ألقى الرئيس التونسي قيس سعيد خطاباً منذ أيام، تطرق فيه إلى استعانة سياسيين تونسيين بسفارات أجنبية بغرض دفعها إلى التدخل في الأزمة السياسية الداخلية، ما أعاد مسألة علاقة الأحزاب بجهات أجنبية إلى واجهة المشهد السياسي التونسي.
وقال قيس سعيد، "أعلم علم اليقين أن ما يحصل هذه الأيام من دعوة ممثلي بعض الدول الأجنبية من قبل جهات في تونس للاستنجاد بها"، مضيفاً "نحن وطن حر مستقل، قضيتنا وطنية ولا دخل لأي طرف أجنبي فيها"، وذلك على خلفية الأزمة السياسية ورفضه أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه.
وكان سفير تركيا لدى تونس رفيق علي أونانير، قام يوم الجمعة 5 فبراير (شباط) الحالي بزيارة مجاملة إلى المديرة العامة للخطوط الجوية التونسية، المقالة حديثاً، ألفة الحامدي، التي زارت في الأسبوع ذاته منزل السفير الأميركي في البلاد.
وعلقت على هذه الزيارة عبر صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، "سعدت بلقاء سعادة سفير الولايات المتحدة الأميركية بتونس للحديث عن أهمية الخطوط التونسية وعلاقتها بالاقتصاد التونسي ومستقبل تونس الاقتصادي. وتناول اللقاء مجموعة مواضيع منها إمكان فتح خط بين تونس وأميركا وإمكان تمويل وزارة التجارة الأميركية لدراسات حول مجموعة من المشاريع الجديدة الخاصة بمجمّع الخطوط التونسية".
ورأى مراقبون في تلك الزيارات سعياً من المسؤولة التونسية السابقة إلى التفريط في الناقلة الجوية التونسية. كما أثارت تحركاتها شكوكاً عدة حول علاقتها بجهات سياسية تسعى إلى تطبيق تلك المخططات، إذ ليس من تقاليد المديرين العامين للناقلة الوطنية أو لمؤسسات حكومية أخرى الالتقاء بسياسيين بمَن فيهم السفراء أو القناصل إلا بعلم وزارة الشؤون الخارجية التونسية.
"اندبندنت عربية"، تسعى للحصول على تعليق من الحامدي ولم تتلق رداً منها حتى الآن.
التدخل في الشأن التونسي
ولاحظ مراقبون أنه بعد الثورة التونسية في عام 2011 أصبحت علاقة الأحزاب والشخصيات السياسية وحتى المسؤولين الرسميين في تونس، بالسفارات الأجنبية أكثر انفتاحاً، وبات انفلاتاً في ظل غياب المراقبة والمحاسبة.
وأعاد تقرير محكمة المحاسبات في تونس حول الانتخابات التشريعية والرئاسية للعام 2019 الجدل حول تهديد المال السياسي والتمويل الأجنبي الذي تتلقاه الأحزاب، للمسار الديمقراطي ونزاهة الانتخابات، وسط مخاوف من تأثير تدخلات جهات خارجية في المشهد السياسي التونسي.
واعتبر مهتمون بالشأن السياسي التونسي أن "الهرولة إلى السفارات الأجنبية تشكل دليلاً على رهان بعض السياسيين على الدعم الخارجي للتموقع في الحياة السياسية، أكثر من مراهنتهم على أدائهم وبرامجهم ومشاريعهم ومناصرة الشعب لهم، مستفيدين من اقتناص بعض البلدان الفرصة للتدخل في الشأن التونسي ومحاولة إدارته أو الإستفادة من المعلومات، بناء على مصالحها الاستراتيجية لا في تونس فقط، وإنما في المنطقة بصورة عامة".
وحذّر سياسيون تونسيون كثيراً من خطورة الارتهان لأية أجندة سياسية خارجية مبنية على سياسة المحاور الإقليمية والدولية"، مشددين على أن "تونس انتهجت دائماً دبلوماسية متوازنة تعتمد الحياد تجاه البلدان العربية الشقيقة أو البلدان الغربية الصديقة، مما ساعدها في الحفاظ على سيادتها واستقلالية قرارها تجاه مختلف القضايا".
وسبق أن أعلن الرئيس السابق لـ "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد"، شوقي الطبيب، أن "الانتقال الديمقراطي في تونس بات مهدداً"، مشيراً إلى أن "الهيئة لاحظت انحرافات عدة على مستوى اصطفاف بعض الأحزاب خلف جهات أجنبية أو تحرك بعض السفارات الخارجية للتأثير في الحياة السياسية التونسية".
السؤال بحسب الحاجة
في السياق، وصف الديبلوماسي السابق عبدالله العبيدي علاقة السفارات بأطراف سياسية تونسية "بالماء الذي يجب حصره في قنوات حتى لا ينساب ويستحيل التحكم فيه". وأضاف أنه "بحسب توصيف خبراء الاستخبارات في العالم فإن السؤال والتنقل يجب أن يكون بحسب الحاجة"، وبالتالي يشكل ذلك أساس تنظيم العلاقات الديبلوماسية.
وبخصوص موقفه من علاقة المديرة العامة لإحدى المؤسسات الحكومية بسفارات أجنبية، قال العبيدي، "لا علاقة للدبلوماسيين الأجانب بالمسائل التقنية التي تخص المؤسسات التونسية، ما يهمهم بالتحديد هي ملفات تهم مصالحهم السياسية ومهمتهم جمع المعلومات وإرسالها إلى دولهم" مضيفاً أن "أية معلومة يقدمها مسؤول تونسي ويعتقد أن لا قيمة لها، فهي عند البعثات الديبلوماسية مهمة وربما تكون مهمة جداً".
وتابع العبيدي أنه "بحسب النواميس الديبلوماسية التونسية التي تنظم علاقتنا بهذه الهياكل الأجنبية، فأي سفير أجنبي يرغب في أداء زيارة أو مقابلة مسؤول تونسي يجب عليه أن يراسل وزارة الخارجية ويفسّر بدقة سبب الزيارة. طبعاً هذا قبل الثورة، لكن اليوم للأسف تم تفكيك الدولة، وأسهمت موجة التفكيك تلك والمتمثلة بعزل 42 مديراً عاماً في وزارة الداخلية وتصنيفهم كبوليس سياسي، وتفكيك فرقة التخابر وفرقة البعثات الدبلوماسية الأخرى في العالم، في انفلات الأمور وجعل تونس مرتعاً لبعض أجهزة الاستخبارات"، موضحاً "أصبحت تونس اليوم مخترقة ومرتعاً لأجهزة الإستخبارات الأجنبية التي تتحرك في تونس من دون حسيب ولا رقيب، في اختراق واضح لسيادة الدولة التونسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منشور حكومي
وبهدف تنظيم العلاقات بين البعثات الدبلوماسية في تونس والأطراف التونسية، أصدرت رئاسة الحكومة منشوراً يحمل الرقم (21) بتاريخ 16 أبريل (نيسان) 2012.
وطبقاً للفقرة الثانية من المادة (41) من اتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 والأمر رقم (1242) لعام 1984 المؤرخ في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1984، المتعلق بتنظيم مشمولات وزارة الشؤون الخارجية، فقد تم ضبط جملة قواعد واجراءات يتعيّن مراعاتها في تنظيم الاتصالات بين مؤسسات الدولة وممثلي الدول الأجنبية والمنظمات الدولية المعتمدين في تونس.
وحرصاً على ضمان تنسيق أنجع في مجال علاقات تونس الخارجية، يعيد المنشور التذكير بالإجراءات التي تم تعميمها سابقاً، ومنها المقابلات مع المسؤولين التونسيين.
وجاء في المنشور أن "توجيه البعثات الدبلوماسية وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية المعتمدة بتونس الراغبة في إجراء مقابلات مع مسؤولين تونسيين، إلى تقديم طلبها حصرياً إلى إدارة التشريفات الدبلوماسية بوزارة الشؤون الخارجية التي تتولى ترتيب المواعيد المطلوبة بالتنسيق مع الهياكل العمومية المعنية بالسرعة والنجاعة المطلوبين، وإعلام الجهة الطالبة بمآل طلبها".
وبحسب المنشور ذاته فإن "إبلاغ وزارة الشؤون الخارجية بكل الطلبات التي ترد مباشرة إلى الهياكل العمومية التونسية من قبل البعثات الديبلوماسية وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية المعتمدة بتونس، على أن تتولى وزارة الشؤون الخارجية دون سواها إبلاغ الجهات المعنية بمآل طلبها"، إضافة إلى "تمكين ممثل عن وزارة الشؤون الخارجية من حضور المقابلات التي يتم ترتيبها مع الشخصيات الأجنبية، ويتكفل هذا الأخير بتوفير المعلومات اللازمة إلى الطرف التونسي قصد تسهيل المحادثة، كما يتولى إعداد ملخص كتابي عن فحوى المحادثة توجّه نسخة منه إلى رئاسة الحكومة".