يستغرب متابعو الوضع في الجزائر "عجز" قائد الأركان أحمد قايد صالح، عن تنحية الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، تحقيقاً لوعوده بالاستجابة إلى المحتجين المطالبين برحيل "الباءات"، بينما نجح في دفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى تقديم استقالته، وبينما راح القضاء ينبش في ملفات فساد شخصيات سياسيَّة وعسكريين برتب عالية، ما أبعد جلب الاهتمام عن مطالب الحراك، وفَتَحَ مجالاً واسعاً للتساؤل عن حقيقة "تراجع" قايد صالح عن تعهداته، في ظل إخفاق ندوة المشاورات واستمرار طرد الوزراء أينما ذهبوا وفي مختلف مناطق البلاد.
أولوية قائد الأركان
يعتبر البعض أن قائد الأركان يفضّل مواجهة الفساد، بدلاً من الاستجابة إلى مطالب الشارع بتنحية "الباءات"، وفي مقدمتهم "بن صالح"، ومهما اختلفت القراءات السياسية بشأن أسباب هذه الأولوية، فإن المتفق عليه هو أن قايد صالح يتمسَّك بـ"بن صالح" من أجل الحل الدستوري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتذهب التأويلات بعيداً عندما تشير إلى أن تقدم أولوية محاربة الفساد على تنحية "بن صالح"، ترجع إلى تحركات مشبوهة لجهات من النظام لقلب الموازين في الساحة، من خلال إجهاض الحراك الشعبي وعرقلة التوافق السياسي للمرحلة المقبلة في البلاد.
ويرى كثيرون أن الدولة العميقة بقيادة الجنرال توفيق، باتت تشكل خطراً على البلاد، ويعتبرون سقوطها واحداً من انتصارات الحراك الشعبي. وعليه، فإن تمسّك قائد الأركان بـ"بن صالح"، يمنع حدوث الفراغ الدستوري، الذي تبحث عنه الدولة العميقة لتمرير مخططها.
بوتفليقة والجيش... انتقام
لكن لدى رابح لونيسي، الأستاذ في جامعة الجزائر، رأي آخر، إذ يعتقد أن قائد الأركان مُصِرٌّ على تنفيذ المادة 102 مهما كان الثمن، ويرجع الأمر إلى ما يشبه الثأر بين الجيش وبوتفليقة، راوياً لـ"اندبندنت عربية" أنه منذ استقلال الجزائر حتى 1999، "كان الجيش هو صانع الرؤساء وصاحب القرارات الكبرى، لكن بوتفليقة أراد تغيير المعادلة والانتقام من الجيش، الذي أوصله إلى قصر الرئاسة، وذلك لاعتقاده أن المؤسسة العسكريَّة أبعدته عن خلافة الرئيس الراحل هواري بومدين في العام 1979، فسعى إلى إضعاف الجيش بإعطاء نوع من السلطة للأوليغارشية المالية".
يتابع لونيسي، أن بوتفليقة أعاد الاعتبار إلى ما يُعرف بـ"مجموعة وجدة"، التي استولت على السلطة في الجزائر بعد الاستقلال، بالإطاحة بالرئيس أحمد بن بلة، وعمل على إعطاء امتيازات لقوى دولية كفرنسا والولايات المتحدة، وأخرى إقليمية، لا سيما الخليجية.
أركان حكم بوتفليقة
ويعدد أربعة أركان في حكم بوتفليقة تتحكم في القرار الجزائري، وهي: المؤسسة العسكرية، والأوليغارشية المالية، والفرع البوتفليقي لمجموعة وجدة، خصوصاً عائلة الرئيس، إضافة إلى قوى دولية وإقليمية. وهو ما عقّد مسألة خلافة بوتفليقة بحكم التناقضات بين كل هذه العناصر.
ويرى متابعون، أن تسريع قيادة المؤسسة العسكرية وتيرة التوقيفات، يأتي في سياق مخاوف غير معلنة لديها من إمكانية ظهور تحالفات خفيَّة بين زمر عسكريَّة وسياسيَّة وماليَّة، تشكّل خطراً عليها، ويمكن أن تنفذ انقلاباً أبيض ضدها، وأن التمسّك بـ"بن صالح" من أجل ضمان سير شؤون البلاد وفق الدستور، إذ تعتبر عائلة كونيناف، راعية نظام بوتفليقة، ورجل الأعمال يسعد ربراب، الذراع المالية لمدير جهاز الاستخبارات السابق، والجنرال محمد مدين، في حين أن العسكريين الموقوفين على خصومة مع قايد صالح.
حجة الدستور
وقد استغلت المؤسسة العسكريَّة الحراك الشعبي بإعلان اصطفافها مع الشعب والاستجابة إلى مطالبه، من أجل إضعاف العناصر، التي أصبحت تنافسه في صناعة القرار، وفي مقدمتها "مجموعة المال"، ولاستعادة دورها الذي كان قبل 1999.
ويعتبر لونيسي، أن هذا ما دفع قايد صالح إلى تنفيذ المادة 102، والتمسُّك بـ"بن صالح وبدوي"، بدعوى الالتزام بالدستور.
وتلاحظ الباحثة في المركز الديموقراطي العربي بألمانيا، فريدة روطان، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن "بن صالح تولى الرئاسة بناءً على المادة 102 من الدستور، وعليه لا يستطيع ولا يحق لقايد صالح أن يقيله، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بدوي، خوفاً من الفراغ المؤسساتي، لا سيما أنه يتغنَّى بالمواد الدستورية".
وتقول روطان، إن "الجيش يعاني ضغوطاً كبيرة، بعدما صارح الشعب بأنه يقف إلى جانبه". وتتوقع "اقتراب حسم الكباش بين قيادة الأركان ورموز نظام بوتفليقة"، وتدعو إلى "انتظار شعارات الجمعة المقبلة لمعرفة اتجاه الأمور ولمصلحة من ستميل الكفة".