Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرة البطريرك الراعي بين التريث الدولي و"الفيتو المعنوي"

قطار العمل على تنفيذ مبادرة الراعي انطلق على الرغم من اكتفاء المواقف الدولية بمجرد التأييد

الراعي مخاطباً الجماهير التي حضرت إلى بكركي لتأييد مواقفه يوم السبت 27 فبراير الماضي (صفحة البطريركية المارونية)

لا تزال أصداء خطاب البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي تتردد في أروقة المقرات السياسية والدبلوماسية والحزبية. كثيرون قالوا إن ما قبل "سبت بكركي" (مقر البطريركية المارونية في جبل لبنان) في27 فبراير (شباط) ليس كما بعده، لكن السؤال الرئيس هو، هل سيُترجَم كلام الراعي إلى أفعال؟ وهل يتحول مطلبَي الحياد والمؤتمر الدولي إلى واقع على الأرض أم سيكون الكلام عنهما للتاريخ فقط، على قاعدة "اللهم إني بلغت". هذه التساؤلات تفرضها أيضاً مواقف حزب الله التي انهالت على المبادرة نقداً ورفضاً واستنكاراً من جهات مسؤولة فيه، حتى أن أمينه العام حسن نصرالله قال "لا أحد يمزح بهذا الموضوع، هذا موضوع أكبر بكثير من السجالات السياسية ذات الطابع المحلي"، مشدداً على رفض "أي شكل من أشكال التدويل ونراه خطر على لبنان ومستقبله". وعبارة "لا أحد يمزح" أثارت ردوداً صاخبة من مؤيدي مبادرة الراعي بين السياسيين والأوساط الشعبية.

المسيرة طويلة لكنها بدأت

من الواضح أن مبادرة البطريرك الراعي ليست قراراً يمكن تنفيذه أو تطبيقه بسرعة فور اتخاذه، إذ بحسب مقربين من بكركي، فإن المبادرة البطريركية هي مسيرة مستمرة وتحتاج إلى وقت لتنفيذها، وقد وضعت خريطة طريق اتُفق عليها ويُعمل على إدراجها في حيز التنفيذ من ضمن ورشة داخلية وخارجية مواكبة. هل يعني ذلك أن الأمور لن تتحقق بسرعة؟ ترد المصادر المطلعة على مواقف البطريرك الماروني مستشهدةً بمعركة الاستقلال الثاني التي خاضها البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير، مذكرةً بأن "نداء بكركي" في عام 2000 الذي طالب بخروج الجيش السوري من لبنان لم يتحقق إلا عام 2005، أي بعد خمس سنوات على نداء المطارنة الموارنة. مسيرة الراعي الإنقاذية التي بدأت في الخامس من يوليو (تموز) 2020، عندما أطلق من المقر البطريركي الصيفي في الديمان (شمال لبنان) الدعوة إلى الحياد، مناشداً الدول العربية والصديقة تحرير الشرعية اللبنانية، واستكملها في السابع من فبراير الماضي، بمطلب المؤتمر الدولي، هذه المسيرة ستحتاج إلى وقت لتنفيذها، لكن المهم وفق المصادر، هو أنها "انطلقت ولا يمكن لعقارب الساعة أن تعود إلى الوراء".

هل من دعم دولي لطرح البطريرك؟

منذ أن أطلق البطريرك الراعي في عظته الشهيرة في يوليو الفائت الدعوة إلى حياد لبنان الإيجابي، تعاطت معظم الدول الفاعلة مع طرحه بإيجابية واكتفت بتأييده من دون تبنيه. ولاحقاً عندما أطلق فكرة المؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان المنهار، طرح كثيرون سؤالاً عن قدرة البطريرك على تطبيق هذه الفكرة التي يحتاج تنفيذها إلى طلب صادر من إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أميركا وفرنسا وروسيا والصين وبريطانيا، أو إلى طلب الأمين العام للأمم المتحدة أو مجموعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أو من دولة عربية أو مجموعة الدول العربية. فهل هناك أي دولة من الخمس الدائمة العضوية مستعدة لتبني طرح المؤتمر الدولي الخاص بلبنان؟ وهل الظرف الدولي مؤات لمؤتمر مماثل؟
تكشف مصادر مطلعة أن الراعي ينسق مع الفاتيكان ويعتمد على دبلوماسيتها الخارجية في إقناع الدول الفاعلة على تنفيذ مبادرته. وتراهن المصادر على العلاقة المتوقع أن تتطور إيجاباً بين الفاتيكان والولايات المتحدة في ظل الرئيس جو بايدن، الكاثوليكي الملتزم. علماً أن البابا فرنسيس وبالتزامن مع إعلان البطريرك الراعي مطلب المؤتمر الدولي، كان حذراً في لقائه السنوي مع الدبلوماسيين المعتمدين في الفاتيكان من خطر إضعاف المكون المسيحي على التوازن الداخلي في لبنان، وتمنى أن "يشهد لبنان التزاماً سياسياً وطنياً ودولياً، يسهم في تعزيز الاستقرار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أميركا تتريث وفرنسا تؤيد ولكن

في هذه الأثناء، تتريث معظم الدول وفي طليعتها الولايات المتحدة في اتخاذ موقف معلن من مطلب المؤتمر الدولي، في حين تعتبر مصادر سياسية أن أي دعم دولي يجب أن يسبقه إجماع داخلي وطني، يمكن على أساسه أن يأتي لاحقاً الدعم الدولي. وتُعد تظاهرة السبت في بكركي والالتفاف الشعبي المتنوع حول طروحات الراعي، باكورة تأييد الأغلبية في لبنان لما يطالب به سيد بكركي.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية" أن "الإدارة الأميركية تحتاج إلى بعض الأجوبة المحددة عن أسئلة تطرحها حول مبادرة الراعي قبل اتخاذ موقف نهائي منها. إذ يعتبرون أن الراعي طرح عناوين كبيرة مثل الحياد والمؤتمر الدولي ويسألون عن الآلية المقترحة لتنفيذ الحياد وكيف؟ وهل من اتصالات يجريها البطريرك مع دول محددة لتأمين مطلب المؤتمر الدولي؟". وتكشف المصادر أن الولايات المتحدة ليست في صدد اتخاذ مبادرة حالياً في هذا الخصوص، بأن تكون هي الداعي لعقد مؤتمر من أجل لبنان، لكنها تسأل عن التفاصيل لتحديد موقفها بالتأييد على الأقل.
فرنسياً، لا تبدو الصورة مختلفة عن الأجواء الاميركية، وتكشف مصادر مقربة من قصر الإيليزيه أن باريس تؤيد مضمون خطاب البطريرك الراعي بكامله، إلا أنها تعتبر أن الأولوية اليوم ليست لمؤتمر دولي، بل لتشكيل حكومة فاعلة وقادرة على إنقاذ البلد، حتى يُصار بعدها إلى الالتفات للعناوين المهمة التي تحدث عنها البطريرك الراعي. لكن الفرنسيين يعتبرون أيضاً أن لا حاجة إلى عقد مؤتمر دولي جديد من أجل لبنان، في ظل وجود مجموعة الدعم الدولية الخاصة به التي تجتمع دورياً وتذكّر في كل بياناتها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 والسلاح غير الشرعي ومكافحة الفساد، مذكرةً أيضاً بالقرار الدولي رقم 1701 الذي طالب الحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة بالانتشار معاً في الجنوب وبسط سيطرة الدولة على كل الأراضي اللبنانية وفقاً للقرارات السابقة ومن بينها القرار 1559، الذي نص بدوره على ألا تكون هناك أي أسلحة أو إمدادات بالأسلحة والمعدات، من دون إذن الحكومة ومنع استيراد كل ما يتعلق بتصنيع أو صيانة أو استخدام الأسلحة والذخائر.
وتشرح المصادر المقربة من الإيليزيه أن "إعلان بعبدا" الذي انبثق عن طاولة حوار لبنانية شاركت فيها كل القوى السياسية برعاية جامعة الدول العربية، هو أيضاً مسجل لدى مجلس الأمن كوثيقة معترَف بها دولياً.
وقد نص "إعلان بعبدا" (بعبدا هي المنطقة التي تضم القصر الجمهوري) على تنفيذ القرارات الدولية لا سيما القرار 1701 واتفاق الطائف، ونص على تحييد لبنان وضبط الحدود اللبنانية - السورية ومنع تهريب السلاح والمسلحين وضرورة إقرار استراتيجية دفاعية. والمطلوب بحسب الفرنسيين هو تنفيذ كل هذه القرارات الدولية التي تترجم في مضمونها ما يطالب به الراعي، قبل الذهاب إلى قرارات دولية جديدة.   

بكركي عادت إلى امتلاك الفيتو المعنوي  

وبانتظار أن تتبلور صورة المواقف الدولية والعربية من طرحَي الحياد والمؤتمر الدولي، تعتبر مصادر سياسية أن ما حدث السبت في بكركي شكل نقطةً مفصلية بغض النظر عن تحقيق المطالب التي رُفعت أم لا.
ولم يعد مهماً الحديث بعد السبت عن إمكانية حصول المؤتمر الدولي أم لا، بقدر ما بات الأهم هو عودة الصرح البطريركي إلى دوره المعنوي اللبناني. فمفاعيل التأييد الشعبي الذي لقيه الراعي، ستشمل كل مفاصل اللعبة السياسية الداخلية، وسيصعب على أي فريق سياسي بعد اليوم اتخاذ مبادرة من دون موافقة بكركي. كل القوى الداخلية ستراجع حساباتها ومن بينها "حزب الله" الذي بات يدرك أن الغطاء المسيحي لم يعد في "ميرنا الشالوحي" (مقر التيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية ميشال عون) بل في الصرح البطريركي، فالراعي بات يمتلك "فيتو" معنوياً هو أقوى بمفاعيله من أي فيتو سياسي. من هنا كان قرار "الحزب" إعادة إحياء لجنة التواصل مع بكركي التي علقت اجتماعاتها سابقاً بعد زيارة الراعي إلى القدس، ولم تلتئم بعد تلك الزيارة إلا نادراً، وظلت اللقاءات متوقفة لأكثر من 5 أشهر. علماً أن التعويل على لجنة التواصل مستبعد في ظل استحالة الوصول إلى قواسم مشتركة حاولت اللجنة العمل عليها منذ إنشائها حول مفهوم الدولة ومسألة السلاح.
وكان الراعي استبق عودة لجنة التواصل مع الحزب بالتأكيد على ضرورة أن يكون قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبنانية وليس في يد "حزب الله"، داعياً إلى الاتفاق على استراتيجية دفاعية وضم سلاح الحزب إلى الجيش البناني.

المزيد من العالم العربي