Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالم يتوجس من حرب باردة جديدة... فهل تصل الأمم المتحدة؟

تحالفات متعارضة تتشكل في مجلس الأمن وخطر خفي يتمثل في أن الصين تبالغ في تقدير تراجع القوة الأميركية

التحالفات الدولية تشكل تحديا لجهود الأمم المتحدة في إدارة الأزمات (غيتي)

حقبة جديدة من المنافسة المريرة بين القوى العظمى بدأت تتشكل بأسوأ علاقة بين واشنطن وموسكو منذ سقوط جدار برلين، وبين الصين والولايات المتحدة منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ما ينذر بحرب باردة جديدة ظهرت في الأفق عبر تحالفات سياسية متضادة تهدد بعرقلة جهود منظمة الأمم المتحدة في علاج الأزمات العالمية، فما طبيعة هذه المواجهات الجديدة وخلفياتها؟ وما تأثيرها الواقعي في الصراعات في مجلس الأمن الدولي؟ وهل صحيح أن العالم أصبح على شفير حرب باردة جديدة أم أنها مجرد مبالغات؟

عقلية الحرب الباردة

على مدى العقود الماضية، اتهم محللون ودبلوماسيون صينيون الولايات المتحدة بتبنّي عقلية الحرب الباردة تجاه بلادهم، وعادة ما كانوا يوجهون هذه الاتهامات عندما تعزز واشنطن تجهيزات ووضعية الجيش الأميركي في شرق آسيا أو القدرات العسكرية لحلفائها في المنطقة.

صحيح أن الولايات المتحدة وحلفاءها في شرق آسيا والمحيط الهادي انخرطوا في منافسة استراتيجية في المجال العسكري مع الصين التي تعمل على تحديث قواتها، ونجحت أميركا في ردعها عن حسم نزاعاتها الكثيرة في شرق آسيا، ومنعتها من فرض سيادتها في بحر الصين الشرقي والجنوبي وعبر مضيق تايوان عبر استخدام القوة، كما حظرت واشنطن بيع الأسلحة لبكين وحاولت الحد من نقل بعض التقنيات العسكرية إليها، إلا أنه منذ بداية حقبة الإصلاح في الصين عام 1978، أسهمت الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى في تنميتها عبر فتح أسواقها للصادرات الصينية، وعبر الاستثمار الأميركي الواسع النطاق في صناعتها، واستقبال مئات الآلاف من الطلاب الصينيين في الجامعات الأميركية، ما أسهم في النمو السريع والتحديث التكنولوجي في بكين.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، طلبت الولايات المتحدة من الصين أن تلعب دوراً أكثر نشاطاً على المسرح الدولي، وهو ما يناقض فكرة أن واشنطن كانت تحاول منع بكين من اكتساب نفوذ دولي أكبر منذ عقود.

أسباب التغيير

لكن الموقف الأميركي يتغير الآن بشكل واضح مع تزايد تشدد الدوائر السياسية في واشنطن تجاه بكين، ليس فقط بسبب وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بل منذ أن تولّى الرئيس دونالد ترمب منصبه عام 2017، حين توقع عددٌ من المعلقين الأميركيين اندلاع حرب باردة جديدة بين البلدين مع المنافسة العسكرية الشديدة في المحيطين الهندي والهادي، وانطلاق الحرب التجارية بينهما، وارتفاع أصوات الداعين إلى فصل اقتصادي واسع النطاق، وهو ما تصاعد عقب وضع واشنطن شركة "هواوي" وشركات ومؤسسات صينية أخرى في قائمة كيانات مراقبة الصادرات التابعة لوزارة التجارة، وقائمة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، التي تمنع الشركات والمؤسسات الأميركية من الانخراط في أنشطة تجارية مع هذه الكيانات الصينية من دون ترخيص.

وعلاوة على ذلك، جمعت استراتيجية الأمن القومي الأميركية الصادرة عام 2017 كلاً من الصين وروسيا كخصوم، ووصفت إدارة ترمب السياسات الاقتصادية الدولية لبكين بأنها "جشعة ومفترسة"، وزاد انتشار جائحة "كوفيد-19" العلاقات الثنائية صعوبة، فبدلاً من التعاون لمعالجة مشكلة مشتركة، تنافست الولايات المتحدة والصين حول من يتحمّل مسؤولية انتشار الوباء وأي نظام سياسي أكثر قدرة على احتوائه.

