Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط السوري بـ "حصانة روسية" على شواطئ المتوسط

البلاد تغرق بأزمات خانقة ارتفعت إثرها أسعار الوقود إلى الضعف

التنقيب الروسي عن النفط على الشواطئ السورية حل سوري وحيد في الوضع الراهن (اندبندنت عربية)

في حين يكدح السوريون بالتفتيش عن بضعة ليترات من الوقود بغرض تعبئة مركباتهم العطشة للبنزين، وجدّهم ببحث مضن لملء جوف المدافئ الفارغة بمادة المازوت طيلة شتاء قارس يراقبون في الوقت ذاته آبار النفط السليبة، أو تلك الخاضعة لاتفاقيات الاستثمار الأجنبي بينما يعيش الشارع السوري الفاقة والعوز.

إطلالة جديدة على المتوسط

وكما بات معلوماً كيف تدار حقول البترول والغاز التي يعج بها الشمال الشرقي، على مدار السنوات السابقة، والقابعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من دون أي عائدات تصل إلى دمشق، تسعى موسكو من جهتها إلى الاستفادة أكثر من حضورها العسكري والميداني المهيمن منذ العام 2015 وجني ثمار تدخلها اقتصادياً عبر الدفع بشركات تنقيب النفط والغاز والفوسفات والثروات المعدنية إلى أنحاء البلاد. 

في هذا الوقت تعدّ زيادة رقعة التنقيب الروسي على امتداد الأرض السورية وبحرها، وآخرها منح شركة روسية حقوق التنقيب في البلوك الأول بمياه سوريا الإقليمية بالبحر الأبيض المتوسط قبالة طرطوس، غرب سوريا نافذة جديدة بإطلالة على المتوسط بعد جملة من الاتفاقيات تؤكد مواصلة موسكو كسبها فرص زيادة تواجدها لعقود من الزمن عبر التنقيب من جهة واستثمار الموانئ من جهة ثانية.

وصادقت دمشق على عقد ثان مع شركة روسية "كابيتال" تمنحها الحق الحصري بالتنقيب عن النفط وتنمية المنطقة في ساحل طرطوس حتى الحدود السورية الجنوبية بمساحة 2250 كيلومتراً مربعاً.

كما أعطت للشركة المنقبة حقوق الاستكشاف، ومدته 48 شهراً يطبق مع بدء توقيع العقد، مع إمكانية التمديد لـ 36 شهراً إضافياً، بينما فترة الاستثمار مدتها 25 عاماً قابلة للتمديد لخمس سنوات.

بين العقدة والحل

في غضون ذلك يعتبر اقتصاديون منح دمشق الشركة الروسية حق التنقيب الحصري على النفط في مياه المتوسط الإقليمية قوة اقتصادية مضافة من حليف استراتيجي يحاول دوماً الوقوف إلى جانب دولة شريكة له، وتمنح بالمقابل الكرملين مزيداً من النفوذ بإطلالة على المتوسط، وموطئ قدم في مياهه.

يرى الباحث الاقتصادي، رضوان المبيض، أن حكومة النظام السوري غير قادرة أمام حصار اقتصادي وسياسي يخيم على حدودها ومنافذها البحرية والبرية والجوية، وقطيعة عربية مازالت مستمرة، بالإضافة إلى عقوبات أوروبية وأميركية سوى الاتجاه نحو الخيار الروسي الوحيد، ومنحه حقوقاً وامتيازات استثمارية.

ويعتقد المبيض في حديثه إلى "اندبندنت عربية" تشكل مشاركة الروس الطريق الأوحد لدمشق لتسلكه "الأمر الذي يمنحها حصانة من العقوبات المفروضة عليها، كما يقدم لها المزيد من الدعم التقني والفني المتوفرين لدى الروس، ومن دونهما لن يتسع لبلد يغرق بالحروب والنزاعات من الحصول عليه".

ويرجح نية الكرملين الزج بكل قدراته للهيمنة الاقتصادية، وجعل سوريا من باب مصالح روسية ـ سورية مشتركة لتكون سوقاً ليس للسلاح فحسب، بل أيضاً لإنعاش تجارة الشركات من روسيا وحتى بيلاروسيا، ولعل آخرها الاتفاق على بناء مطاحن للحبوب في مدينة حمص، وسط البلاد بكلفة 70 مليون يورو.

الأسواق والاستياء الشعبي

الثابت بأن البلاد تغرق بأزمات وقود خانقة ارتفعت إثرها أسعار الوقود في 15 مارس (آذار) إلى الضعف، يعد الثاني من نوعه منذ بداية العام الحالي، وسط استياء شعبي عارم في الداخل السوري، لما رافقه من تحليق أثمان المنتجات، والبضائع لتفوق قدرة الشارع على تحملها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقدّر وزير النفط السوري، بسام طعمة خسائر القطاع النفطي المباشرة وغير المباشرة في بلاده بتجاوزها 92 مليار دولار، متهماً في تصريحات له أن المناطق التي تخضع لسيطرة الولايات المتحدة، شرقاً تضم عن 90 في المئة من الاحتياطي النفطي.

ونبّه وزير النفط السوري إلى ما يميز المياه السورية كونها مؤهلة من ناحية الاحتياط النفطي "لكن ما يميز عقود الاستكشاف أنها مكلفة وذات مدى طويل" باعثاً أملاً لدى السوريين عبر لقاء تلفزيوني إلى مستقبل نفطي واعد في تلك المياه يحتاج بحسب قوله إلى هدوء وظروف لوجستية مستقرة.

واقع الشارع المرير

بينما ترفض المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف السوري أي اتفاقات جانبية روسية ـ سورية حول الاستثمار لا سيما تلك الممتدة عقوداً من الزمن ظهرت منذ العام 2019 وعدّها الائتلاف الوطني السوري المعارض أنها "غير ملزمة للشعب السوري" وفق بيان سابق له في حينها، إلا أن رئيس الائتلاف، نصر الحريري هاجم أيضاً الاتفاق الأميركي مع أكراد سوريا.

وحذر في تصريح إلى وكالة الأناضول التركية من أن توقيع شركة أميركية في يوليو (تموز) العام الماضي شرق الفرات اتفاقاً حول الثروات النفطية "يهدد سوريا وسلامة أراضيها وينذر بحرب أهلية بين مكونات الشعب ستكون نتائجه وخيمة".

وقدّر البنتاغون حصيلة عائدات تنظيم "داعش" بـ 40 مليون دولار شهرياً مع تكرير النفط بطريقة بدائية العام 2015 قبل أن يتمكن التحالف الدولي بالتعاون مع "قسد" من دحر "داعش"، وباتت الآبار تحت تصرف القوات ذات الغالبية الكردية التي تعمل على تكرير النفط، وبيعه إلى مناطق سيطرة النظام.

لعل أحد أبرز الأزمات المتفاقمة وطوابير الانتظار أمام محطات الوقود كانت تتمثل بتوقيف قسد إرسال شحناتها، من جانب آخر تعرضت حرّاقات النفط التي تعمل على تكرير النفط الخام في مناطق قرب منبج والباب، في ريف حلب إلى قصف روسي أسفر عن أضرار مادية في السادس من مارس (آذار) الحالي.

الفاتورة الروسية والصبر السوري
 
يتوقع فريق اقتصادي أن الطريق للتغلغل الروسي بات سالكاً من باب الاستثمار، وموسم قطف ثمار نجاحه العسكري أوتيت أكلها علاوة على قرب تفاهمات دولية تلوح في الأفق تمثلت بجولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف الخليجية، وسبقها وعد لدمشق بعودة سيطرتها على آبار النفط في شرق الفرات من أيدي قسد.

ومع توجس سوري من مناكفة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام، وتأثير ذلك في نجاح ترتيب الأوراق السورية، وحل الأزمة.

في وقت يعتقد مراقبون أن روسيا ستكمل مسعاها إلى الإمساك بملف النفط (يقدر انتاجه اليومي بـ400 ألف برميل يومياً قبل الحرب) كسداد لفاتورة 10 سنوات حرب مكلفة من نزاع مسلح تمكنت القوات النظامية بمساعدة الجيشين الروسي والإيراني من إعادة ما نسبته 70 في المئة من الأراضي خرجت من سيطرة دمشق.

الاتفاق أو الخلاف الخفي

إزاء هذا تقف إيران موقف المتفرج من التمدد الروسي لا سيما في شرق سوريا مع معلومات واردة عن انسحاب فصائل "فاطميون" التي تتبع الحرس الثوري الإيراني من حقلين للنفط سيطرت عليه في جنوب غربي الرقة مؤخراً لتسلمها إلى الفيلق الخامس، برعاية روسية الأمر الذي ترك مدلولات لدى متابعين عن مساع روسية إلى تقليص الدور الإيراني.

ويستبعد الباحث الاقتصادي، المبيض تسليم الآبار النفطية من فصائل مدعومة إيرانياً، وإن صحت الأنباء عن تسليمها للطرف الروسي يعود إلى واقع العمليات العسكرية المعقد شرقاً، واستهداف مبرمج من قبل إسرائيل وأميركا للأهداف الإيرانية، ولعل الحضور الروسي بالنتيجة يندرج في إطار ما هو متفق عليه حماية من القصف والاستهداف إن بقي في أيد إيرانية.

وسبق هذا الاتفاق في الساحل السوري دخول شركتين روسيتين استحوذتا على ثلاثة مواقع للتنقيب عن البترول، بعد توقيع كل من شركتي فيلادا وميركوري على العقود مع وزارة النفط السورية، في سبتمبر (أيلول) عام 2019 تندرج ضمن بروتوكول التعاون المشترك، وتشمل بلوكات تقع في المنطقة الوسطى وفي دير الزور، شرق سوريا، ليكون الروس قد أمسكوا بالاستثمار من شرق سوريا إلى غربه، من باب الحماية والمصالح المتبادلة.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد