Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

11 مليون دولار لـ"روميو وجولييت" على الطريقة الهندية

"دفداس" حكاية الحب التي صبغتها بوليوود بآيات الجمال المطلق

مشهد من فيلم "دفداس" (يوتيوب)

هو بالتأكيد واحد من أجمل الأفلام في تاريخ السينما العالمية وليس الهندية فقط. بل ربما يكون أجملها على الإطلاق. وحين نتحدث عن الجمال هنا بصدد هذا الفيلم، لا نعني أنه الأفضل ولا الأقوى ولا الأكثر نجاحاً أو تأثيراً من الناحيتين الاجتماعية والفكرية. نعني فقط أنه يوفر للعين والأذن أقصى وأحلى ما تتطلعان إليه، بصرياً وحوارياً وموسيقياً من دون أن ننسى الرقص الذي لا يبز أحد السينما الشعبية الهندية فيه. فمن هذه النواحي يمكننا القول إن "دفداس" يمثل أقصى ما يمكن الوصول إليه من ناحية القدرة على التعبير وتقديم عمل سينمائي ينضح بالجمال: جمال الممثلين أجساداً ووجوهاً، في أدوارهم المتنوعة، جمال التعبير في الوجوه، جمال الحوارات ثم بخاصة جمال الموسيقى والأغاني، إضافة طبعاً إلى الجمال المطلق الذي يطبع الملابس وضروب الأزياء وأصناف الزينة والديكورات والمناظر الطبيعية وحتى أثاث البيوت والقصور. في اختصار نحن هنا أمام ما يمكننا اعتباره الجمال المطلق من دون أن نتوقف طويلاً لا عند حكاية الفيلم، ولا عند لحظات البكاء الكثيرة والطويلة ولا عند مجموعة الأحزان الميلودرامية التي لا مفر منها في قصص الغرام، وفي حكايات الأفلام الشعبية الهندية وغير الهندية.

تحد من نوع مفاجئ

من الواضح أن صناع هذا الفيلم الذي انطلقت عروضه العالمية من مهرجان "كان" الفرنسي عام 2002 لتتواصل سنين طويلة بعد ذلك، سينمائياً وتلفزيونياً ولا تزال حتى الآن، أرادوا أن يضربوا رقماً قياسياً بالنسبة إلى قدرة الفن السينمائي على التعاطي مع العناصر الجمالية في الفيلم الواحد. وفي يقيننا أنهم ضربوا ذلك الرقم من دون التوقف طويلاً عند الحكاية نفسها. فحتى الحكاية هنا أتت لتخدم جماليات الفيلم. لكن العنصر الأول في تلك الجماليات يبقى الأداء الفني تمثيلاً ورقصاً وغناء الذي قدمه لاعبو الأدوار الأساسية في الفيلم طوال ثلاث ساعات أو نحو ذلك من المتعة الخالصة. وعلينا ألا ننسى هنا أن اختيار هؤلاء المؤدين أنفسهم كان جزءاً أساسياً من اللعبة الجمالية. فمن شاروخان في دور "دفداس" وأشواريا راي في دور "بارو" إلى مادوري ديخيت في دور "شاندرامونخي" وصولاً إلى جاكي شروف في دور "شونيلال"، لا نجدنا هنا أمام الحدود القصوى من الجمال والتعبير الشكليين فقط، بل أمام أربعة من كبار نجوم السينما الهندية ممن اشتهروا بقوة التمثيل والكاريزما التي تقربهم من كل متفرج محب للسينما الهندية.

 

 

روعة استثنائية لحكاية عادية

لقد جمع صنّاع الفيلم هنا ما يؤمن النجاح لمغامرة جمالية يعرفون منذ البداية أن الحكاية فيها هي الأكثر عادية وحضوراً في العدد الأكبر من منتجات السينما الجماهيرية. والحقيقة أن "دفداس" ما كان يمكنه أن يحقق المكانة التي حققها لولا تلك الأبعاد التي يمكن القول في نهاية الأمر أنها تلخص كل العناصر البصرية والسمعية المميزة التي دائماً ما طبعت هذا النوع من سينما بوليوود وجعلت له جماهيريته. لكن السرّ هنا هو أن ما يأتي متفرقاً في العديد من أحلى الأفلام الهندية، يأتي هنا مجتمعاً بشكل مفاجئ. وطبعاً تبدو بعيدة جداً هنا سينما ساتياجيت راي المتقشفة، إلا في تحفته "لاعبا الشطرنج" الذي أخضع الموضوع في بعض لحظاته لجماليات كانت غير معهودة لديه، أو سينما مرنال سن البؤسوية أو غيرهما من مناضلي السينما البنغالية التي سعت دائماً لتقول شيئاً بغض النظر عن كيفية قول ذلك الشيء. فهنا نحن أمام سينما معاكسة تماماً يهمها الكيفية التي تقول بها الحكاية أكثر كثيراً من الحكاية نفسها، حتى وإن كنا نعرف أن الحكاية في حد ذاتها تنتمي إلى الأدب الشعبي الناجح في الهند، وسبق للسينما أن قدمتها مراراً من قبل إنما في أفلام لا تضاهي "دفداس" الذي نحن في صدده لا في الشكل ولا في المضمون حتى.

