Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تستخدم بعض الدول دبلوماسية الرهائن رغم أضرارها؟

إيران وتركيا والصين تتصدر لائحة ممارسي احتجاز الأجانب لأغراض سياسية

وقفة تضامنية وإضاءة شموع في لندن في 11 يونيو 2018 للمطالبة باطلاق سراح راتكليف المعتقلة في إيران (غيتي)

من إيران إلى الصين وتركيا، تستخدم بعض الدول المواطنين الأجانب أو مزدوجي الجنسية كرهائن لتحقيق أغراض سياسية حتى عندما تتعارض هذه الممارسات مع أهداف هذه الدول المعلنة وتضر بمصلحتها، وهو ما حدث قبل أيام بين الصين وكندا وأدى إلى انتقاد بكين في محفل دولي كبير، فما أسباب تلك الممارسات، وما انعكاساتها على الدول التي تلجأ إليها على المدى الطويل، وما الذي تستطيعه الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة للتصدي لهذه الممارسات؟

قبل أيام قليلة، صادقت الولايات المتحدة وكندا وتحالف من 56 دولة أخرى على إعلان يدين ممارسات الاحتجاز التعسفي للمواطنين الأجانب التي تقوم بها الدول لأغراض سياسية، حيث طالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جميع الدول للعمل معاً من أجل الضغط على الدول التي تشارك في مثل هذه الاعتقالات لوضع حد لتلك الممارسة غير المقبولة، والإفراج عن المحتجزين واحترام سيادة القانون.

تصرفات محيرة

وعلى الرغم من أن هذا الإعلان كان استجابة لحملة قادتها كندا لإطلاق سراح كنديَين اعتقلتهما الصين انتقاماً لاعتقال الشرطة الكندية مسؤولاً تنفيذياً صينياً في مجال التكنولوجيا، ومسؤولاً آخر في شركة "هواوي" وابنة مؤسس الشركة بناء على طلب أميركي لتسليمهم لمواجهة تهم بالاحتيال، إلا أن الأمر المحير بشأن هذه الممارسة هو أن الدول تستخدمها أحياناً حتى عندما تتعارض مع أهدافها المعلنة وتضر بمصالحها العامة. وتقدم "إيران، والصين، وتركيا" أمثلة مناسبة لطريقة التعامل بأسلوب دبلوماسية الرهائن على الرغم من محاولاتها المستمرة للظهور أمام العالم بشكل مغاير تماماً.

إيران النموذج الأسوأ

تقدم إيران الصورة الأوضح والأكثر اضطراباً وسوءاً مقارنة بغيرها، ففي عهد الرئيس حسن روحاني، تحاول طهران الخروج من القيود التي وضعتها فيها الولايات المتحدة، فعلى الرغم من اهتمامها وسعيها الواضح لتطبيع العلاقات مع بقية دول العالم، استمرت في احتجاز الأجانب والمواطنين مزدوجي الجنسية بتهم مشكوك فيها، وغالباً ما تعتقلهم وتلقي بهم في السجن، أو تُدخلهم في دوامات قانونية غير واضحة المعالم لسنوات عدة. ومن أبرز الأمثلة على هؤلاء، نازانين زاغاري راتكليف البريطانية، الإيرانية الأصل، التي عملت في مؤسسة "طومسون رويترز" واعتُقلت عام 2016 أثناء زيارتها والديها في إيران، واتهمتها السلطات بمحاولة الإطاحة بالنظام.
كما وُجِهت اتهامات مماثلة إلى آخرين، منهم كافوس سيد إمامي وهو أستاذ علوم اجتماعية كندي- إيراني ساعد على تأسيس مؤسسة التراث الفارسي للحياة البرية، وتزعم السلطات الإيرانية أنه مات منتحراً أثناء احتجازه. كذلك اعتقلت السلطات الإيرانية طالب دراسات عليا أميركي من أصل صيني، يُدعى شي يو وانغ في عام 2016 أثناء إجرائه بحثاً عن سلالة ملوك القاجار، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة التجسس قبل إطلاق سراحه عام 2019 في صفقة تبادل مع العالم الإيراني مسعود سليماني المتهم في الولايات المتحدة لمحاولته تصدير سلع غير مصرح بها إلى إيران.

دبلوماسية سيئة السمعة

وفي ظل استمرار هذا الوضع، قد يصعب تخيل سياسة أكثر ضرراً بصورة إيران لدى المجتمع الدولي بما يُعقد جهودها للتغلب على عزلتها الحالية، إذ تمنح تصرفاتها الخطأ المعارضين في بلدان أخرى، السلاح المناسب لمهاجمة "نظام الملالي". فعلى سبيل المثال، عاد بعض ضحايا النظام الإيراني، مثل شي وي وانغ في النهاية إلى وطنهم وأصبحوا معارضين صريحين لطهران لأسباب مفهومة تماماً، بينما يظل اضطهاد أشخاص مثل وانغ وزاغاري راتكليف، نموذجاً لدبلوماسية الرهائن سيئة السمعة التي تضر بالمصالح الأوسع لإيران.

النموذج الصيني

من جهة أخرى، كان هدف الحكومة الصينية هو إقناع العالم بأن صعودها إلى ساحة التأثير والنفوذ العالمي يُعد تطوراً إيجابياً محموداً ومطلوباً، على اعتبار أن بكين ستكون قوة دولية مسؤولة، ومن ثم بات مهماً إظهار أن في صعودها مصلحة للجميع، وهو ما يمكن استنباطه من خطاب الرئيس الصيني شي جينبينغ الأخير أمام المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير عن العلاقة الرابحة للطرفين، وكذلك تشديده على الحاجة إلى تعاون صيني- أميركي متين خلال محادثته الهاتفية الأولى مع الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
واستناداً إلى هذا المنهج، يصبح من مصلحة الصين بشكل كبير ألا تبدو أمام العالم في حالة غضب واندفاع أو بصورة مغايرة للقيم الإنسانية، حتى تتجنب توفير الذخيرة لمنتقديها وتقليل احتمالية أن تتحد البلدان الأخرى لتقويض نفوذها.
ومع ذلك، استهدفت الصين بكثافة الرعايا الأجانب والمواطنين مزدوجي الجنسية، حتى في وقت تحاول فيه الظهور بشكل لطيف تجاه العالم، فوجهت لهؤلاء تهماً مختلفة أبرزها التجسس وانتهاك قوانين الأمن القومي. ومن بين الذين اعتقلتهم الصين خلال السنوات الأخيرة، الكنديَين مايكل كوفريغ من مجموعة الأزمات الدولية ومايكل سبافور مدير برنامج التبادل الثقافي في كوريا الشمالية، وتشنغ لي مذيع الأخبار الأسترالي- الصيني، ونوبو إيواتاني أستاذ التاريخ الياباني، وكاي لي وهو رجل أعمال أميركي- صيني، وسيدة أعمال أميركية من أصل صيني تدعى ساندي فان غيليس.
وبينما أُطلق سراح بعض المعتقلين، لا يزال آخرون رهن الاحتجاز، وينتظر بعضهم المحاكمة أمام نظام العدالة الغامض في الصين.

تركيا وأميركا

وقد لا يكون مستغرباً القول، إن الصين وإيران ليستا الدولتين الوحيدتين اللتين تمارسان هذا النوع من الأخطاء المضرة دبلوماسياً، إذ احتجزت تركيا عدداً من المواطنين الأجانب لأسباب تبدو مريبة، واستخدمتهم بوضوح كمصدر للضغط مثل قضية القس الأميركي أندرو برونسون الذي احتجزته أنقرة لسنتين بتهمة التعاون مع جماعة فتح الله غولن المعارضة وحزب العمال الكردستاني، قبل أن تطلق سراحه عام 2018 تحت ضغط من الرئيس السابق دونالد ترمب في ظل أزمة دبلوماسية كبيرة بين أنقرة وواشنطن.
كما اعتقلت الولايات المتحدة أو احتجزت عدداً من الأشخاص لأسباب مشكوك فيها، ويمثل معتقل غوانتنامو الذي يعتزم بايدن إغلاقه، نموذجاً صارخاً على الاعتقال من دون محاكمات لفترات طويلة. وعلى الرغم من أن واشنطن لا تستخدم هؤلاء المعتقلين كرهائن لابتزاز الدول الأخرى، كما فعلت إيران والصين وتركيا، لكن معتقل غوانتنامو أضر كثيراً بسمعة الولايات المتحدة حول العالم، رغم أنه ارتبط بأحداث سبتمبر (أيلول) 2001 الدموية وما رافقها من تضامن وتعاطف دوليَين مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش آنذاك.
ولكن لماذا تستخدم بعض الدول المواطنين الأجانب كبيادق سياسية يمكن التضحية بها رغم إدراكهم أن ذلك سيضر بسمعتهم ويقوض من احترام وتقدير دول العالم لهم؟

أسباب متباينة

أحد الأسباب التي يبرزها ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد الأميركية، هو أن "المعتقلين قد يكونون مذنبين في حالات قليلة، فالدول تتجسس على بعضها البعض طوال الوقت، ويصعب تخيل أن كل الأشخاص الذين اعتُقلوا من قبل قوى أجنبية أبرياء من ارتكاب أي مخالفات، لكن إذا كان هذا هو الحال، فيجب توقع أن تبذل الحكومة التي تحتجزهم جهوداً واضحة لإجراء عملية قضائية عادلة وتقديم الأدلة بتفاصيل مقنعة، إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك، حيث تتسم الإجراءات القضائية في كثير من هذه القضايا بالغموض الشديد، مما يعزز التصورات بأن الضحايا يتعرضون للاعتقال والاحتجاز لأسباب سياسية".

وأضاف والت أن "هذا الأمر قد ينشأ من تباينات حقيقية حول طبيعة ما يشكل تجسساً أو تهديداً للأمن القومي، فما تعتبره دول معينة عملاً صحافياً مشروعاً أو بحثاً علمياً أو نشاطات بريئة أخرى، قد يُنظر إليه على أنه تدخل خطير من قبل السلطات المحلية، ومن المرجح أن تحدث هذه المشكلة عندما لا تشعر الحكومة المعنية بالأمن والاستقرار ويكون لديها سبب للاعتقاد بأن دولاً أخرى تتآمر ضدها".

الإحساس بالخطر

وفي حالة الصين على سبيل المثال، كان شي جينبينغ يشن حملة واسعة النطاق ضد المعارضة الداخلية، وعلى الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، وأقلية الإيغور، وعلى أي شخص آخر يشعر أنه قد يتحدى سلطته أو سلطة الحزب الشيوعي الصيني. وبالنظر إلى هذه العقلية، نجد أن هناك تعريفاً واسعاً للغاية بشأن تهديدات الأمن القومي، وقد يبدو أن الأجانب ينتهكون الخطوط الحمر حتى لو كانت نشاطاتهم بريئة تماماً.

ورقة ضغط سياسية

أما بالنسبة إلى إيران، فإن الأخذ في الحسبان تفضيل الولايات المتحدة تغيير النظام في إيران، ودعمها حركات المعارضة في الماضي، وشنها هجمات إلكترونية على برنامج إيران النووي، واغتيال الجنرال قاسم سليماني في بداية العام الماضي، قد يجعل الإيرانيين ينظرون لأي أنشطة بريئة من منظور الخوف الذي تسيطر عليه حالة من الهوس، لكن ذلك لا يبرر الظلم ضد الأبرياء، كما لا ينفي سعي النظام الإيراني إلى استخدام الأجانب كورقة مقايضة سياسية في أغلب القضايا وبخاصة ضد الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الأعمال الانتقامية

ويتمثل السبب الثالث للقبض على الضحايا الأبرياء في الأعمال الانتقامية، إذ إن احتجاز الصين مواطنين كنديين هو عمل انتقامي بسبب فرض كندا الإقامة الجبرية على مسؤول في شركة "هواوي" الصينية بهدف المقايضة بين المحتجزين من الجانبين، أو لردع الشروع في إجراءات مماثلة في المستقبل.
علاوةً على ذلك، يمكن أن يكون احتجاز الرهائن بهذه الطريقة وسيلة لاكتساب نفوذ يمكن استخدامه ضد دول أخرى، وقد يُنظر إلى الأجانب المسجونين على أنهم مصدر محتمل للضغط في النزاعات السياسية الأوسع، فعلى سبيل المثال أتى اعتقال الصين، أخيراً، المذيع الأسترالي تشنغ لي في سياق التدهور الحاد للعلاقة بين أستراليا والصين، وقد يكون المقصود منه إظهار أن بكين تستطيع أن تواجه الضغوط بمثلها، وأن تجعل الحياة صعبة على أستراليا.

أسباب أخرى

غير أن هناك أسباباً أخرى لاحتجاز الأجانب قد لا تكون فيها الدول عقلانية في تصرفاتها، حيث يمكن استخدام الاعتقالات التعسفية للدفاع عن مصالح محلية ضيقة وفي بعض الحالات يمكن للفصائل المتشددة التي تخشى التقارب مع العالم الخارجي أن تقوض سلطات الدولة ومكانتها، فتحتجز الرهائن من أجل عرقلة جهود التسوية.

كما يمكن أن يؤدي احتجاز الأجانب أيضاً إلى وضع المعتدلين في موقف محرج لإظهارهم في موضع أقل وطنية من المتشددين، الذين يدعون أنهم يدافعون عن الأمة من أعدائها الخارجيين، وهو ما نراه كثيراً في إيران، حيث استخدم المتشددون احتجاز الأجانب كوسيلة لتعقيد وتأخير التقدم نحو التسوية.

وعلى الرغم من هذه الأسباب، فإن الانعكاسات السلبية الناجمة عن هذا النوع من السلوك عادةً ما تفوق الفوائد، لأن استخدام الأبرياء والمخاطرة بهم لأغراض سياسية لا يمكن إلا أن يلقي بالحكومة في وضع أسوأ، ويزيد المخاوف الأجنبية بشأن موثوقيتها ونزاهتها ونواياها على المدى الطويل، حيث إن وضع الأبرياء في الحجز واحتجازهم من دون محاكمة، ثم إدانتهم بتهم زائفة قبل إطلاق سراحهم في نهاية المطاف بعد فترات طويلة من الأسر، لا ينتج عنه أكثر من مجرد دعاية سيئة.

المزيد من تقارير