فتح خطاب قائد أركان الجيش الجزائري أبواب الخوف على مصراعيها من المستقبل المجهول، بعد حديثه عن مؤامرات داخلية تخطط لإحداث انسداد سياسي وفراغ دستوري، للدفع بالوضع نحو الفوضى، وأيضاً تحذيره من استمرار عرقلة عمل وزراء حكومة نور الدين بدوي، الذين يطاردون من قبل الشعب في كل المناطق التي يوجدون فيها، وأيضاَ الأحزاب السياسية التي رفضت المشاركة في المشاورات والندوة الحوارية، التي دعا اليها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، واستمراره في توعد رئيس جهاز الاستخبارات السابق الجنرال المتقاعد محمد مدين، من دون اتخاذه الاجراءات الواجب اتخاذها، مقابل الاتهامات التي يوجهها له.
خطاب مخيب للآمال؟
جاءت رسالة أحمد قايد صالح، مخيبة للآمال، شعبياً وسياسياً، خصوصاً للذين راهنوا على اتخاذ المؤسسة العسكرية المبادرة، والدفع نحو مخرج سياسي يلبّي مطالب الحراك الشعبي، وكذلك أحزاب المعارضة التي تجتمع دورياً، منذ الـ 22 من فبراير الماضي، بعدما ألمح إلى ترك جزء من المطالب للرئيس المقبل، وبالإضافة إلى تفضيله التمسك برئيس الدولة ورئيس الحكومة، على الرغم من مطالبة الحراك برحيلهما.
ووجّه قائد أركان الجيش انتقادات للمقاطعة التي عرفتها مشاورات وندوة الحوار، التي دعا اليهما رئيس الدولة، والحصار الذي يفرضه الشارع على طاقم الحكومة وولاة الجمهورية، حين جرت مطاردتهم أينما وجدوا، والتي قال بشأنها "وجب التنبيه إلى الظاهرة الغريبة المتمثلة في التحريض على عرقلة عمل مؤسسات الدولة ومنع المسؤولين من أداء مهماتهم"، معتبراً أنها تصرفات منافية لقوانين الجمهورية لا يقبلها الشعب الجزائري الغيور على مؤسسات بلده، ولا يقبلها الجيش الوطني الشعبي الذي التزم مؤازرة هذه المؤسسات وفقاً للدستور، ورافع لصالح الإطار الدستوري لحل الأزمة، والمتمثل في الرئاسة الموقّتة بقيادة بن صالح، وحكومة برئاسة بدوي، وهما مؤسستان محل رفض شعبي كبير.
وأوضح المحلل السياسي عبد الحميد عكروف في تصريح لـ "اندبندنت عربية" أن "اللافت في خطاب قايد صالح، غياب مفردات التعاطف والتلاحم بين الجيش والشعب، وبروز إشارات عتب ولوم، في تحول يطرح تساؤلات عدة"، مشيراً الى "أن مصطلحات التعنت واليقظة والحذر، انتُقيت بدقة، للحد من تمسك الشارع بمطالبه بمرحلة انتقالية بوجوه محايدة، وهذا ما يؤكد حدوث تغيير في موازين الصراع الحاصل بين أجنحة النظام".
تأخر حل الأزمة يرجع الى الصراع بين قايد صالح ومحمد مدين
وعاد قايد صالح إلى اتهام الجنرال المتقاعد محمد مدين بالوقوف وراء مؤامرة محبوكة ضد البلاد منذ 2015، السنة التي عرفت إقالة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات، وهو ما يكشف عن معركة قوية لا تزال تدور رحاها بين الرجلين، وسط تخوف من انتقالها الى الشارع، في ظل الحديث عن حجز أسلحة ومهلوسات وقنابل مسيلة للدموع، بحوزة أشخاص يتربصون بالحراك الشعبي، وذلك عشية كل جمعة، وإلا فكيف يفسر عدم اتخاذ اجراءات ضد الرجل "اللغز".
ورأى عكروف أن العودة للحديث عن الجنرال توفيق، في كل مرة، تؤكد أن تأخر حل الأزمة التي تعيشها البلاد، على الرغم من خروج الرئيس بوتفليقة من المشهد، وهو الذي كانت كل الأصابع موجهة اليه بأنه رأس الأفعى، يرجع الى الصراع بين قايد صالح ومحمد مدين. وقال "إن أصل الصراع يعود الى 2014، حينما وقف الجنرال توفيق ضد ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، إثر إصابته بجلطة دماغية، وانفراد شقيقه سعيد باتخاذ القرارات، في محاولة لقيادة البلاد نيابة عن شقيقه الرئيس المريض"، ويضيف "رفض قايد صالح خطوة محمد مدين، وسمح بالمرور الى عهدة رابعة ومعاقبة رئيس الاستخبارات الجنرال توفيق باقالته من منصبه".
الحديث عن مؤامرات لتبرير التمسك بخيار الحل الدستوري
في السياق نفسه، اعتبر الإعلامي المهتم بالشأن السياسي حكيم مسعودي، أن خطاب قايد صالح يأتي في سياق تتابع خطابات المؤسسة العسكرية، التي تحرص على الحضور خلال هذه الفترة الحساسة من تاريخ البلاد، في ظل "هشاشة" وضع المؤسسات التنفيذية والتشريعية، ورفض الحراك الوجوه القائمة عليها. وتابع "ان المؤسسة العسكرية مضطرة إلى عدم ترك فراغات في الساحة، مشيراً الى أن الحديث عن مؤامرات داخلية ومخططات للدفع بالبلاد نحو انسداد وفراغ دستوري وفوضى، لا أساس لها من دون أدلة واضحة، وهي أقرب الى تبرير موقف، للتمسك بخيار المسار الدستوري لانتخاب رئيس في الرابع من يوليو (تموز) 2019.
وهذا الطرح يتعزز أكثر بتأكيد دعمه للحكومة الحالية ورفض عرقلة عمل الوزراء، وتابع "المؤامرة هي عبارة عن خطاب ضاغط يدخل في إطار حرص المؤسسة العسكرية على إبعاد رئيس الاستخبارات السابق من وضع أسس المرحلة المقبلة".
وقال قائد الأركان منتقداً الطبقة السياسية "إن بعض الأصوات التي لا تتمنى الخير للجزائر، تدعو إلى التعنت والتمسك بالمواقف المسبقة عينها، ورفض كل المبادرات ومقاطعة كل الخطوات، بما في ذلك مبادرة الحوار"، مضيفاً "أن هذه الأصوات والمواقف المتعنتة تعمل على الدفع بالبلاد إلى فخ الفراغ الدستوري والدخول في دوامة العنف والفوضى، الشعب الجزائري سيد في قراراته وهو من سيفصل في الأمر، عند انتخاب رئيس جمهورية جديد، تكون له الشرعية اللازمة لتحقيق ما تبقى من مطالب الشعب المشروعة".
قائد الأركان يفك شيفرات "الإشارات الملغومة"
من جديد عاد قائد اركان الجيش في بيان اليوم الأربعاء ليفكك شيفرات "الإشارات الملغومة" التي وردت في كلمته أمس الثلثاء، حين التزم الوقوف مع الشعب الجزائري، وبارك كل المبادرات الساعية لحل الأزمة الحالية، وحذر من مساع لضرب الانسجام بين الشعب وجيشه، واتهم أطرافاً داخلية بالتآمر مع جهات تحمل حقداً دفيناً للجزائر وشعبها، أزعجها الانسجام بين الجيش والشعب، وقال "إن تلك الأطراف الداخلية باعت ضميرها ورهنت مصير أبناء وطنها من أجل غايات ومصالح شخصية ضيقة"، مؤكداً أن "الجيش يواصل التصدي للمخططات الرامية إلى زرع الفتنة والتفرقة بين الجزائريين وجيشهم"، كاشفاً عن إحباط عدد من المحاولات الرامية إلى بث الرعب والفوضى، إذ أوقفت قوات الأمن نهاية الأسبوع الماضي أشخاصاً يحملون أسلحة نارية وأسلحة بيضاء وقنابل مسيلة للدموع وكمية كبيرة من المهلوسات وأجهزة اتصال، وطمأن في الختام الى أن الجزائر ستخرج حتماً من أزمتها الراهنة أكثر قوة وصلابة.