رئيسين يقفان خلف قرار حل البرلمان قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات المبكرة، يتمثل الأول بالمخاوف من إعطاء الحكومة متسعاً من الوقت بغياب البرلمان، الأمر الذي قد يمكنها من فتح ملفات بحق شخصيات نافذة. أما الدافع الآخر فيتلخص بمحاولة تلك القوى استغلال أدوات النفوذ التي يتيحها البرلمان لأطول فترة ممكنة، ما قد يؤثر على خيارات الناخبين".
"وعلى الرغم من تصويت البرلمان على حل نفسه، في 7 أكتوبر 2021، فإن هذا الأمر لا يعني حتمية إقامة الانتخابات في موعدها المقرر"، بحسب الفيلي الذي يشير إلى أن "قوىً كثيرة لا تريد إجراء الانتخابات في هذا الموعد، خصوصاً مع تضاؤل شعبيتها بشكل كبير، إثر الانتفاضة الأخيرة".
وبالإضافة إلى كل تلك العوامل، يتحدث الفيلي عن مخاوف أخرى ترتبط بـ"قلق التيارات الشيعية من احتمالية تخلي إيران عنهم في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يدفع تلك القوى إلى محاولة التمسك بمكتسباتها في العملية السياسية"، لافتاً إلى أن غالبية القوى قلقة من "تغير خريطة النفوذ بعد كل التداعيات التي جرت خلال العامين الماضيين، خصوصاً ما جرى خلال الانتفاضة العراقية".

ماذا لو حل البرلمان وتأجلت الانتخابات؟

وتبدو المخاوف حاضرة بشكل واضح لدى كتل سياسية عدة من احتمال حل البرلمان دون شروط، مقابل عدم إيفاء الحكومة بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر.
وفي مقابل الطعن بدستورية قرار حل المجلس التشريعي الأخير، رد نواب في البرلمان على تلك الاتهامات بوصفه "إجراءً صحيحاً يمنع حدوث فراغ دستوري". وقال رئيس كتلة "بيارق الخير"، النائب محمد الخالدي، إن "قرار مجلس النواب بحل نفسه قبل إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في نوفمبر المقبل بأيام، ليس فيه مخالفة قانونية"، مبيناً أنه "إجراء صحيح، يهدف إلى عدم خلق أي فراغ تشريعي في البلاد". وأضاف "كيف سيكون الوضع إذا حل المجلس قبل الانتخابات بشهرين، وبعدها جاء قرار الحكومة بعدم القدرة على إجراء الانتخابات في موعدها؟ لذا فإن من مصلحة الجميع حل البرلمان قبل أيام فقط من بدء الاقتراع".
وأشار إلى أنه "من المهم أن تبقى السلطة التشريعية قائمة، في مراقبة أداء الحكومة وأجهزتها التنفيذية قبل إجراء الانتخابات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


بروبغاندا دعائية

وتعد الانتخابات المقبلة الاختبار الأول لشعبية القوى التقليدية، تحديداً الشيعية منها، بعد الانتفاضة العراقية في أكتوبر 2019، والتي أثارت اتهامات واسعة لقوى وازنة بالضلوع في عمليات قمع وقتل للمحتجين.
وعبر رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، عن اعتقاده أن "تصويت القوى السياسية على قرار حل البرلمان يمثل جزءاً من بروباغاندا دعائية في محاولة لإثبات المصداقية أمام العراقيين بأنها مع الانتخابات المبكرة". وأضاف أن "المعطيات السياسية ودلالة توقيت حل البرلمان، تؤكد استمرار تشبث تلك القوى بالسلطة حتى اللحظات الأخيرة".
وأشار الشمري إلى أن "اختيار الموعد من قبل البرلمان للحل بهذه الطريقة سيفتح الباب أمام جدل دستوري طويل، الأمر الذي قد يدفع للحاجة إلى تفسير المحكمة الاتحادية، ما يتيح للقوى السياسية إمكانية المناورة وتجاوز الموعد المتفق عليه".
وأكد الشمري أن الموعد المقرر للحل "لا يوفر العدالة الانتخابية ويمكن القوى السياسية ذات التمثيل البرلماني من التأثير على خيارات الناخبين، من خلال توظيف مؤسسة البرلمان في الدعاية الانتخابية"، مردفاً أن "حل البرلمان قبل شهرين من موعد الانتخابات، سيؤدي إلى ترجيح كفة القوى الصاعدة، وهو ما تدركه القوى التقليدية لذلك اختارت توقيتاً مخالفاً للدستور".  

وختم الشمري بالقول إن "ما يخيف القوى السياسية من الانتخابات المبكرة هو فقدانها ثقة الشارع العراقي، فضلاً عن إمكانية أن يستثمر الكاظمي فرصة الشهرين قبل إجراء الانتخابات لاتخاذ قرارات تدفع باتجاه نهاية مستقبل شخصيات سياسية وازنة، وتقوض حظوظ بعض التيارات التقليدية في الانتخابات المقبلة، وتحديداً قوى الإسلام السياسي الشيعي". وعلى الرغم من كل تلك الاعتراضات، فإن بعض المراقبين يرونها خطوةً مهمة في إطار التأكيد على موعد الانتخابات المبكرة، التي يشارك فيها نحو 25 مليون ناخب موزعين على 83 دائرة انتخابية في عموم البلاد.

دافع جديد لمقاطعة الانتخابات

وكان خيار الانتخابات المبكرة قد شكل أحد المطالب الرئيسة في "انتفاضة أكتوبر" العراقية، إلا أن تأخير موعدها وعدم حسم الاشتراطات التي طالب بها المحتجون، عوامل باتت تدفع بقوى عدة منبثقة عن الانتفاضة إلى دراسة خيار مقاطعتها بشكل جدي.
وقال حسين الغرابي، القيادي في حزب "البيت الوطني"، المنبثق من رحم الانتفاضة الشعبية، إن "القرار الأخير ووضع اشتراطات على توقيت حل البرلمان، يعطي انطباعاً بأن القوى السياسية تحاول استغلال البرلمان حتى آخر لحظة قبل الانتخابات، الأمر الذي يلغي فكرة تكافؤ الفرص انتخابياً".
وأشار الغرابي إلى أن "إصرار بعض القوى السياسية على إمرار بعض البنود المتعلقة بدرجات وظيفية جديدة وزيادة لرواتب موظفي بعض المؤسسات يؤكد المخاوف من توظيف البرلمان لخدمة تلك التيارات انتخابياً".
وبالإضافة إلى حديث الناشطين المتكرر عن ضرورة توفير الأمن الانتخابي وإبعاد المال السياسي عن التأثير في الانتخابات المقبلة كشرط للمشاركة، لفت الغرابي إلى أن "قضية حل البرلمان قبل ثلاثة أيام من الانتخابات تمثل دافعاً إضافياً للتيارات القريبة من الانتفاضة لاعتماد المقاطعة".

المزيد من العالم العربي