حكاية مخرج

فهنا في هذا الفيلم انطلق مخرجه سانجاي ليلا بانزالي من تحد وجد نفسه يواجهه. وهو، على أية حال يتحدث بنفسه عن ذلك التحدي، معيداً الفضل في انطلاقته لديه إلى أبيه الذي منذ طفولته كان لا يكف عن نصحه بمشاهدة أفلام مثل "موغالي عظام" وسماع موسيقى بادي غلام علي أستاذ أمير خان صاحب، فيقول "لقد كان أبي هو من دفعني باكراً نحو عالم يعتبر اليوم كلاسيكياً رائعاً ومفعماً بالجمال". ومن هنا كان الجمال بالنسبة إلى سانجاي العنصر الأساس الذي ينبغي أن يسود أي عمل فني. ومع ذلك لا يتردد عن القول إن تلك الأبعاد الجمالية الممكنة كانت هي ما دفعه إلى اختيار هذه الرواية التي يخبرنا أنها "الرواية الهندية المقروءة أكثر من أية رواية أخرى، والتي قرأتها للمرة الأولى باكراً خلال صباي بنصيحة من والدي، فظلت ماثلة في ذهني". ومن الواضح أنها ظلت ماثلة في ذهنه على شكل صور ومشاهد، حتى وإن كان هذا المخرج الشاب لا يتوانى في حديثه عن التركيز على الأبعاد الأدبية في موضوع الحكاية، لا سيما على الأبعاد التي رآها في شخصية دفداس نفسه، "تلك الشخصية التي تبدو كأنها لا تتجاوز سن الطفولة، لكنها تبدو في الوقت نفسه محبوبة ومتمردة. دفداس كان يريد أن يحب وكان يحب بكثافة، لكنه كان عاجزاً عن التعبير عن ذلك. ومن هنا راح يخطئ ويخطئ هو الذي كان شديد النقاء ولكن من دون أن يُفهم كثيراً. فتعمدت أن أقترب منه لأتفحصه عن كثب وأجد أن هذا الميل لديه إلى تدمير ذاته يشبه ما لدى عدة شخصيات سبق لي أن رسمتها في غير فيلم وعمل فني. ويكشف عن ميول مشابهة لدى كل الرجال الذين يبقون أطفالاً ومدمرين لذاتهم مهما بلغت قسوتهم وخشونتهم، لا سيما منهم الرجال الهنود. حتى أيامنا هذه لا شك أن ثمة دفداس في كل زقاق وحيّ هندي". فمن هو دفداس بعد هذا؟

الغني والفقيرة

هو ذلك الشاب الموسر الذي ينادى تحبباً بـ"ديف" والذي يطالعنا عند بداية الحكاية وقد عاد من إنجلترا حيث درس الحقوق، وها هو يستعيد اللقاء برفيقة طفولته "بارو" التي كان قد تعاهد معها على البقاء معاً، وها هو يسعى إلى ذلك الآن وقد عاد ونضج الإثنان ليكملا مسيرة حب لم تتوقف على رغم البعاد. بيد أنها تتوقف الآن لأسباب يبدو واضحاً أنها طبقية فبارو تنتمي إلى بيئة أشد تواضعاً من بيئة ديف بكثير، ومن هنا نراها تتخلى عن حبها أمام برودة اجتماعية تلاحظها لديه ولدى أهله تجاهها فتتزوج أرملاً ثرياً، فيما لا يسعى ديف للاحتفاظ بها بل يتقرب من الحسناء شاندرا موخي في وقت يغرق أحزانه في الشراب والحزن من دون أن يشي بذلك. ثم؟ هذه هي الحكاية لا أكثر. الحكاية التي يُنظر إليها عادة كـ"روميو وجولييت" الأدب الهندي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عشرة أفلام وربما أكثر

على رغم بساطة الحكاية وعاديتها لا بد أن نشير إلى أنها لم تتوقف عن إلهام السينمائيين منذ صدورها للمرة الأولى ونجاحها الجماهيري الكبير عام 1917، فمنذ أيام السينما الصامتة أقدم السينمائيون على اقتباسها بدءاً من نسخة صامتة حققت عام 1928 ليتلوها ما لا يقل عن تسع نسخ أخرى في مختلف اللغات الهندية منها نسختان بالهندية نفسها. أما النسخة الأشهر قبل الفيلم الذي نتناوله، فكانت تلك التي حققها المخرج بيمال روي عام 1955 من تمثيل ديليب كومار الذي يعتبر أداؤه حتى اليوم واحداً من أروع ما حدث في السينما الهندية، لا سيما أنه اختار يومها تمثيلاً جوانياً سيأتي أداء شاروخان في "دفداس" الجديد متناقضاً معه تماماً، ولعل هذا كان المأخذ الوحيد على "دفداس" 2002.

كل الجوائز ما عدا الأوسكار

غير أن هذا يبقى ثانوياً مقابل الروعة البصرية للفيلم الذي اشتهر بكونه الأكثر كلفة في تاريخ السينما الهندية، (وحدها الديكورات والملابس كلفت أكثر من نصف الأحد عشر مليون دولار التي أنفقت عليه)، والذي أطلق موضة "بوليوود" واسمها، واستغرق إنجازه عاماً ونصف العام، وحفلت حكاية ذلك الإنجاز بالمآسي والعقبات التي لا تعد ولا تحصى وتستحق وحدها فيلماً بأكمله، لكن النتيجة جاءت في نهاية الأمر على شكل ثلاث ساعات من المتعة جعلت الفيلم يستحق الجوائز التي انهالت عليه بالعشرات مع أسف كثر لأنه أخفق في المقابل في الحصول على أوسكار أفضل فيلم أجنبي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة