Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متجر فرنسي يتفوق في مكافحة هدر الطعام على كامل القطاع في المملكة المتحدة

نجاحه المخطط يبرز قصور بريطانيا في التصدي لتلك الظاهرة

تفوّقت متاجر كارفور على تبرعات المتاجر العشرة الكبرى في المملكة المتحدة بأكثر من 6 آلاف طن (أ ف ب)

كيف يقارن أداء المملكة المتحدة مع بقية الدول الأوروبية في مجال إعادة توزيع فائض الطعام على الجمعيات الخيرية، ووضعه في خدمة الاستهلاك البشري؟

تُظهر آخر البيانات أنه فيما تُعتبر كمية الـ24242 طناً التي أعيد توزيعها على الجمعيات الخيرية من المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة أفضل مما كانت عليه قبل أربع سنوات، لكنها ضئيلة بالمقارنة بفرنسا وإسبانيا وإيطاليا التي تفوقت على بريطانيا في مجال تبرعات فائض الطعام، بحوالي أربعة أو خمسة أضعاف.

وكذلك تبيّن البيانات المأخوذة من سلسلة متاجر "كارفور" (للتجزية)، ثاني أكبر مجموعة متاجر كبرى في فرنسا وتبلغ حصتها من السوق 20 في المئة، أنها تبرّعت في العام 2020 بـ30371 طناً من الطعام الذي جمعته متاجرها في فرنسا، ما يعادل 72 مليون وجبة. وبذا، يكون متجر فرنسي كبير واحد فاق بتبرعاته مجموع تبرعات المتاجر العشرة الكبرى في المملكة المتحدة بأكثر من 6 آلاف طن.

لماذا يعتبر أداء فرنسا، هذا البلد الذي يعادل حجم سوق الأغذية بالتجزئة فيه سوق المملكة المتحدة تقريباً، أفضل بكثير من الأخيرة؟ إن الإجابة مهمة لسببين كبيرين هما البيئة والفقر الغذائي. إذ يعادل كل ألف طن من الطعام يعاد توزيعه، حوالي 2.4 مليون وجبة. ويزيد فائض الطعام المهدور الضغط بلا رحمة، على الأراضي والموارد المائية.

ولأن قطاع الأغذية مسؤول عن ثلث انبعاثات "غازات الدفيئة" [المتصلة بظاهرة الاحتباس الحراري]، يؤدي هدر الغذاء عالمياً إلى انبعاث 3.3 غيغاطن من غازات الدفيئة سنوياً.

لو شكّل هدر الطعام دولة ما، لحلت (هذه الدولة) في المرتبة الثالثة كأكبر مصدر تلوّث في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. إذ يحتل الطعام المنتج وغير المُستهلك حوالى 30 في المئة من كل الأراضي الزراعية عالمياً، ما يؤدي إلى قطع الأشجار من أكبر غابات العالم، بما في ذلك في الأمازون وحوض الكونغو. وفي المحصّلة، تُزال الغابات من 13 مليون هكتار من الأراضي سنوياً بسبب قطاع الغذاء. وثمة أسباب متجذرة تتصل بظاهرة هدر الطعام من بينها الإنتاج الزائد وسوء إدارة المخزون وسوء التوفيق بين العرض والطلب.

ومن جهة أخرى في المملكة المتحدة، ما زال الالتزام بأهداف تقليص هدر الطعام والتبرّع بالفائض من الطعام أمراً طوعياً كلياً. وقد اختارت الحكومة عدم التدخّل وسمحت للمتاجر الكبرى ومصنّعي الغذاء أن ينظموا أنفسهم.

في المقابل، تحصل المتاجر الكبرى في دول أوروبية كإيطاليا على حوافز إيجابية تتخذ شكل إعفاءات ضريبية بهدف زيادة حجم تبرعاتها وتقليص الهدر.

من جهة مقابلة في فرنسا، يُستخدم الأسلوبان، [ما يشكّل] خليطاً من الجزرة والعصا. إذ تُكافئ التبرعات بإعفاءات ضريبية سخيّة من جهة، وتُسنّ تشريعات تجعل لجوء المتاجر الكبرى إلى رمي فائض الطعام أمراً غير قانوني، مع فرض غرامات كبيرة عليها في حال عدم التزامها بهذه القوانين. عُمم هذا القانون الفرنسي الثوري في 2016، وغيّر عبء إعادة توزيع الطعام الفائض في ليلة وضحاها تقريباً. وكذلك دفع المتاجر الفرنسية الكبرى إلى وضع أنظمة فعلية وتشكيل شراكات هدفها التبرع بالطعام مع جهات تتولى إعادة توزيعه، إضافة إلى بنوك الطعام والجمعيات الخيرية. ومنذ ذلك الوقت، زادت تبرعات الطعام زيادة هائلة.

هل يجب أن تحذو الحكومة البريطانية حذوهم؟ وإذا فعلت ذلك، وازدادت التبرعات تالياً، هل سيكون لدى المسؤولين عن إعادة توزيع الطعام القدرة على التعامل مع تلك الكميات الإضافية الهائلة؟

يبدو أن الإجابة عن السؤال الثاني هي "نعم" مدوّية. إذ بيّنت ليندزي بوزويل، الرئيسة التنفيذية لمنظمة "فير شير" FareShare، أكبر هيئة لإعادة توزيع الطعام في المملكة المتحدة، إن أداء المنظمة أثناء الجائحة بيّن السرعة التي يمكنها أن تزيد نشاطها بها. "منذ بداية الجائحة، وبين ليلة وضحاها تقريباً، زدنا كمية الطعام التي أعدنا توزيعها في المملكة المتحدة منذ مارس (آذار) العام الماضي بأكثر من الضعفين، كي تصبح أكثر من مليوني وجبة أسبوعياً. ووزّعنا في ذروة الأزمة أكثر من 3 ملايين وجبة (أسبوعيا). لدينا بنية تحتية متينة وقدرة أكثر من قبل بكثير، ونحن جاهزون للعمل فوراً مع قطاع الأغذية للحرص على عدم هدر أي طعام جيّد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى نحو مماثل، يبرز "مشروع فيلكس"، أكبر موزع لفائض الطعام في لندن وشريك حملة "أعينوا الفقراء" التي تنهض بها "اندبندنت" منذ 2020. وقد ضاعف المشروع إنتاجه أكثر من ثلاث مرات. ووفق الرئيس التنفيذي للمشروع، مارك كوتين، "لقد وزّع "مشروع فيلكس" 2700 طن في 2019 وزهاء 8 آلاف طن في 2020 ونحن نتوقع 14 ألف طن في 2021، أي زيادة بقدر خمسة أضعاف خلال سنتين". وقد زادت جمعية "فيلكس" قدراتها عبر إضافة مستودعات جديدة، واستلام مركز "فير شير" في لندن والعمل ستة أيام أسبوعياً.

وفي المقابل، بينما شكل تجار التجزئة والمصنعين مصدر مخزون "فيلكس" من كمية الطعام الزائدة، اشترت الجمعية معظم الطعام الذي أعادت "فير شير" توزيعه خلال الجائحة، باستخدام منحة حكومية بـ10.5 مليون جنيه إسترليني (حوالي 15 مليون دولار أميركي). لو كان التبرع بالطعام الفائض إجبارياً كالحال في فرنسا، أو تحفّزه الإعفاءات الضريبية على غرار إيطاليا، لكان لدى "فير شير" مخزوناً كافياً من الطعام الفائض من دون أن تحتاج الحكومة إلى هدر مزيد من المال بهدف شرائه.

بكلمات أخرى، بموجب مبدأ تشارك العبء القائل إن "المُلوِّث يدفع"، هل يفترض بالحكومة إرغام شركات توريد الأغذية على التبرع بما لديها من فائض طعام، مع فرض غرامات بهدف ضمان الالتزام؟

منذ خمس سنوات، رحّبت "فير شير" بالقانون الثوري الجديد في فرنسا وتكلمت عنه باعتباره يشكل الطريق إلى الأمام، لكن الاحتمال أقل اليوم بأن تعضّ يد القطاع الذي يُطعمها، ما يعني إنها أكثر حذراً. وحاضراً، تميل "فير شير" إلى القول، أقلّه في العلن، إنّ المقاربة الطوعية أكثر فعالية.

وفي سياق مواز، تقرّ الجمعية الخيرية "راب" Wrap المعنية بالاستدامة إن "العلاقات الطيبة" بين المتاجر الكبرى وهيئات إعادة توزيع الطعام في المملكة المتحدة تُعزى إلى هذا التدبير الطوعي، وتشكّل بديلاً من المقاربة التأنيبية "القاسية" التي يتبعها الفرنسيون. في المقابل، تحظى "راب" بتمويل من الحكومة، وتالياً فإنها ليست فعلياً في موقع طرح انتقاد صريح لأداء الحكومة.

في مقلب مغاير، اكتشفت "اندبندنت" في الكواليس وجود إحباط كبير بين مختلف الجمعيات الخيرية المعنية بإعادة توزيع الطعام إزاء المقاربة "المحايدة" التي تتبعها "وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية" Defra environment, food and rural affairs، مع الاعتراف بأن المتاجر الكبرى "تستطيع، بل يتوجّب عليها، أن تبذل جهداً أكبر بكثير".

في زاوية مقابلة، اعتبر وزير البيئة والأغذية والشؤون الريفية في حكومة الظل العمالية، دانيال زايشنر كمية الطعام المهدورة في المملكة المتحدة "صادمة"، ودعا إلى أن تقترح "استراتيجية الغذاء (الحكومية) المنتظرة منذ زمن طويل، عملاً حقيقياً يهدف إلى التصدي للهدر". وقد شكك في فعالية النظام التطوعي الحالي مشيراً إلى إنه "على الوزراء النظر إلى الطريقة التي تُبلِّغ فيها الدول الأخرى عن الفائض والهدر، لأن ما نفعله لا ينجح، بكل وضوح". وأضاف أنهم [الوزراء] إذا راجعوا النظامين الفرنسي والإيطالي فلسوف يكون لديهم "مزيد من الأشياء لقولها عن هذا الشأن" في المستقبل القريب.

في سياق مماثل، ذكر بول موروز وهو من كبار العاملين على تنظيم حملات التشجير والحفاظ على الغابات في منظمة "السلام الأخضر" ["غرينبيس" Green Peace المدافعة عن البيئة]، إنه "لا يمكننا حلّ أزمة المناخ أو الطبيعة من دون تغيير نظامنا الغذائي كلياً كي يصبح أكثر فعالية، واستدامة وعدلاً. لن يكفي الترقيع. نحن بحاجة للتنظيم والقوانين للحد من هدر الطعام".

 

 

وبطريقة مشابهة، ذكرت مسؤولة الحملات الغذائية في منظمة "أصدقاء الأرض" Friends of the Earth، إنه "كانت هناك مشكلة على كل مستويات سلسلة الإمداد، استمرت فترة طويلة جداً. إذا حلّينا هذا الأمر، سوف نحول دون حصول أكبر قدر ممكن من الهدر، ما يؤدي إلى تحويل فائض الغذاء القابل للاستهلاك إلى الجمعيات الخيرية التي تعمل على إعادة توزيعه. لم تنجح المبادرات التطوعية".

من جهة أخرى، في غياب تحرك الدولة، ما هي الخطوات التي على المتاجر البريطانية الكبرى القيام بها لرفع مستوى تبرعاتها الغذائية؟

لقد تناول ذلك الشأن السيد بوزويل من "فود شير"، مشيراً إلى إنه "أولاً، نحن بحاجة إلى أن تعمل مراكز توزيع البضائع بالتجزئة على تحديد الغذاء الفائض قبل وضعه على رفوف المتاجر الكبرى، ثم تحوّله إلى مستودعاتنا. وثانياً، تستخدم خدمة إعادة توزيع الغذاء الفائض داخل المتاجر، تُسمّى "فيرشير غو" التكنولوجيا كي تتيح للمتاجر الكبرى أن تراسل الجمعيات الخيرية وتتابع كميات الطعام الفائض. إن شركات "تيسكو" و"آزدا" و"ويتروز" كلها متاجر شريكة في "فيرشير غو". ويعتبر طعام المتاجر المعروض من أصعب الأغذية لجهة إعادة التوزيع بسبب قصر مدى صلاحيته".

وكذلك أعرب السيد كورتين من "مشروع فيلكس" عن تأييده وجوب بذل مزيد من العمل على المستويات الأعلى. وبحسب كلماته، "تتمثّل الخلاصة في أنه يمكننا أن نحصل على كمية أكبر بكثير من الطعام. وكي يحصل ذلك، يجب أن يضعنا كبار مورّدي الغذاء ضمن سلسلة لوجستيات الغذاء التي يطبقونها لئلا نكون موضوعاً ثانوياً. نحن نحتاج إلى أن يحددوا الطعام الفائض في وقت أبكر بكثير، لأن ذلك يعطينا وقتاً من أجل إيصال الطعام إلى عدد متزايد من الناس الذين يحتاجونه".

في ذلك الملمح، لم تكن الحاجة يوماً أكثر إلحاحاً. إذ تفيد 90 في المئة من الجمعيات الخيرية التي تزوّدها "فير شير" بالطعام إن الطلب على الغذاء من الجوعى "إما سيبقى على المستوى عينه الذي سجّله أثناء أزمة الجائحة الفيروسية، أو سيزيد خلال الأشهر المقبلة". وأضاف السيد بوزويل "من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى، أن يتعاون تجار التجزئة وسلاسل الإمدادات مع هيئات إعادة توزيع الغذاء، بهدف الحرص على وصول فائض أغذيتهم إلى من هم بحاجة ماسّة إليه".

© The Independent

المزيد من بيئة