تترقب الأسواق العالمية اجتماع "أوبك+" في محاولة لرسم ملامح تحركات النفط خلال الفترة المقبلة، وسط توقعات قوية نحو صدور قرار مماثل لما صدر عن الاجتماع الأخير بتمديد خفوض الإنتاج. ويأتي هذا الاجتماع الـ 15 لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) والدول غير الأعضاء "أوبك+"، وسط مخاوف من تراجع الطلب العالمي من جديد، على خلفية تفشي الموجه الثالثة من فيروس "كورونا" الذي تسبب في عودة إغلاق عدد من الدول أبوابها مرة أخرى، وكذلك الاضطرابات الطارئة التي يتتابع ظهورها وتؤثر في توقف الإمدادات، مثل موجة الصقيع التي قلصت الإنتاج الشهر الماضي، أو الهجمات الإرهابية ضد منشآت النفط السعودية، وأخيراً ما حدث من ارتباك وقف مرور شحنات النفط عبر الممر الملاحي لقناة السويس لمدة أسبوع، وانتهت بفتح الممر البحري.
مستويات الانتاج
وتوقع متخصصون إبقاء تحالف "أوبك+" على إنتاج النفط الخام عند المستويات المتفق عليها في اجتماعه الأخير، تفادياً لإثارة أية خلافات غير مرغوبة في السوق النفطية. ومن المرتقب أن ينظر تحالف "أوبك+" في مستهدفات الإنتاج لشهر مايو (أيار) المقبل خلال اجتماعه الشهري المقبل. واتفق تحالف "أوبك+" في اجتماعه السابق الذي يضم إلى جانب أعضاء أوبك 10 منتجين من خارجها بينهم روسيا، على تثبيت مستوى الإنتاج المعمول به لشهر مارس (آذار) لمدة شهر حتى نهاية أبريل (نيسان)، مع منح روسيا وكازاخستان استثناءات بسيطة بزيادة الإنتاج بمقدار 130 و20 ألف برميل يومياً على الترتيب، بسبب استمرار أنماط الاستهلاك الموسمي. وتطوعت السعودية، الركيزة الأساسية لـ "أوبك" وأكبر منتجي المنظمة، بإجراء خفض إضافي بنصف مليون برميل يومياً في إنتاجها خلال فبراير (شباط) ومارس، لتقرر خلال الأشهر المقبلة متى تتراجع عنه تدريجياً. وكانت "أوبك+" خفضت الإنتاج بمقدار قياسي العام الماضي بلغ 9.7 مليون برميل يومياً مع انهيار الطلب بسبب الجائحة. وفي مارس الحالي واصل التحالف خفض الإنتاج 7 ملايين برميل يومياً، بما يعادل نحو سبعة في المئة من الطلب العالمي. وبإضافة الخفض السعودي الطوعي، يصبح إجمالي الخفض ثمانية ملايين برميل يومياً.
روسيا تدعم التمديد
وكانت روسيا أكدت عبر مصدر مطلع لوكالة "رويترز" أنها ستدعم استقرار إنتاج النفط لتحالف "أوبك+" حتى نهاية مايو، "مع سعيها إلى الحصول على زيادة محدودة نسبياً لإنتاجها، للوفاء بزيادة موسمية للطلب".
سقف مريح
وفي الوقت نفسه، يرى ناشر مجلة "ميس" الأسبوعية المتخصصة في شؤون النفط، الدكتور صالح الجلاد، أن أسواق النفط اليوم "تتميز بوجود سقف مريح بسبب حكمة "أوبك+"، إذا ما دامت الفرضيات الحالية بالنسبة لأسس العرض والطلب، والتي ما زالت قائمة، بما في ذلك آثار جائحة كورونا السلبية، مما لا يستدعي أي تغيير في سياسة التحالف، إذ إن الأسواق النفطية اختزلت آثارها وامتصت كثيراً من المؤثرات في الطلب".
وأضاف الجلاد أنه "وحتى مع ارتفاع الأسعار وذبذبتها الأخيرة خلال الأسابيع الماضية، وصلت إلى 70 دولاراً ليهبط إلى أوائل الـ 60 دولاراً للبرميل، وقد يكون انعكاساً ليس لأي تغيير في أسس العرض والطلب، بل أكثر لحساسة الأسعار في أسواق المضاربة، أما في حال سمحت "أوبك+" بزيادة طفيفة لأسباب غير اقتصادية مقنعة، بخاصة وأن إيران والصين قامتا باتفاق ثنائي لا نعلم إذا كان مقروناً بامتيازات نفطية للصين في مقابل مشاريع عملاقة تحتاجها إيران، فإن ذلك يؤثر سلباً في الأسعار، إذ إن بكين أكبر مستورد للنفط، أي أن ذلك قد يجعل طهران تنجو من العقوبات إذ إن لديها فائضاً يسهل تفعيله، مما يؤثر في صادرات الأعضاء الأخرين إلى الصين".
آثار إيجابية
وفي هذا الصدد، أفاد المتخصص في شؤون النفط محمد الشطي بأن اجتماع "أوبك+"، هو من المؤشرات التي تنتظرها السوق، "إذ إن أي توافق حول تمديد الاتفاق وبقاء المبادرة السعودية ستكون له آثار إيجابية على أجواء التفاؤل في الأسواق النفطية، ليدفع بالأسعار إلى الأعلى من جديد، ولكن أي قرار سيتم تبنيه سيكون بالإجماع والتنسيق، وبعد درس واف لحال السوق حالياً وتوقعات المستقبل".
وزاد الشطي، "كذلك من المؤشرات التي يتابعها السوق نسب التزام "أوبك+" بإتفاقها واستمرار تفوقها لأكثر من 100 في المئة، وهو عامل سيدعم جهود استعادة استقرار الأسواق".
قرارات مشابهة
من جهته، توقع المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، أن يحافظ "أوبك+" على قرار إبقاء الإنتاج عند مستوياته الحالية للحفاظ على استقرار أسواق النفط، "على أن يتخذ قرارات مشابهة لاجتماعه السابق، والذي تم الاتفاق خلاله على إبقاء الإنتاج من دون تغيير، مع السماح لروسيا وكازاخستان بزيادة متواضعة بواقع 150 ألف برميل يومياً، مضيفاً أن هذه القرارات ستظل هي الأساس إلى أن يرى التحالف أن هناك ثقة في الأسواق التي أصبحت مستقرة."
واستبعد الحرمي أن يكون هناك أي اتجاه من جانب "أوبك+" لزيادة الإنتاج في الوقت الراهن، لا سيما وأن المعدل الحالي يعتبر "مريحاً" خصوصاً وأن الطلب عادة في الربع الثاني من كل عام يكون ضئيلاً، فيما يشهد بعض الزيادة في نهاية الربع ذاته.
وقال "إن الأنظار ستتجه بقوة في الاجتماع المقبل نحو قرار السعودية، وهل ستضيف المليون برميل الذي خفضته من إنتاجها طواعية خلال شهري فبراير ومارس إلى الأسواق، مضيفاً أن سيناريو عودة المليون برميل السعودي يظل مستبعداً في ظل حال عدم الثقة في قوة الأسواق والطلب مع استمرار جائحة كورونا".
تمديد الاتفاق
ورجح رئيس قسم البحوث لدى "إيكويتي غروب" العالمية ومقرها لندن، رائد الخضر، أن تقدم مجموعة "أوبك+" إرشادات لخطة الإنتاج اعتباراً من مايو المقبل، "إذ يعتقد البعض أنه قد يتم التوصل إلى تمديد اتفاق خفض الإنتاج الحالي لفترة أخرى من الوقت، فيما من المنتظر أن ينتهي فيه الخفض الطوعي للسعودية في أبريل".
وقال الخضر إن السبب الرئيس وراء هذا السيناريو يعود إلى استمرار المخاوف المتعلقة بتراجع الطلب مع عودة ارتفاع الإصابات، مما تسبب في تشديد دول أوروبية عدة قيود الإغلاق، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا، بخلاف دول أخرى على الصعيد العالمي مثل المكسيك والفيليبين وكينيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع الخضر، "من الممكن أن يستمر تحالف "أوبك+" في خفض الإنتاج عند المستويات الحالية وسط الارتفاع المستمر في المخزونات الأميركية ليصل إلى 502.7 مليون برميل، كما أشارت إحصاءات الأسبوع الماضي"، متوقعاً أن يتم مد الاتفاق بالوتيرة الحالية، والسماح لروسيا وكازاخستان بزيادة الإنتاج بحوالى 150 ألف برميل يومياً، إذ إن أسواق النفط وسط حال عدم اليقين التي تسود أرجاءها قد تكون غير مستعدة لأية زيادة أخرى في الإنتاج".
التحكم بالأسعار
وأضاف، "كان السبب الرئيس وراء السماح لروسيا وكازاخستان هو محاولة التحكم في أسعار النفط المبالغ فيها، كما أشار البعض الفترة الماضية، واختراقها مستويات الـ 68 دولاراً للبرميل، والتي قد تتسبب في عرقلة وتيرة التعافي الاقتصادي العالمي مع استمرار التحديات التي تواجهه. وفي بداية تفشي الجائحة وصلت وتيرة خفض الإنتاج إلى ذروتها عند 9.7 مليون برميل يومياً، بما يقارب 10 في المئة من الإنتاج العالمي، بينهم كبار المنتجين غير الأعضاء في "أوبك+" مثل الولايات المتحدة وكندا والصين والنرويج، أما الآن فوصلت وتيرة الخفض إلى 7 ملايين برميل يومياً إلى جانب الخفض الطوعي للسعودية بمقدار مليون برميل يومياً".
ورداً على سؤال حول تأثير اجتماع "أوبك+" في أسعار النفط، أفاد الخضر بأن أسعار النفط تُعانى التغيرات التي تطرأ على الأسواق من التقلبات، وتسارع متوسط المدى الحقيقي لمدة 14 يوماً إلى أعلى مستوى له منذ يونيو 2020، ومن المرجح أن تستمر تلك التقلبات لفترة من الوقت مع استمرار التحديات السياسية والاقتصادية، وإذا حاولت السعودية مفاجأة الأسواق كما فعلتها سابقاً بخفض تطوعي آخر، فقد نشهد ارتفاعات قوية لأسعار النفط، على أن يعود خام غرب تكساس إلى مستويات 68 دولاراً للبرميل.