Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع "جنوني" للدولار في السودان يربك الأسواق المحلية

احتجاجات متفرقة في بعض أحياء الخرطوم وسط تحذيرات من تفاقم الوضع

احتجاجات في بعض أحياء الخرطوم تندد بالغلاء وتطالب الحكومة بوقف التدهور الاقتصادي (مواقع التواصل)

يشهد سوق العملات الأجنبية الموازي في السودان هذه الأيام ارتفاعاً جنونياً بلغ في أقل من أسبوعين 40 في المئة، ما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه السوداني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، حيث ارتفع سعر الدولار من 250 جنيهاً إلى 360 جنيهاً، مقابل 55 جنيهاً في البنوك الرسمية، وما زال التصاعد مستمراً بشكل يومي، ما أربك الأسواق وتسبب في مضاعفة الأسعار، فضلاً عن توقف العديد من المحلات التجارية والمصانع عن إجراء عمليات البيع نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتوقع حدوث ركود اقتصادي وندرة في السلع. 

وشهدت بعض أحياء العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، احتجاجات متفرقة مع بدء فتح المدارس، الأحد الماضي، طالبت بالإسراع في معالجة الوضع الاقتصادي، وحل الأزمات المستفحلة، منددة بارتفاع أسعار الخبز والكهرباء والوقود والأدوية، وضرورة توفرها بأسعار مناسبة، فضلاً عن السيطرة على الأسواق التي تشهد ارتفاعاً مستمراً في الأسعار من دون إيجاد رقابة تضبط ما يحدث من انفلات. 

وقال المحلل المالي والاقتصادي السوداني طه حسين، إن "ما يحدث الآن من ارتفاع جنوني للدولار في السوق الموازي مقابل الجنيه السوداني كان متوقعاً في مرحلة من المراحل، لكن ليس بهذا الارتفاع الكبير والمستمر يومياً، والذي بالتأكيد له ما بعده". وأضاف أن "ما يجري هذه الأيام شبيه بفترة تسعينيات القرن الـ20، حيث ارتفع الدولار إلى مستويات عالية، لكن مع بدء البرنامج الثلاثي وعمليات الإصلاح الاقتصادي حدث استقرار نسبي في سعر العملات الأجنبية عام 2005، ويرجع ذلك لأسباب عدة، أهمها أن موازنة الدولة هذا العام غير مقنعة، حيث بُنيت الإيرادات العامة على الجباية والرسوم وتحرير أسعار الوقود، وزيادة أسعار تعريفتي الكهرباء والمياه بنسبة تراوحت بين 100 و700 في المئة، بحسب الدرجات، فضلاً عن إرهاصات تعويم الجنيه السوداني التي ظهرت في السياسة النقدية لبنك السودان المركزي من خلال وضع سعر تحفيزي لجذب تحويلات المغتربين، والصادر والوارد، وفقاً لسعر الدولار الموازي، إلى جانب التأثير السلبي للتغييرات الهيكلية للاقتصاد من ناحية الاتجاه إلى طباعة الكتلة النقدية من دون تغطية، حيث بلغ حجم الزيادة من هذه الكتلة خلال علام 2020 نحو 606 مليارات جنيه سوداني (1.68 مليار دولار)، بيد أن قرابة 95 في المئة من هذه الكتلة توجد خارج النظام المصرفي".
 

معالجة متكاملة 

وزاد حسين "بالتالي من الطبيعي أن يكون هناك تأثير سلبي على الأسعار كافة في الأسواق، وذلك لمواكبة ما حدث من ارتفاع في سعر الدولار، بخاصة وأن حجم الصادرات، سواء كانت من السلع أو المواد الخام، أكبر من حجم الواردات بنسبة كبيرة، كما أن الدولار أصبح عنصر أمان بالنسبة للتاجر، بل إن معظم التعاملات التجارية داخل البلاد أصبحت تتم وتُقاس وفق سعر الدولار في السوق الموازي، ما جعل المؤشر العام غير ثابت وضبابي. فالتغيير الذي حدث هو أن الجنيه السوداني فقد قيمته وأصبح الجنيه الواحد يعادل 10 جنيهات وهي الفئة الأقل تداولاً في الأسواق، أي انخفض الجنيه بنسبة 10 أضعاف، وأصبحت الكتل النقدية الكبيرة هي المسيطرة على عمليات التداول، وأصبحت الخزن المملوكة للبنوك مكتظة بفئات العملات الصغيرة، وهو ما أثر سلبياً على معدلات التضخم الذي بلغ 300 في المئة، ويتوقع مع هذا الانهيار أن يصل إلى 400 في المئة، وهو معدل تضخم كبير جداً سيكون له تأثيره السلبي على الاقتصاد الكلي". 

وقال الباحث الاقتصادي السوداني "في نظري، إن كل الإجراءات والسياسات الاقتصادية المتبَعة حالياً تدفع نحو زيادة أسعار السلع والدولار كذلك، ومعالجة هذا الوضع تكون في شكل منظومة كاملة، من خلال تعديل سياسة صادرات الذهب، والعمل على إنشاء صناديق سيادية، فضلاً عن تغيير المنهج المتبع في الموازنة ودعمها من خلال إيجاد إيرادات حقيقية غير تقليدية، وإيجاد دعم خارجي، كما حدث عام 2019، حيث قدم صندوق النقد العربي 300 مليون دولار، والصندوق الكويتي 200 مليون دولار، والبنك المركزي الإماراتي 200 مليون دولار، والصندوق السعودي 250 مليون دولار، كما كان هناك وعد بمنح السودان من الدول الصديقة ملياري و500 مليون دولار، ما أحدث نوعاً من الاستقرار في الأسعار والتوازن الاقتصادي، لذلك لم تشهد تلك الفترة أزمات تُذكر". 

وتوقع حسين أن يستمر ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي، ما لم تكن هناك معالجات حقيقية بخاصة من جانب البنى التحتية من موانئ وطرق، "باعتبارها تمثل الرافعة الرئيسة لتحريك عجلة الاقتصاد، بالتالي لا بد أن تجد اهتماماً كبيراً من الدولة، وذلك عبر صب كل القروض والمنح والإيرادات في عمل تنموي يشجع عملية الإنتاج، والأهم من ذلك ضرورة وضع سياسات واضحة لتشجيع الاستثمار وجذب تحويلات ومدخرات المغتربين السودانيين".
 

سياسة الصندوق 

في المقابل، يشير عضو اللجنة الاقتصادية في "قوى الحرية والتغيير"، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية في السودان، كمال كرار، إلى أن "ارتفاع أسعار الدولار مربوط بالسياسات المالية المتبعة، فكل العوامل التي تؤدي إلى تصاعد الدولار إلى مستويات قياسية كما يحدث هذه الأيام، واردة في موازنة عامي 2020 و2021، فتزايد الطلب على العملات الأجنبية في السوق الموازية لتوفير احتياجات المواطنين من سلع أساسية كالدقيق والوقود وغيرهما، وذلك لانعدام هذه العملات في البنك المركزي، بسبب خروج الدولة من التجارة الخارجية. وكان من المؤمل أن ينخفض العجز في ميزانية العام الماضي، لكنه ارتفع من 73 مليار جنيه سوداني (202.777 مليون دولار)، إلى 184 مليار جنيه سوداني (511.111 مليون دولار)، كما انخفضت الإيرادات في الميزانية ذاتها من 568 مليار جنيه سوداني (1.577 مليار دولار)، إلى 263 مليار جنيه سوداني (730.555 مليون دولار)، على الرغم من زيادة أسعار الوقود 20 ضعفاً، والمواصلات 1000 في المئة، والكهرباء 500 في المئة، وبلوغ التضخم أكثر من 300 في المئة". 

وتابع كرار "نتائج هذه السياسات يدفع ثمنها الاقتصاد الكلي بسبب تحطيم القطاعات الإنتاجية وتفشي البطالة وانهيار قيمة العملة المحلية، واللجوء إلى التغطية من خلال طباعة الكتلة النقدية من دون أي مقابل، ومن دون حساب معدل النمو، ما أضعف قيمة الجنيه السوداني، بحيث أصبح الاقتصاد في قبضة السوق الموازي، بعد أن فقدت الدولة السيطرة على النقد الأجنبي عمداً ومع سبق الإصرار، فكل التعاملات المالية تتم عبر السوق الموازي، سواء الحكومي أو شركات القطاع الخاص والأفراد، وهذا الإجراء مربوط بسياسة صندوق النقد الدولي الداعية إلى تعويم الجنيه السوداني، ومن الطبيعي أن يتوالى صعود الدولار لانعدام الصادرات، وهي بلا شك سياسة إفقار حقيقية، بالتالي من الطبيعي أن تحتج الجماهير وتخرج إلى الشارع للضغط على الحكومة حتى تعدل سياستها الاقتصادية، لكن إذا لم تنتبه فإن سقف المطالب سيرتفع من مطالب اقتصادية إلى مطالب سياسية". 

وعن أثر الاحتجاجات على الواقع والمستقبل السياسي للبلاد، أفاد عضو اللجنة الاقتصادية في "قوى الحرية والتغيير"، بأنه "معروف أن مرجعية الفترة الانتقالية الحالية ترجع إلى الوثيقة الدستورية، والتي يشير بندها الثاني المتعلق بالجانب الاقتصادي، إلى ضرورة وقف التدهور الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للمواطن، لكن المؤسف أن الحكومة الحالية اتجهت إلى تبني برنامج اقتصادي نقيض للبرنامج الذي وضعته قوى الحرية والتغيير، وهو أمر مخالف للمتفَق عليه، بالتالي فإن ما يحدث من احتجاجات وغضب في الشارع، يأتي كنتيجة طبيعية لفشل هذه الحكومة في معالجة أهم مطالب الجماهير المتمثِلة في الوضع المعيشي، لذلك لا بد من استرداد الثورة من جديد، وتشكيل حكومة ثورية تدير الاقتصاد بعيداً عن صندوق النقد الدولي، لكن من غير الممكن أن تعيد هذه الاحتجاجات إنتاج النظام السابق، أو انقلاب عسكري، فهذان الأمران مستبعدان تماماً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رفع الدعم 


وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، أكد في وقت سابق أن أصعب قرار يمكن أن تتخذه حكومته هو رفع الدعم، مشيراً إلى أنها تعمل على "ترشيد الدعم"، حيث تدعم 8 سلع أساسية، بينما رفعته عن سلعتين فقط هما البنزين والغازولين، "وكان قراراً صعباً جداً". 

ولفت حمدوك إلى أن حكومته تتجه إلى توحيد سعر الصرف ليكون معبراً عن سعر العملة السودانية، نافياً أي اتجاه لتحرير سعر الصرف، "حيث سنتبع سياسة سعر الصرف المرن المدار ليلائم وضعنا الحالي".

وأشار إلى الرغبة في التوافق مع السودانيين على برنامج اقتصادي، عبر وصفة اقتصادية تناسب السودان، موضحاً أن "الحكومة حين بدأت الحوار مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اتُفق على رفع الدعم عن سلعتين وإبقائه على 6 سلع، وعلى دعم الإنتاج وليس الاستهلاك". وأكد أن "السودان بلد غني بالموارد، ولا يحتاج إلى الهبات والعطايا، فالاعتماد الأساسي هو على مواردنا".

من جهتها، حددت وزارة المالية السودانية موجهات موازنة عام 2021 بتحقيق متطلبات ولاية وزارة المالية على المال العام بما في ذلك شركات القوات النظامية، ومراعاة الأولويات العشرة لحكومة الفترة الانتقالية، وتجهيز وتعزيز البيئة المؤسسية لاستعادة النمو الاقتصادي، ومعالجة القوانين التي تتعارض وتتقاطع مع ولاية وزارة المالية على المال العام، ورفع معدل الجهد المالي والضريبي في الناتج المحلي الإجمالي إلى المستويات الإقليمية ومعالجة التهرب والفاقد في العائد الضريبي وترشيد الإعفاءات الضريبية، والاهتمام بالإصلاح المؤسسي والاستفادة من الطاقات الكامنة في الاقتصاد السوداني بتوجيه التمويل المصرفي نحو القطاعات الإنتاجية، بخاصة القطاع الزراعي ورأس المال التشغيلي للمصانع.

المزيد من اقتصاد