Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد عقدين من التنحي عالميا... محاولات مصرية لاستعادة عرش القطن

السيسي يصدر قرارا جمهوريا... والزراعة الأميركية تتوقع استمرار التراجع... وزير قطاع الأعمال العام: 25 مليار جنيه استثمارات جديدة لانتشال القطاع

بحثا عن استعادة عرشها المفقود عالميا، تكثف الدولة المصرية جهودها لاسترجاع العصر الذهبي للقطن المصري ذي السمعة العالمية.

"الذهب الأبيض" لقب خلعه المصريون على محصول القطن منذ عشرات السنين، وهو اللقب الذي له ما يبرره لما يمثله من أهمية بالغة في حياتهم.

ما بين غزارة إنتاج وأرباح وتحقيق طموحات وتلبية احتياجات، نشأت علاقة خاصة بين الفلاح المصري وذهبه الأبيض، فبعضهم كان يرهن مشروعاته الاقتصادية أو أحلامه المستقبلية الاجتماعية، بموسم حصاد القطن. وكان هذا الموعد الملاذ الآمن للوفاء بتعهداته ووعوده أمام الأبناء والأسرة لتلبية متطلباتهم السنوية، وكانت العبارة الشهيرة "لما نبيع محصول القطن".

خلال العشرين عاماً الماضية فقد "الذهب الأبيض" بريقه لأسباب عديدة، أرجعها  بعض المعنيين إلى اعتبارات سياسية، بينما رفض آخرون صبغها بصبغة السياسة وأرجعوا الأمر برمته إلى عوامل طبيعية والفشل الإداري محليا.

بعد إهمال منذ تسعينيات القرن الماضي بدأت المحاولات المتعاقبة لاستعادة العرش المفقود، ترصدها "اندبندنت عربية " في السطور التالية.

قرار جمهوري وتوجيه رئاسي

المحاولة الأولى أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ 4 سنوات بإصدار  قرار جمهوري حمل رقم 14 لسنة 2015، بإنشاء مركز الزراعات التعاقدية.

ينظم قانون "الزراعة التعاقدية" عمليات بيع الإنتاج الزراعي والحيواني أو الداجني أو السمكي الذي يتم استنادا إلى عقد بيع المنتج بالتوريد طبقا للكميات والأصناف والجودة والسعر، وغيرها من الشروط التي يتضمنها العقد، ويتم تسجيل عقود الزراعة التعاقدية متى طلب أي من الطرفين.

إصرار القيادة السياسية المصرية على عودة القطن لعصره الذهبي تجلى في توجيه السيسي لرئيس حكومته الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، باتخاذ ما يلزم للنهوض واستعادة عرش القطن المصري.

توصية بإنشاء حكومة متخصصة

جمع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، الذراع الإعلامية لمجلس الوزراء المصري، كافة الموضوعات المنشورة في وسائل الإعلام المصرية المختلفة التي تتعلق بالقطن في الفترة من أبريل (نيسان) 2011 وحتى فبراير (شباط) الماضي.

خلصت عمليات البحث والجمع والإحصاء إلى تقرير ضخم يضم  مقترحات وتوصيات وملاحظات، ناقشها "مجلس الوزراء " مع المسؤولين، تمهيداً لإحداث تطوير ملحوظ في ملف "القطن المصري".

وأبرز  التوصيات  أكدت على ضرورة تفعيل قانون الزراعات التعاقدية، حتى تنتهي أزمات التسويق للزراعات الاستراتيجية، وفي مقدمها القطن والذرة والأرز، وغيرها من الزراعات، مع  تحديد جهات تسلُّم المحصول، وتحديد أسعار الشراء قبل زراعة المحصول، حتى تستقر نفوس الفلاحين، وحثهم على زراعة المحصول بنفس الحماس الذي كان موجوداً من قبل، بالإضافة إلى  تطبيق إصدار بطاقة الحيازة الإلكترونية.

واشتملت المقترحات على إنشاء وزارة مستقلة للقطن ومنتجاته، ابتداء من الحلج، والغزل، والملابس، والبذرة ومستخرجاتها، وذلك لأنه سلعة استراتيجية، ومنتج عالمي مطلوب.

توقعات أميركية

 جهود الحكومة المصرية تزامنت مع تقرير لوزارة الزراعة الأميركية خلال شهر أبريل (نيسان) الحالي، توقع انخفاض المساحات المزروعة بالقطن في مصر في موسم 2019- 2020 بنسبة 31 % تقريبا، إلى نحو 142 ألف فدان من نحو 352 ألف فدان في الموسم السابق.

وأضاف التقرير الذي أعده ملحق وزارة الزراعة الأميركية في القاهرة أنه من المتوقع أن يهبط الإنتاج بنفس النسبة ليصل إلى 337 ألف بالة، من 489 ألف بالة في موسم 2018-2019.

وقال التقرير إنه من المتوقع أن تزيد واردات مصر من القطن في موسم 2019-2020 بنسبة 2.0% إلى 510 آلاف بالة، بينما من المنتظر أن تنخفض الصادرات بنسبة 24 %، لتصل إلى 220 ألف بالة.

معادلة ثلاثية وتسويق ضروري

وعلق الدكتور محمد سليمان، رئيس مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة المصرية، لـ"اندبندنت عربية"، على التقرير قائلا "إن الحكومة المصرية اتخذت خطوات جادة خلال السنوات الخمس الماضية"، مشيرا إلى أن "أفضل القرارات خلال الثلاثين عاما الأخيرة بشأن القطن المصري ما اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي لإعادة المحصول إلى مكانته الطبيعية"، موضحا أن "دور المركز هو إنتاج الأصناف المتميزة طويلة التيلة فائقة النعومة، وأننا ننافس عالميا بالجودة وليس بكم الإنتاج".

وأكد سليمان أن استعادة عرش القطن المصري يعتمد على أضلاع ثلاثة، هم المنتج الذي يبحث عن الإنتاجية العالية، والتاجر الذي يبحث عن نسبة تصافي عالية، والوسيط والمصنع اللذان يبحثان عن جودة عالية، مضيفا أن دور مركز البحوث هو تحقيق المعادلة ثلاثية الأبعاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول أزمة القطن خلال الفترة الماضية، كشف "سليمان" أن "أزمتنا الحقيقية هي التسويق، وهو ما فشلت فيه الحكومات المتعاقبة منذ 20 عاما"، معتبرا أن من بين أهم الأسباب التي جعلت القطن المصري يفقد عرشه هو "التسويق"، موضحا أن "المحصول أصبح عبئاً على المزارع، لعدم قدرة الفلاح على مهارة التسويق، وعدم تحديد جهة مختصة باستلام المحصول، مما دفعه إلى العزوف عن زراعته وتقليص المساحة، هذا بالإضافة إلى أن محصول القطن مكلّف بالنسبة إلى للفلاح، مما تسبب في تراجع الجدوى المالية للمحصول".

ورفض "سليمان" تفسير هذا التراجع لاعتبارات سياسية، معللا تناقص المساحات المنزرعة بالقطن نتيجة الفشل في التسويق، وهو ما دعا السيسي لإعادة تطوير شركات الغزل ومحالج القطن التابعة للدولة.

خطوات موازية

تطوير المحالج التابعة للدولة يقع على عاتق وزارة قطاع الأعمال العام، وفق خطة بدأت تنفيذها منذ عامين. وقال هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال المصري، لـ"اندبندنت عربية"، إن وزارته ماضية في تنفيذ استراتيجية وخطة استعادة القطن المصري لعرشه المفقود، مؤكدا أن الوزارة وقّعت عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم تتضمن إنشاء مصنع جديد للغزل والنسيج في محافظة كفر الشيخ مع مجموعة" ماروبيني" اليابانية لإنشاء مصنع جديد للغزل والنسيج والصباغة والتجهيز بمحافظة كفر الشيخ على مساحة 80 فداناً، بتمويل من البنك الياباني للتعاون الدولي.

وأضاف توفيق أن القطاع بدأ تنفيذ دراسة أعدها المكتب الاستشاري العالمي (وارنر) بشأن تطوير الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، وذلك من خلال قرض ميسر لتنفيذ ذلك المشروع يسدد على مدار 10 سنوات مع فترة سماح 3 سنوات.

وكشف توفيق "لدينا خطة غير مسبوقة لتطوير صناعة الغزل والنسيج لإحداث نقلة نوعية في قطاع الغزل بداية من زراعة القطن وحتى التسويق الخارجي، ومضاعفة الطاقة الإنتاجية الحالية 4 مرات بتكلفة استثمارية نحو 25 مليار جنيه"، موضحا أن "الخطة بدأت بمحالج القطن وتم تركيب أول محلج مطور في الفيوم بمساحة 10 أفدنة وتشغيله في 28 مارس (أذار) الماضي، وافتتحه رئيس الوزراء ضمن خطة لإعادة الهيكلة تتضمن تخفيض عدد المحالج من 25 إلى 11 محلجاً توزع على جميع مناطق زراعة القطن، وتزويدها بتكنولوجيا حديثة تحقق كفاءة إنتاجية عالية ومنخفضة في التكلفة وذات مواصفات عالية الجودة للحفاظ على القطن المصري واستعادة سمعته العالمية المتميزة". 

وتابع توفيق بأن الخطة تتضمن أيضا شراء أحدث الماكينات لشركات الغزل والنسيج من كبار الموردين على مستوى العالم، وتحويل ثلاث شركات (المحلة– كفر الدوار– حلون) إلى مراكز صناعية متكاملة كبرى مع تخصيص ثلاثة مراكز للتصدير في المحلة وكفر الدوار والدلتا.

وقال  الدكتور عز الدين أبو ستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية، إنه "آن الأوان أن تكون هناك استراتيجية جديدة في التعامل مع ما أعطاه الله لمصر من الذهب الأبيض"، مشيراً إلى "أن هذه الاستراتيجية ستعتمد في جزء كبير منها على تطوير القدرات التصنيعية للمحالج والمصانع المصرية، بحيث يتحول القطن الخام الذي تعودنا على تصديره إلى منتجات نسيجية متميزة لها سمعتها العالمية"، وأضاف أبو ستيت في أحد المؤتمرات  التي عقدت في القاهرة احتفاء بمرور 200 عام على زراعة القطن في مصر أن محصول القطن ذو ثلاثة مزايا، إذ يتم أخد أقطان الشعر للنسيج واستخلاص البذرة لإنتاج الزيت، لسد الفجوة الغذائية، ويتخلف عن هذه العملية (الكثب) الذي يستخدم كعلف حيواني والذي يحدّ من معدلات استيراد الأعلاف، كما يشهد العالم بأكمله للقطن المصري، بأنه أجود أنواع القطن، الذي تصنع منه الملابس وغيرها من الصناعات المختلفة، وتتسارع دول العالم كافة، لشراء القطن المصري، لتصنيعه ثم طرح منتجاته في الأسواق، وبأسعار عالية لجودته.

أسباب انخفاض الإنتاجية

عدّد  حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين المصريين، أسباب تراجع إنتاج القطن إلى أسباب زعم أن بعضها سياسية وأخرى لفشل الحكومة في إدارة ملف القطن خلال السنوات العشرين الماضية.

وأكد أبو صدام، لـ"اندبندنت عربية"، أن إجمالي المساحة المزروعة من القطن في مصر كانت في منتصف الثمانينيات  تصل إلى مليوني فدان، تراجعت إلى أقل من 132 ألف فدان عام 2015.

وأرجع أبو صدام التراجع إلى الاختلاط بين الأصناف والعزوف عن شراء القطن المصري واستبداله بالمستورد، إلى جانب ارتفاع تكلفة الإنتاج لعدم وجود دورة زراعية، وارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج من أسمدة ومبيدات، وارتفاع تكلفة عملية الجني، مما سبب  عزوفا من  الفلاح عن زراعة القطن.

وتفاءل نقيب الفلاحين بمستقبل القطن خلال الفترة المقبلة مرجعا ذلك إلى اهتمام الحكومة بمحصول القطن، وتوفير "التقاوي" وإنتاجها، خاصة أن القطن كان بمثابة الحياة  للفلاح قائلا "كان الفلاحون يرهنون مشروعاتهم وأحلامهم المستقبلية وخططهم مثل الزواج وغيرها بموسم جمع المحصول والكلمة الشهيرة كانت (لما نجمع القطن)".

ولفت نقيب الفلاحين إلى أن محصول القطن أصبح من بين أهم المحاصيل حاليا، وذلك نظراً لاتجاه الدولة إلى ترشيد المياه من خلال تعديل القانون رقم 53 لسنة 1966، والذي أعطى الحق لوزير الزراعة، ووزير الري، وتحديد أماكن زراعة المحاصيل، خاصة المحاصيل شرهة المياه، مشيراً إلى تبني الدولة الرجوع والالتزام بالدورة الزراعية وتحديد الحكومة لسعر ضمان للقطن اتجاه حميد لاسترداد قوة القطن، وزيادة الرقعة المنزرعة الموسم المقبل خلال الأربع سنوات المقبلة، حتى نصل إلى المساحة التي كنا نزرعها من قبل.

وقال الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي "لم يكن القطن هو مصدر الرخاء والاكتفاء في حياة الفلاحين في مصر فقط، بل كان يمثل الذهب الأبيض الذي يحتل قائمة الصادرات المصرية للأسواق الخارجية، وعلامة تجارية تتمتع بثقة كافة دول العالم، وكان أهم وأغلى صادرات مصر".

وأضاف الإدريسي لـ(اندبندنت عربية) "خسرت مصر سمعتها الدولية تجاه ما يعرف بالذهب الأبيض، ففي عام 1989- 1990، كانت مساحة الأراضي المزروعة بالقطن مليون فدان انخفضت إلى 550 ألف فدان في موسم 2002/2003، بينما كان إنتاج مصر من الأقطان في الثمانينيات يتراوح بين 7 و8 ملايين قنطار سنويا، انخفضت إلى 4.5 مليون قنطار في عام 2003، وهي الآن أقل من ذلك بكثير".

ويشير الإدريسي إلى أنه خلال العشرين عاما الماضية أصبح القطن آخر قوائم الإنتاج الزراعي في مصر، ولم تعد صادرات مصر من القطن للأسواق الخارجية تتجاوز 150 مليون دولار.

ويرجع الإدريسي سبب انهيار محصول القطن، بأن الدولة كانت تتلاعب في أسعار توريده، ففي عام 2003 بلغ سعر القنطار 1300 جنيه، ولكنه انخفض إلى 600 جنيه في العام التالي مباشرة 2004، حيث وصلت خسائر القطن في هذا الوقت إلى 2.3 مليار جنيه في عام واحد، مضيفًا أنه أمام هذه الظروف الصعبة اضطر الفلاح إلى الهروب من زراعة القطن.

تفعيل بورصة العقود الآجلة

استمرت الحكومة في المحاولات، حيث وافق الدكتور محمد عمران، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، على اعتماد نموذجي العقد الابتدائي، والنظام الأساسي لشركة بورصة العقود الآجلة المشتقة من الأوراق والأدوات المالية المقيدة بإحدى بورصات الأوراق المالية، في إطار البدء في تفعيل نشاط بورصات العقود الآجلة، وذلك بعد نصف قرن تقريباً على إلغائها، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي طبقت هذه الآلية، وبالتحديد على تداولات القطن منذ الربع الثالث من القرن التاسع عشر.

 بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، أصدر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر القانون رقم 9 لسنة 1966 بتصفية وإلغاء بورصة عقود القطن بالإسكندرية عقب تأميم الشركات والقضاء على الملكيات الكبيرة.

وقال مصدر بارز بالهيئة العامة للرقابة المالية إنه يجب التفرقة بين السوق الحاضرة للسلع وبين بورصة العقود السلعية.

وأضاف أنه ما يتم تداوله حاليا هو أسواق مركزية لسلعة ما، تجمع البائعين والمشترين مباشرة للتعامل من خلال آلية المزاد.

وأشار إلى أن بورصات العقود، ومن ضمنها العقود السلعية، ينظمها قانون سوق رأس المال وتخضع لإشراف الهيئة العامة للرقابة المالية، حيث يتم من خلال تلك البورصات بيع وشراء عقود مستقبلية تتعلق بسلع أساسية سواء حاصلات زراعية، مثل: الكاكاو والقطن والقمح والصويا.

فتاريخ البورصات السلعية عالميا ظهر في القرن التاسع عشر  بإنشاء أولى بورصات الحبوب في العالم، بمدينة شيكاغو عام 1848، ثم  انتشرت البورصات حتى فاق عددها الستين بورصة، تتصدرها اليوم من حيث قيمة التعاملات بورصة السلع بنيويورك (نايمكس).

ووفقا لبيانات وزارة الزراعة المصرية فإن محافظة الإسكندرية كان لها الريادة في هذا المضمار مع بدء التعامل على العقود الآجلة للقطن في الربع الثالث من القرن التاسع عشر، حيث سبقت الإسكندرية في ذلك نيويورك وليفربول التي مثلت آنذاك أكبر ثلاث بورصات لعقود القطن في العالم.

 وتلتها في سنة 1884 بورصة البضاعة الحاضرة للأقطان من خلال تأسيس شركة مساهمة مصرية للبورصة التجارية لمينا البصل.

ولكن مع تبني الدولة المصرية الفكر  الاشتراكي والتخطيط المركزي تمت تصفية البورصات السلعية  بإصدار  قانوني  9 لسنة 1966 بتصفية بورصة العقود و 39 لسنة 1967 بتصفية بورصة البضاعة الحاضرة للأقطان وبذرة القطن خلال فترة حكم الرئيس السابق جمال عبد الناصر.

محمد علي ونهضة زراعة وتصدير القطن

كانت مصر قبل عهد محمد علي الكبير، الذي تولى حكم مصر منذ عام 1805 وحتى منتصف القرن التاسع عشر، تزرع القطن ولكنه كان قصير التيلة خشن الملمس وأقل مرتبة من قطن البنغال بالهند ويعرف باسم "القطن البلدي".

ووفقا لما ذكره المؤرخ أحمد الحتة في كتابه (تاريخ الزراعة المصرية في عهد محمد علي بك الكبير- 1950)، فإن "مصر استمرت في زراعة القطن البلدي إلى أن اكتشف الخبير الفرنسي جوميل، أحد الذين جلبهم محمد علي إلى القاهرة، ومدير مصانع محمد علي ببولاق، نوعا من الأقطان الهندية أطلق عليه قطن "محو"، فأمر محمد علي بزراعته عام 1821 فجاء بمحصول وافر وجلب بذور القطن من الهند، وأطلق عليه قطن "محو"، وبلغت صادراته من 944 قنطارا عام 1821 إلى 35108 قناطير سنة 1822، ثم إلى 159246 قنطار عام 1824 .

ويضيف "الحتة" في كتابه "أنشا محمد علي معامل الغزل والنسيج خصيصا للقطن تحتوي على 1459 نولا للعزل وأكثر من 1200 نول للنسج، مما جعل إنتاج الأقمشة القطنية المصرية مليوني قطعة سنويا. وبلغت صادرات مصر من القطن سنويا من 944 قنطارا عام 1821 إلى 364816 قنطارا عام 1850م.

وتابع  "زادات مساحة الأطيان والأراضي من 3.5407 مليون فدان في سنة 1813 إلى 3.856 مليون فدان في سنة 1840، ثم إلى 4.1601 مليون فدان في سنة 1952.

وأشار "الحتة" إلى أن "الحكومة في عصر محمد علي كانت تتدخل في زراعة القطن وقررت في عام 1846 تعيين معاونين زراعيين يمرون ليل نهار، يسأل المعاون شيوخ البلد في كل قرية عن عدد الأطيان المحجوزة لزراعة القطن، ثم يتوجه لمعاينة تلك الأطيان برفقة أحد مشايخ الناحية، ويمر عليها غيطا غيطا ويقيس المساحات المخصصة للقطن بالقصبة".

ويوضح "محمد علي لم يكتفِ بذلك، بل جلب عددا من الخبراء الزراعيين لتعليم الفلاحين المصريين أساليب صحيحة لزراعة القطن من آسيا الصغرى، ومن سوريا وأميركا لتعليم الفلاحين زراعة القطن الجديد، وعلاوة على ذلك أرسل أيضا البعثات إلى أوروبا، حيث أرسل فريقا من الشبان إلى أوروبا للوقوف على ما وصل إليه العلم الزراعي بمدرسة (روفيل) بفرنسا وتمرنوا على فروع الاقتصاد الزراعي، ثم أنشا مدرسة الزراعة (الدرسخانة) بشبرا في أكتوبر 1833.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد