لم يستطع مرور الزمن أن يلغي ذهنية أسهمت في ترسيخ مفهوم العمالة المنزلية في البيوت العربية خلال السنوات الماضية، بغض النظر عن مقدار الحاجة لها أو حتى المقدرة المالية لصاحب العمل.
سبب الظاهرة
من جهة أخرى، أدى هذا الحضور المكثف للمساعِدات في البيوت اللبنانية إلى تنامي الاستعراض و"التشاوف"، حتى في حال عدم الحاجة إلى وجودها، بخاصة أن كلفة اليد العاملة كانت منخفضة قبل الأزمة الاقتصادية التي تعصف منذ أكثر من سنة بالبلاد.
عبء اقتصادي أم حاجة؟
وفي دول الخليج ذات الملاءة الاقتصادية الأكبر، أشارت إحصائية نشرتها الهيئة العامة للإحصاء في السعودية مطلع عام 2020، إلى أن عدد العمالة في الدولة الخليجية الكبيرة بلغ 3.225.785 بين سائقين وخادمات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين ينظر الاقتصاديون إلى هذه الأرقام على أنها عبء اقتصادي يسهم في تسرب رأس المال، يرفض الأخصائيون الاجتماعيون النظر إليهم بشكل رقمي، إذ قال الأخصائي الاجتماعي السعودي محمد الحمزة، إن "وجودهم في دول الاغتراب مرتبط بنقطتين رئيستين، الأولى هي حاجتهم إلى العمل، والثانية هي حاجة الدول إليهم". وأضاف "فلو لم يكن هناك احتياج إليهم، لَما سمحت لهم الدول بالقدوم إليها منذ البداية، لذا لا بد من أن يُنظر إليهم كقوة عاملة مساعِدة في التنمية، لا كمنافسين في سوق العمل. بناءً على ذلك، تتحدد طريقة التعامل معهم".
وعلى الرغم من أن دولاً عدة حظرت سفر رعاياها للعمل في المنازل في لبنان، استمر وصول العاملات المنزليات بطريقة غير قانونية إلى البلاد، أي بالسفر إلى بلاد أخرى مجاورة ومن ثم إلى لبنان.
واستطاعت مكاتب استقدام العاملات المنزليات التحايل بهذه الطريقة لإحضارهن والاستفادة، وإن كان يترتب عن ذلك تكاليف كبرى على صاحب العمل. وفي النهاية، كانت النتيجة أن العاملات أصبحن أكثر عرضة للاستغلال فيما أظهرت سفاراتهن تهاوناً أحياناً بحق من تتعرض لذلك لقدومها بطريقة غير قانونية. علماً أن النسبة الكبرى من العاملات اللواتي حضرن إلى لبنان كنّ من الجنسية الإثيوبية طوال السنوات الماضية، إضافةً إلى اللواتي من الفيليبين والنيبال وسريلانكا ودول أفريقية عدة مثل غانا.
الأجور
أما الأجور فتتراوح بين 150 دولاراً كحد أدنى إلى 200 دولار، وصولاً إلى 400 دولار للعاملات (من جنسية معينة)، على أن تعطى للعاملة زيادة على الأجر بحسب سنوات الخبرة. لكن في المرحلة الحالية، ازداد معدل التشدد وبات الحد الأدنى لأجر للعاملة القادمة حديثاً 200 دولار، ما يزيد من الضغوط على اللبنانيين والصعوبات لاستقدام عاملات من الخارج، غير اللواتي هنّ موجودات أصلاً في البلاد.
وقد أسهمت هذه العوامل مجتمعة إضافة إلى انتشار الوباء، إلى تراجع ملحوظ في معدل العاملات المنزلية القادمات إلى البلاد بعد أن كان عددهن يصل إلى 250 ألف عاملة سنوياً.
وتشير التقديرات إلى تراجع قد يصل إلى 85 في المئة، وإن لم تصدر حتى الآن أرقام رسمية عن وزارة العمل أو عن الأمن العام حول الارقام الفعلية للعاملات اللواتي دخلن حديثاً في العام السابق.
أمام كل هذه التحديات، تزداد الضغوط على العاملة وأيضاً على أصحاب العمل لتراجع قدرتهم على تسديد أجور العاملات. فباتت تتراكم أشهر عدة بسبب الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار.
فيما تتعرض أخيراً العاملة إلى المزيد من التعنيف وتبدو المطالبة بمستحقاتها السبب الرئيسي لهذا العنف، ما يفسّر زيادة معدلات العنف الجسدي الذي لا تظهر آثاره أحياناً كالصفعة والضرب الذي لا يظهر له أثر، فلا تتحرك النيابة العامة لاعتبار أن التوصيف القانوني للعنف يربطه بتعطيل من العمل لحوالى 10 أيام حتى يتحرّك الحق العام. وإذا لم يحصل ذلك، قد تهمل الحالة وتبقى العاملة عرضة للاستغلال وتُمنع من العودة حتى إلى بلادها، فالمسألة ترتبط هنا بأخلاقيات أصحاب العمل.
محاولة إصلاح سوق العمالة
لا توجد أنظمة فعالة على الرغم من محاولات سن قوانين تحمي حقوقها في الدول العربية، ففي السعودية سعت وزارة الموارد البشرية إلى إعطاء صبغة تعاقدية صارمة على شكل العمل، وتحديد ساعات عمل يومية وإجازات أسبوعية ومهمات محددة تعاقدياً، لكن لا يبدو أن مراقبة تطبيق ذلك أمر ممكن، على الرغم من تعهد الوزارة بفعل ذلك، إذ يبقى الرهان على صاحب العمل ومدى رغبته في التطبيق.
كورونا بعثر القطاع
أمل هي واحدة من عاملات المنازل في مصر المتضررات من الوضع الحالي في العام الأخير، وتقول "أعمل في هذا المجال منذ أكثر من 10 سنوات وهو عمل شاق ومرهق، لكن منذ قرابة عام مع اشتداد فيروس كورونا استغنى كثير من الناس الذين كنت أتردد عليهم عن خدماتي لخوفهم من الاختلاط وشكل ذلك أزمةً مادية كبيرة لي". وتعيش أمل اليوم على ما يعطيه لها أرباب عملها السابقون كتعويض عن صعوبة المرحلة. وتتنوع أسباب حاجة الأسر المصرية إلى العمالة المنزلية على اختلاف أشكالها، إلا أن الأساسية منها غالباً ما تنحصر في القيام بمهمات المنزل المعتادة مثل التنظيف والطهي أو رعاية الأطفال أو المسنين، بينما يعمد بعض الأسر إلى توظيف سائق خاص، في حال وجود أطفال أو أشخاص لا يستطيعون القيادة.
تختلف جنسيات عاملات المنازل، ما بين المصريات والأجنبيات، وإن كانت غالبيتهن من دول أفريقيا، أو جنوب شرقي آسيا، إذ تفضل بعض العائلات أحياناً الأخيرة، كشكل من أشكال التميز والوجاهة الاجتماعية إضافة إلى المهمات التي ستقوم بها.
وتتفاوت الأجور التي تحصل عليها عاملات المنازل، ففي المتوسط تحصل المصريات على أجر يومي يتراوح بين 200 (حوالى 13 دولاراً) و400 جنيه مصري (حوالى 25 دولاراً)، بحسب حجم المنزل وعدد غرفه، أما في حال تعاملها مع العائلة بنظام شهري، فيتراوح دخلها بين 2500 إلى 4000 جنيه (155 - 250 دولاراً)، ويحدد ذلك عدد ساعات العمل والمهمات ومستوى تعليم العاملة.
وبالنسبة إلى الأجنبيات تتفاوت الرواتب، فالفيليبينيات والإندونيسيات هن الأعلى أجراً في مصر، حيث يصل راتبهن إلى 600 دولار شهرياً (حوالى 10000 جنيه)، بينما يصل راتب الأفريقيات من دول مثل نيجيريا وإثيوبيا إلى 300 دولار شهرياً (حوالى 5000 جنيه مصري).
عنف ومشكلات
في ظل غياب أي مظلة تعمل في إطارها هذه الفئة وعدم وجود شكل تعاقدي للعلاقة بين الطرفين، تظهر مشكلات عدة، في مقدمتها معاناة بعض العاملات من سوء المعاملة أو العنف والانتهاك الجسدي.
وبين حين وآخر، تظهر بعض القضايا والحوادث المتعلقة بتعرّض إحدى العاملات في المنازل لشكل من أشكال العنف أو الانتهاك، وفي بعض الأحيان يتحوّل الأمر إلى قضية ويتم معاقبة الطرف المدان. بالتوازي مع مثل هذه الأحداث، تثار قضية المطالبة بتقنين أوضاعهن ووضع ضوابط للعلاقة بين مقدم الخدمة والحاصل عليها، ليسفر الأمر عن لا شيء حتى الآن.
واقع اقتصادي متأزم
أما في السعودية فالمشكلة لم تتغير بعد كورونا أو قبله، بالنسبة إلى الدول التي تملك عمالة فيها من 17 جنسية، تتمثل في الفلبين، والنيجر، والهند، وباكستان، وبنجلاديش، وسريلانكا، وفيتنام، وموريتانيا، وأوغندا، وأرتيريا، ومدغشقر، وأذربيجان، وأزباكستان، وكمبوديا، وبورندي، ومالي، وكينيا.
إذ انتقدت هيئة حقوق الإنسان السعودية، أوضاع هذه الجنسيات في الدولة الخليجية، التي يعاني بعض العمال فيها بحسب الهيئة من "الإساءات والاستغلال، والتي ترقى أحياناً إلى مرتبة العمل الجبري، ويصادر بعض أرباب العمل جوازات السفر، وحجب الأجور، وإجبار العمالة على العمل ضد إرادتهم".
ورغم سعي الرياض إلى إصلاح وضع هذه العمالة، عبر إلغاء نظام الكفالة وما يترتب عليه من تطوير آلية الدخول والخروج والتنقل الوظيفي، إلا أن الصورة بخصوص هذه الشريحة مع أصحاب العمل لا تزال غير واضحة.