Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أثرت اضطرابات اليمن في وزن القبيلة السياسي؟

الاستقطاب الذي تشهده البلاد حول العشائر إلى مقاتلين في صفوف أطراف الحرب

توزع أفراد القبيلة في اليمن بوصفهم مقاتلين على الأطراف الثلاثة المشاركة في النزاع. (رويترز)

من تداعيات ما يعرف بثورة الشباب اليمنية عام 2011، استقطاب الأطراف السياسية المتصارعة حينها، الكيانات القبلية، إلى صفها، من أجل كسبها في معركة كسر العظام بين سلطة الرئيس صالح من جهة وتحالف المعارضة ممثلاً في أحزاب اللقاء المشترك بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح من ناحية أخرى.

وتحول الاستقطاب السياسي في الحرب، التي يبلغ عمرها ست سنوات، إذ انطلقت عام 2015، إلى عسكري مصدره القبيلة، حيث توزع أفرادها بوصفهم مقاتلين يدينون بالولاء للأطراف الرئيسة الثلاثة المشاركة في النزاع، الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وجماعة الحوثي، والمجلس الانتقالي الجنوبي.

ويبدو أن تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي نجمت عن أحداث 2011 واندلاع حرب 2015 شجعت القبيلة على الزج بأفرادها في الحرب، لا سيما أن غياب زعامة قبلية ذات تأثير كبير مثل الشيخ عبد الله الأحمر، ساعد هو الآخر على عسكرة القبيلة في اليمن بعد غياب الطرف التوافقي الذي يوفق بينها.

الدولة والقبيلة

ارتبطت القبيلة في اليمن ارتباطاً وثيقاً بالسلطة منذ فترات طويلة، سواءً في إطار دويلات القرون الماضية أو في الدول المركزية الواحدة التي تعاقبت عليها، منذ دولة الأئمة الزيدية التي ظهرت قبل ألف عام، ثم المملكة المتوكلية اليمنية التي تشكلت نهاية الحرب العالمية الأولى، ولاحقاً الجمهورية العربية اليمنية، وأخيراً الجمهورية اليمنية الموحدة منذ عام قرابة 30 عاماً.

وهكذا، لعبت القبيلة دوراً استثنائياً في صناعة القرار السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي العقود القليلة الماضية تجذرت في التشكيل السياسي والعسكري للدولة بشكل كبير.

توافقية الأحمر

منذ ثورة سبتمبر (أيلول) كانت العلاقة بين السلطة والقبيلة في اليمن، لا سيما الشمال، بين مد وانحسار، وتغلغل دورها أكثر في مراحل مختلفة من تاريخ اليمن الشمالي بعد تلك الثورة التي أسقطت المتوكلين.

وبالمرور على دورها السياسي لا بد أن يحضر عبد الله بن حسين الأحمر، إذ لا يمكن لا تذكر "القبيلة السياسية" في اليمن إلا ويبرز اسم شيخ حاشد ومشايخ اليمن، إذ لعب الأحمر دوراً استثنائياً في تاريخ العشائر اليمنية خلال أكثر من نصف قرن من الزمان.

وأسهم الشيخ الأحمر ومعه عدد من كبار المشايخ في كثير من التحولات السياسية والاجتماعية، أبرزها الإعداد والتنفيذ لحركة 5 نوفمبر (تشرين الثاني) التصحيحية 1967، التي أنقذت ثورة سبتمبر (أيلول) من الانهيار، وفتحت الطريق أمام الانتصار والسلام والمصالحة الوطنية، بعد حرب أهلية منهكة استمرت خمس سنوات.

كما كان له دور بارز في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية التي تعرضت لها الجمهورية، لا سيما في مواجهة حصار السبعين يوماً، الذي تعرضت له صنعاء عاصمة النظام الجمهوري، وبذل جهوداً كبيرة في التواصل مع القبائل وإقناعها بالنظام الجديد، وكسب ولائها له.

نواة الدولة الصلبة

ويدافع الشيخ القبلي محمد الدعام عن مكانة مؤسسته الاجتماعية الإيجابي بأنها كانت على مر تاريخها "صديقة للدولة بمختلف الأنظمة الحاكمة المتعاقبة على سلطة البلاد".

يقول الدعام، المنتمي إلى محافظة إب شمالي اليمن "في العصور الماضية كانت القبيلة اليمنية نواة الدولة الصلبة، ومادتها الأساسية في الجيش والشرطة، ورافداً اقتصادياً مهماً لكل الدول التي تعاقبت على حكم البلاد منذ نهاية العصر العباسي الثاني، وقيام الدويلات اليمنية مثل الزيادية والطاهرية والصليحية، وحتى دولة الأئمة الزيدية كانت القبيلة هي مادتها الأولى".

وعن التحولات التي طرأت على القبيلة اليمنية بعد ثورة سبتمبر التي أطاحت حكم أسرة حميد الدين الإمامية، وأقامت نظاماً جمهورياً. يضيف "استعادت القبيلة مكانتها الطبيعية، وكانت العامل الأهم في نصرة الثورة، وتثبيت أركانها، وكانت في حالة تكامل وانسجام طبيعي مع الدولة، وكان من الممكن حينها أن تتحول إلى حالة نظيرتها في دول الخليج، بحيث تحافظ على قيمها العربية الأصيلة، وتسهم في بناء المجتمع والدولة، إلا أن الحالة السياسية جعلت منها هدفاً سهلاً للأحزاب الأيديولوجية شمالاً وجنوباً، فتمت محاولات عديدة لاستقطاب المشايخ والشخصيات المهمة لهذه الأحزاب، ودخلت القبيلة في مربع آخر لا تجيد اللعب فيه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع أن الأحزاب شكلت حالة جديدة في الواقع السياسي اليمني، فإنها "لم تفقد دورها كمرجعية للأفراد، وظلت هدفاً لكل التيارات والقوى"، الأمر الذي أنهكها واستنزفها في معارك كانت في غنى عنها، بحسب الدعام.

تشكيلات عسكرية

وحول تبعات الحرب على المؤسسة القبلية اليمنية، يلفت الشيخ علي الحميري من محافظة شبوة بجنوب اليمن، أن ظروف البلاد التي مرت بها في السنوات القليلة الماضية، جعلت القبائل تشجع عشرات الآلاف من شبابها على الالتحاق بتشكيلات عسكرية موالية للأطراف السياسية المشاركة في الحرب الدائرة.

ويسهب في الحديث عن تجنيد الشباب تحديداً، قائلاً "في حقيقة الأمر إن أحداث 2011 ضد الرئيس صالح كانت البداية لأحداث كبيرة، ومنها الحرب الدائرة بين الشرعية والحوثي، وأدى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي أوجدتها أحداث 2011 وحرب 2015، إلى البطالة والفقر بشكل كبير، وانتهى التوظيف في الإدارات والمرافق المدنية، وذلك جعل الشباب في وضع صعب وبلا مستقبل، لهذا ذهبوا إلى العسكرة، حيث وجدوا الفرصة، واستفادت أطراف الحرب من ذلك، وجندت الكثير منهم".

ويدلل الحميري على ذلك بالقول "في الشمال انقسم ولاء القبيلة بين الشرعية والحوثي، وفي الجنوب بين الشرعية والانتقالي، حتى إنك تجد أحياناً أبناء الأسرة الواحدة موزعين على أكثر من طرف عسكري، ونتج عن ذلك صراع قبلي داخل القبيلة نفسها بسبب الولاء المتعدد".

وينوه الشيخ الشبواني إلى أن بعض شيوخ العشائر "لم تعد لهم سيطرة حقيقية على شباب قبائلهم" مثلما كان عليه الوضع من قبل، مضيفاً أن "قبائل الجنوب هي أكثر مدنية من الشمال، بسبب إرثها السابق، سواء في فترة الاحتلال البريطاني، أو فترة الحزب الاشتراكي، الذي تجاوز التركيب القبلي في الجنوب، وأقام نظاماً مدنياً شمولياً لا يعترف بالقبيلة طوال فترة حكمه".

هل ضُخّم دور القبيلة؟

لكن، هذا الرأي بخصوص دورها الوازن ليس توافقياً، إذ يرى الكاتب والباحث جمال الغراب أن القبيلة في اليمن خلال العقود الماضية "لم يكن لها وزن بالأساس حتى تفقده خلال سنوات الحرب اليمنية التي تشهدها البلاد منذ 2015".

ويضيف "كان وزنها ومكانتها شكلاً ظاهرياً، يظهر بلباس الفاعل في الساحة الوطنية، والحامي للعاصمة في الحزام القبلي الاسم (طوق صنعاء)، وهذا بسبب تلقيها دعماً كبيراً من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حتى اندلاع ثورة 2011، وحينما انقلب الحوثي على السلطة وقطع كامل الدعم الذي كانت تحظى به في السابق، وسرعان ما عادت إلى وضعها الطبيعي، وأصبحت قيمة اجتماعية لا سياسية".

ويستدل الغراب بفترة حكم الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي في شمال اليمن (1974 - 1978)، حينما عمل على فصل القبيلة عن الدولة "احتكمت حينها القبائل إلى النظام والقانون، وبقت معظم سنوات حكمه بلا أي وزن يذكر، وكذلك في الجنوب خلال فترة حكم الحزب الاشتراكي قبل الوحدة، ظلت القبيلة بلا وزن وغائبة عن المشهد السياسي تماماً".

ويخلص الغراب إلى القول "ما يرد في بعض الكتب والشهادات لا يعدو كونه محاولات لتضخيم دور القبيلة وإبرازها بمظهر الحاضرة شكلاً على الرغم من غيابها في الواقع"، مشدداً على أن الكيان القبلي "لا وزن له إلا في حال زج في السياسة"، كما حدث في فترة الرئيس اليمني السابق، بحسب الغراب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير