بعد نصف قرن من مسيرة فنية مظفرة حصد خلالها جوائز عدة، يواجه الممثل الكوميدي والكاتب التركي الشهير موجدت غيزان الذي رشّح كسفير للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، عقوبة السجن بتهمة "إهانة" الرئيس رجب طيب أردوغان.
قد يكون هذا المسرحي البالغ من العمر 77 سنة، أحدث ضحية للمعركة التي شنها الرئيس التركي ضد من يسمّيهم "الفنانين المزعومين". وقال غيزان ممازحاً في مقابلة هاتفية مع وكالة الصحافة الفرنسية، "مُنع ورود اسمي في الكلمات المتقاطعة".
ويلاحق الممثل الكوميدي قضائياً مع زميله متين أكبينار، البالغ من العمر 79 سنة، بسبب تعليقات أدليا بها خلال برنامج تلفزيوني على قناة "هالك تي في" المعارضة. وقال غيزان وقتها "لا يمكنك يا رجب طيب أردوغان أن تختبر وطنيتنا. إعرف حدودك".
لكن أكبينار ذهب إلى أبعد من ذلك، قائلاً "إذا فشلنا في تحقيق الديمقراطية، قد ينتهي الأمر بالزعيم معلّقاً من قدميه أو مسمماً في قبو كما حدث في كل الأنظمة الفاشية".
وأثارت تلك التعليقات استياء أردوغان الذي يتهمه المدافعون عن حقوق الإنسان بالنزعة الاستبدادية، خصوصاً منذ محاولة الانقلاب عليه عام 2016. وطالب المدعي العام بعقوبة تصل إلى أربع سنوات وثمانية أشهر في السجن للممثلين الكوميديين.
في السنوات الأخيرة، تمت إدانة أو محاكمة آلاف الأشخاص من خلفيات متنوعة ومن بينهم ملكة جمال تركية سابقة وتلاميذ ثانويين بتهمة "إهانة رئيس الدولة".
وهدد أردوغان مراراً منتقديه بأنه سيجعلهم "يدفعون الثمن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في اليوم التالي لتلك التصريحات، ذهبت الشرطة إلى منزل غيزان لإحضاره إلى مكتب المدعي العام. وأعادت رؤية الشرطة على عتبة منزله ذكريات سيئة لهذا الممثل الذي أمضى 20 يوماً في السجن بعد الانقلاب العسكري عام 1980 في تركيا.
كذلك، تم حظر كتابه عن ناظم حكمت، الشاعر الشيوعي الذي توفي بالمنفى في موسكو عام 1963 وما زال يعتبر أحد أعظم الأسماء في الشعر التركي، بعد الانقلاب.
وروى غيزان "تم تكبيل يدَيّ لأخذي إلى السجن مع نحو خمسين مجرماً، بينهم قتلة ومهربون".
وعلى الرغم من الإجراءات القانونية الجارية بحقه، يواصل الممثل الكوميدي التعبير عن مخاوفه بشأن الاتجاه الذي تتّخذه بلاده في عهد أردوغان، إذ أشار إلى أن لدى تركيا "عدداً قياسياً من الصحافيين في السجون. وهذا أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد".
وأوضح غيزان، الذي ألّف أكثر من 50 كتاباً، وأسس مركزاً ثقافياً في إسطنبول، أنه "انتقد أو سخر من سياسيين بحضورهم" لعقود من دون خوف أو قلق، وقد أكسبه ذلك شعبيته وتصميمه، وترشيحه سفيراً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) للنوايا الحسنة عام 2007، لكنه اليوم يخشى اختفاء التقاليد العريقة للفنانين النقديين في تركيا.
وهو يأسف خصوصاً لرؤية تزايد الرقابة الذاتية بين الفنانين الذين يفضلون البقاء "غير مسيّسين"، معرباً عن اعتقاده بأن "الفن بطبيعته هو معارضة، وليس من مسؤولية الرئيس أن يحدد سلوك الفنانين".
لكن كان عليه هو أيضاً أن يتكيّف مع ذلك: فالآن، أصبح محاموه يعيدون قراءة نصوصه قبل نشرها لتجنّب المزيد من الإجراءات القانونية. وعلى الرغم من كل ذلك، ما زال غيزان متفائلاً بشأن مستقبل تركيا. وقد شبّه بلده بسفينة في نهاية رحلة منهكة، مؤكداً اقتناعه بأن "يوماً ما، سيتمكّن شخص ما من الصراخ والوصول إلى اليابسة".