الخطر الخفي

وهكذا تسلّمت إدارة بايدن السلطة في البيت الأبيض، وقد سبقتها بتصريحات تتحدى الصين وتعتبرها خصماً ينبغي مواجهته عبر إعادة إحياء التحالفات الأميركية القديمة التي حطمها ترمب خلال أيام حكمه، وازدادت الأمور سوءاً خلال أول اجتماع عقده مسؤولون أميركيون وصينيون في ولاية ألاسكا، حينما تبادلوا الاتهامات، بينما كان الرئيسان الأميركي والروسي يتبادلان الملاسنات في الأسبوع ذاته.

ويحذر مراقبون أميركيون من أن علاقات الولايات المتحدة مع الصين، وإن كانت تمرّ حالياً فوق حقل ألغام من المشكلات القابلة للانفجار، فإن الخطر الأكبر هو خطر خفي، يتمثل في أن بكين تبالغ في تقدير تراجع القوة الأميركية وتتصرف وفقاً لذلك.

وإذا اقتنعت الصين كما يقول ممثلوها والمؤسسات الإعلامية التابعة لها، بأن الولايات المتحدة والنظام الليبرالي الغربي بأكمله قد دخل في المراحل الأولى من انحدار طويل المدى، فقد تتجاوز القيادة الصينية الجريئة الخطوط الحمراء، وتصبح استفزازية بشكل مفرط وتجبر أميركا على الرد بقوة، وهكذا ينشأ الخطر في مجالات عدة، بما في ذلك خطر المواجهة في بحر الصين الجنوبي وخطر تطور الحرب التجارية إلى الأسوأ، وقبل كل شيء خطر مواجهة عنيفة في هونغ كونغ وتايوان.

إظهار القوة الأميركية

وتساعد كل هذه الأخطار في تفسير خطوات عدة اتخذتها إدارة بايدن تجاه بكين، وتتمثل استراتيجيتها في مواجهة الرواية الصينية عن أميركا المنقسمة سياسياً والمتراجعة اقتصادياً من خلال محاولة إنشاء صورة للقوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية الدائمة للولايات المتحدة، قبل الانخراط الكامل في التعامل مع بكين، والرسالة بسيطة بحسب المسؤولين الأميركيين وهي: لا تقللوا من شأن القوة الأميركية.

ولهذا أجّلت واشنطن عقد محادثات تجارية جديدة مع الصين أو إزالة الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب على بضائعها، بينما يأمل بايدن في أن يُظهر أولاً أن الولايات المتحدة تغلبت على جائحة كورونا، وتعافت اقتصادياً بالكامل، بما يسمح له ببدء التفاوض من موقع قوة.

بوادر الحرب الباردة

وبينما تُظهر الأحداث الأخيرة أن القوتين الاقتصاديتين العظميين، تقتربان من حرب باردة جديدة بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والحقوقية، وجدت الصين روسيا إلى جوارها. وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بكين لتأكيد ضرورة التصدي للهيمنة الأميركية، وقد استقبلته العاصمة الصينية بالترحيب، خصوصاً أن التنسيق بينهما مستمر منذ سنوات في مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي يمكن أن يعوق عمل منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلام والأمن الدوليين، بما يشكل حروباً دبلوماسية يستخدم فيها حق النقض "الفيتو"، بما يمهّد لحرب باردة طويلة.

معارك مجلس الأمن

وعلى الرغم من أن الصين استخدمت حق النقض "الفيتو" 16 مرة في تاريخها، وتُعدّ أقل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن استعمالاً له، إلا أنه من المؤكد أنها ستلجأ إلى "الفيتو" في الأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة، بحسب ما يتوقع جيفري فيلتمان، الخبير في معهد "بوكينغز" الأميركي في دراسة له قبل أشهر قليلة. فقد تقاسمت الصين وروسيا استخدامهما "الفيتو" عشر مرات، ما عطّل اتخاذ قرارات من المجلس، منها قراران بشأن انتهاكات النظام السوري ومساعدات الإغاثة في يوليو (تموز) الماضي، فضلاً عن قرارات أخرى تتعلق بسلوكيات الحكومات وممارساتها بشأن حقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويفترض أعضاء مجلس الأمن أن التعاون التكتيكي الحالي بين موسكو وبكين سيستمر في المستقبل المنظور على الرغم من بعض التوترات بينهما على المستوى الاستراتيجي. وفي ظل هذا التحالف الثنائي، فإن الولايات المتحدة تحاول استعادة التحالف الثلاثي مع فرنسا وبريطانيا، الذي استمر عقوداً خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، وهو تحالف يهدف أيضاً إلى ضمان الفوز بتأييد الأعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس، الذين يجري انتخابهم كل عامين.

وعلى الرغم من أن الصين استخدمت "الفيتو" بشكل منفرد ثلاث مرات فقط مقارنة بـ 100 مرة للاتحاد السوفياتي ومن بعده روسيا و50 مرة للولايات المتحدة، إلا أن نفوذها في مجلس الأمن كان يخصّ علاقتها بأفريقيا التي ترتبط بها تجارياً ومالياً، وتسعى إلى نيل احترام دول القارة في مواجهة التحالف البريطاني الفرنسي الأميركي ذي الماضي الاستعماري بالنسبة إلى دول القارة، وتستند الصين في تعضيد نفوذها مع أفريقيا إلى أنها لا تعلق على الأحداث الداخلية وتركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أملاً في كسب أصوات دول القارة الثلاث الممثلة في مجلس الأمن في القضايا التي تخصّها.

نفوذ بكين المتزايد

وأصبح نفوذ الصين المتزايد داخل الأمم المتحدة أمراً لا مفر منه، وهو نفوذ ينبع من السياسة الخارجية التي رسمها الرئيس الصيني شي جينبينغ، ومن حقيقة أنها ثاني أكبر المساهمين مالياً في المنظمة الدولية بعد الولايات المتحدة، وهي وإن كانت تركز تقليدياً على الأنشطة التنموية للأمم المتحدة، إلا أنها أصبحت تستعرض عضلاتها في أعمال حفظ الأمن والسلام، لكن التنسيق المتزايد بين بكين وموسكو داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يتحدى حماية حقوق الإنسان وجهود تقديم المساعدات الإنسانية.

ومع ذلك، فإن المخاوف من أن الصين تغير الأمم المتحدة من الداخل، تبدو سابقة لأوانها إن لم يكن مبالغ فيها. فمهما كانت طموحاتها، لم تحل بعد محل الولايات المتحدة باعتبارها أقوى عضو في الأمم المتحدة، ولا يزال بإمكان المنظمة الدولية أن تضاعف من قوة منظومة القيم والمصالح التي تعبّر عنها واشنطن، ولكن هذا يظل مشروطاً بإصرار الأخيرة وجهودها للحفاظ على نفوذها وعدم افتراضها إذعان الأمم المتحدة تلقائياً لنفوذ الصين المتصاعد بمساعدة روسيا، خصوصاً أن خروج الولايات المتحدة من ملعب الأمم المتحدة التي وصفتها دائماً بأنها "أرض الوطن"، سيسهّل تحرك بكين لملء الفراغ.

ومع وجود الصين الآن كثاني أكبر مساهم في موازنة الأمم المتحدة بنسبة 12 في المئة مقارنة بـ 22 في المئة للولايات المتحدة، ومساهمتها في موازنة أعمال حفظ الأمن والسلام بنسبة 15 في المئة مقارنة بحوالى 27 في المئة من الولايات المتحدة، يخلص التقييم الصادق إلى أن بكين لديها بالفعل قضية مشروعة في توقّع المزيد من النفوذ في الأمم المتحدة، ما اتبعته تقليدياً طوال عقود ماضية.

وما يجعل المراقبين في الغرب غير مرتاحين إزاء السلوك الصيني، هو توقعهم بأن بكين ستستخدم صوتها الأقوى في المنظمة الدولية للتخلص من قضايا حقوق الإنسان وغيرها من المسائل القائمة على القيم في نظام التعددية الليبرالية بصبر وجهد، وهو ما قد يدفع إدارة بايدن إلى الدخول في مواجهة بمساعدة الحلفاء الغربيين.

استبعاد الحرب الباردة

لكن المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، على الرغم من أنها حقيقية وتنطوي على مخاطر، غير أنها تفتقر إلى ثلاثة عناصر أساسية ومترابطة، خيّمت على الحرب الباردة للولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي وحلفائه، أولها أن البلدين ليسا منخرطين في صراع أيديولوجي عالمي من أجل الاستحواذ على قلوب الأطراف الثالثة وعقولها، وثانيها أن عالم اليوم المعولَم بدرجة كبيرة لا يمكن تقسيمه بسهولة إلى تكتلات اقتصادية منفصلة بشكل صارخ، كما كانت الحال في الحرب الباردة القديمة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وأخيراً أن الولايات المتحدة والصين لا تتزعمان أنظمة تحالف متعارضة مثل تلك التي خاضت حروباً دموية بالوكالة في منتصف القرن الـ20 في كوريا وفيتنام وخلقت أزمات نووية في أماكن مثل برلين وكوبا.

صحيح أنه من المرجح أن تكتسب بكين عبر مبادرة الحزام والطريق الصينية التي انطلقت عام 2013، علاقات خاصة مع المزيد من الدول الآسيوية والأفريقية، ويزداد نفوذها العالمي وفقاً لذلك، لكن تلك العلاقات الخاصة ستخدم بكين من خلال منع هذه الدول من تبنّي سياسات تتعارض مع مصالح الصين، وليس من خلال تشجيعها على إلحاق الضرر بمصالح الولايات المتحدة وشركائها.

روسيا والصين... تعاون أم تنافس؟

من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن أهم علاقة أمنية للصين هي مع روسيا، وهي قوة عظمى أخرى ذات إمكانات عسكرية كبيرة، إذ تشمل علاقة التعاون بينهما التدريبات العسكرية المشتركة ومبيعات الأسلحة والتنسيق الدبلوماسي في الأمم المتحدة، لعرقلة جهود الولايات المتحدة وحلفائها للضغط أو الإطاحة بزعماء مثل رئيس النظام السوري بشار الأسد.

لكن العلاقة الصينية الروسية لا تصل إلى مستوى التحالف الحقيقي، إذ إنه من الصعب تخيّل تورط صيني مباشر في صراعات روسيا مع جورجيا أو أوكرانيا أو في أي صراع مستقبلي في دول البلطيق، وبالمثل يصعب تخيّل أن الجيش الروسي سيدخل مباشرة في نزاع عبر مضيق تايوان أو غيره من النزاعات البحرية للصين في شرق آسيا.

وعلاوة على ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن موسكو تبيع أنظمة أسلحة متطورة لفيتنام والهند، وكلاهما خصمان لبكين في صراعات السيادة على حدود أو مناطق متنازع عليها.

بكين ليست تهديداً

وتشتهر الصين باستثماراتها في الموارد والبنية التحتية وتبيع تقنيات المراقبة الخاصة، مثل الكاميرات عالية الدقة وبرامج التعرّف إلى الوجه لتحقيق الربح، ما قد يدعم بعض الحكومات الأكثر قمعية في العالم، لكنها أيضاً تبيع هذه المعدات لأي مشترٍ راغب، بغض النظر عن نوع النظام، لذلك سيكون من المبالغة القول إن سياسة التصدير هذه مصمَّمة لنشر الاستبداد وتقويض الديمقراطية التي تحاول أميركا نشرها حول العالم.

في الوقت ذاته، جعلت العولمة والاعتماد المتبادل والإنتاج العابر للحدود، اقتصادات متقدمة ذات أيديولوجيات ليبرالية، تعتمد على الصين في رفاهيتها الاقتصادية، فهذه الأخيرة هي الشريك التجاري الأكبر لحلفاء الولايات المتحدة، وهي هدف رئيس لاستثماراتهم الأجنبية المباشرة، وهم في الغالب لا يشاركون واشنطن رؤيتها إلى الصين بشكل متكرر على أنها تهديد أمني أو أيديولوجي كبير.

شبكة القوة الأميركية

ولهذا فإن الدعوات المتزايدة في الغرب إلى فصل الاقتصاد الصيني عن الأميركي والأوروبي على غرار الحرب الباردة ليست غير واقعية فحسب، بل إنها غير حكيمة، ذلك أن شبكة تحالفات الولايات المتحدة تضم أكثر من 60 من الحلفاء العالميين والشركاء الأمنيين ذوي الاقتصادات الأكثر تقدماً والتقنية العالية في العالم، ما يمنح الولايات المتحدة القوة اللازمة لتكون قوة عظمى عالمية، في حين تفتقر الصين إلى شبكة مماثلة، ما يحدّ من قوتها بشكل كبير، ومن المرجح أن يقف عدد من شركاء واشنطن إلى جانبها، إذا أصبحت بكين الصاعدة عدوانية وتوسعية.

ويميل الباحثون في الغرب إلى الاعتقاد بأن النخب الفكرية والسياسية الصينية تعرف هذه الحقائق، وهي من الأسباب الكثيرة التي جعلت الدولة الصاعدة تظل مقيّدة نسبياً، إذ لم تدخل بكين في اشتباكات إطلاق نار منذ عام 1988 ولم تخُض حرباً واسعة النطاق منذ عام 1979، ما يؤكد أن الردع يحدث أثراً فاعلاً، ومن المرجح أن يستمر في العمل في ظل الظروف العسكرية والدبلوماسية الحالية.

أما بالنسبة إلى روسيا، فقد عبّر الرئيس فلاديمير بوتين عن أسفه لأن بلاده في أوائل القرن الـ21 هي ظل للاتحاد السوفياتي الذي درّبه على أن يكون قائداً في جهاز "كي جي بي". ولعل أحد الأسباب وراء ذلك يعود إلى أن حجم الاقتصاد الروسي يعادل تقريباً حجم الاقتصاد الإيطالي، ولا تظهر عناصر قوتها سوى في التعطيل وبث الخوف، أو نشر قدرتها على الإنترنت للتوغل بعمق في الشبكات، التي تبقي الولايات المتحدة في حالة توتر وحيرة.

النفوذ الذي تنتظره الصين

وفي حين ينخرط الاقتصاديون في مناقشة متى سيكون لدى الصينيين أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، وهل سيكون ذلك في نهاية هذا العقد أو بداية العقد المقبل، وما إذا كان بإمكانهم تحقيق هدفيهم الوطنيين الكبيرين وهما: بناء أقوى جيش في العالم والفوز في سباق التقنيات الرئيسة بحلول عام 2049، وهو موعد الذكرى المئوية لثورة "ماو"، إلا أن قوة الصينيين لا تنبع من ترسانتهم النووية الصغيرة نسبياً أو مخزونهم المتزايد من الأسلحة التقليدية، ولكن من قوتهم الاقتصادية المتوسعة، وكيف يستخدمون التكنولوجيا المدعومة من الحكومة لربط الدول، سواء كانت أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط أو أفريقيا أو أوروبا الشرقية، مع شبكات "جي 5" اللاسلكية، التي تهدف إلى ربطهم أكثر من أي وقت مضى ببكين من خلال الكابلات البحرية التي ينشرونها حول العالم، بحيث تعمل على دوائر مملوكة للصين.

وفي النهاية، سيأتي نفوذ الصين في المستقبل من كيفية استخدام المستهلكين لتلك الشبكات لجعل البلدان الأخرى تعتمد على التكنولوجيا الصينية، ولهذا قد يكون من الخطأ افتراض أنها تخطط للانتصار من خلال مواجهة الجيش الأميركي بشكل مباشر في المحيط الهادي، فالنهج الذي تعتمده بكين الآن هو أن القوة الاقتصادية والتكنولوجية أكثر أهمية من القوة العسكرية التقليدية في إقامة قيادة عالمية، وأن المجال المادي للتأثير في شرق آسيا ليس شرطاً مسبقاً ضرورياً لاستمرار هذه القيادة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير