Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فقدان "الدولار الطازج" يهدد الأمن الغذائي في لبنان

تراجع القدرة الشرائية بنسبة 80 في المئة وارتفاع مستويات التضخم إلى حدود 150 في المئة خلال عام

احتجاجات في طرابلس شمال لبنان رفضاً للأوضاع الاقتصادية الضاغطة (أ ف ب)

تشهد الأسواق في لبنان تهافتاً غير اعتيادي وعمليات شراء هيستيرية، خصوصاً على المواد الأساسية، فحالة الرعب من عدم اليقين السياسي والاقتصادي أرخت بثقلها على المواطنين الذين أصبح أكثر من نصفهم عاطلين من العمل بالتزامن مع تراجع قدرتهم الشرائية بنسبة 80 في المئة وارتفاع مستويات التضخم إلى حدود 150 في المئة خلال عام.

واقع مرير تضاف إليه مخاوف جديدة من تفلّت جنوني لسعر الصرف يجعل من المستحيل شراء الحاجات اليومية الأساسية، كما انقطاع أو نفاذ المواد في ظل إقفالات تامة امتدت لشهر وهددت بشكل مباشر استمرار تغذية سلاسل التوريد الغذائية.

ولمواجهة تطور كبير وخطير في انتشار وباء كورونا، وفي ظل وصول المستشفيات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى، فرضت السلطات اللبنانية إقفالاً عاماً مشدداً طال المصانع والمعامل من دون استثناءات، لتبدأ التحذيرات من إمكان مواجهة أزمة شح غذاء تضاف إلى شح الدولار وتهدد الأمن الغذائي للمقيمين في البلاد.

خسائر الصناعة المحلية بالملايين

أهم المخاطر التي تواجه الأمن الغذائي بحسب نقيب أصحاب الصناعات الغذائية في لبنان منير البساط، سواء عبر الصناعة الوطنية، أو عن طريق الاستيراد يتمثّل في إمكان تأمين العملة الصعبة أو ما أصبح يعرف حالياً بالدولار "الطازج" لتمويل مشتريات المواد الأولية اللازمة للصناعات الغذائية، أو المواد الاستهلاكية المستوردة، فضلاً عن المصاعب الحالية التي يفرضها الانتشار الكبير للوباء وسياسة الإغلاق التام من دون استثناء، ما ألحق ضرراً كبيراً بالقطاعات الصناعية اللبنانية، وأجبر هذه الأخيرة على التوقف أو تخفيض الإنتاج لعدم قدرتها على تأمين المواد الأساسية أو لتراجع الطلب ولو مرحلياً.

كما تجاهل قرار الإقفال كل الصناعات المُصدرة، ما حرم لبنان من المصدر الوحيد المتبقي (إضافة إلى تحويلات المغتربين) للعملة الصعبة التي نحن بأمس الحاجة إليها، ما تسبّب بخسارة نحو 10 إلى 15 مليون دولار يومياً بسبب توقف الصادرات، عدا الخسارة الناتجة من توقف الإنتاج التي تقدر أيضاً بحوالى 15 مليون دولار إضافية، في وقت رفعت جمعية الصناعيين اللبنانيين الصوت عالياً في وجه هذه القرار غير المدروس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حصة الإنتاج الغذائي المحلي من السوق

ويوضح النقيب بساط ألا إحصاءات دقيقة في هذا المجال، إلا أن أرقام الاستيراد العام انخفضت عام 2020 إلى حوالى 11 مليار دولار، وقدّرت الأرقام تراجع استيراد المواد الغذائية الاستهلاكية بحوالى 250 مليون دولار، تم تعويض أقل من نصفها من الصناعات المحلية، إضافة إلى حصتها الأساسية التي تقدّر بنحو 800 مليون دولار.

تحديات المرحلة المقبلة

وأهم التحديات في المرحلة المقبلة، إذا اعتبرنا أن الاقتصاد اللبناني، بما فيه القطاع الصناعي، استطاع تخطي أزمة وباء كورونا، يكمن في قدرة القطاع على توفير حاجاته التمويلية اللازمة لتأمين المواد الأولية الضرورية، ومعظمها بالعملات الأجنبية، وتمكّنه من الحصول على حاجاته التمويلية أيضاً للتوسع الرأسمالي لشراء خطوط إنتاج جديدة، أو صيانة وتحسين أداء الخطوط الموجودة حالياً من دون أن نتناسى المنافسة الشرسة التي تواجهها الصادرات اللبنانية في الأسواق الخارجية، التي صنّفت لبنان منذ بداية الأزمة الاقتصادية كبلد ذي مخاطر عالية، ما أثّر سلباً في علاقة الصناعي مع مورديه وزبائنه على حد سواء في الأسواق الخارجية، وتعتبر مبادرة Cedar Oxygen Fund بارقة الأمل الوحيدة المتوافرة حالياً لدى الصناعي اللبناني لمواجهة هذا الواقع.

أزمة غذاء؟

لا يتوقع النقيب منير بساط أزمة غذاء حادة في المدى القريب، خصوصاً في حال وافقت السلطات اللبنانية على إجراءات الفتح التدريجي للصناعات واستثنائها من الإغلاق في المستقبل، مع التشدد في الرقابة على التزام المصانع الاشتراطات المطلوبة.

وأخيراً، يشير بساط إلى أن غياب الأرقام الدقيقة للمخزونات المتوافرة وعدم الاستطاعة على توقع القدرة المستقبلية لتعويضها في حال استهلكت، وهو أمر يعاني منه الاقتصاد منذ زمن يعود إلى ما قبل انفجار الأزمة، ما جعل من لبنان خارج توقعات المنظمات الدولية التي تبحث في الأمن الغذائي.

المطلوب خطة طارئة

واعتبر نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أن ما يمرّ به لبنان من ظروف صعبة بدءًا من الأزمة المالية والاقتصادية والشح في العملات الأجنبية، وصولاً إلى الإقفال العام، وما يرافقه من إجراءات تحدّ من انسيابية الإمدادات الغذائية من المخازن إلى المستهلك، أرخى بثقله على القطاع وزاد من التحديات والصعوبات التي تواجهها الشركات المستوردة. وشدد على أن الأمن الغذائي للبنانيين لا يقلّ شأناً عن الأمن الصحي، ولا حتى عن الأمن بمعناه الأمني، لذلك المطلوب التعاطي مع هذا الملف بأهمية قصوى من خلال استراتيجية وطنية ورؤية متكاملة للحافظ على الأمن الغذائي للمواطنين. وعبّر بحصلي عن مخاوف جدية للحدّ من الانعكاسات السلبية في المدى المنظور على القطاع الغذائي تتمثّل في الآتي:

- التعقيد الحاصل في دورة الأموال في لبنان، لا سيما صعوبة الحصول على السيولة بالليرة والدولار، وصعوبة الحصول على الدعم، فضلاً عن إقفال المصارف في ظل الإغلاق العام مع تحديد يوم واحد في الأسبوع لعمليات المقاصة.

- انخفاض وتيرة الطلبيات مع إقفال السوبرماركت، ما يعني انخفاض وتيرة حصول الشركات المستوردة على الأموال التي تشكّل الوسيلة الوحيدة لإجراء عقود جديدة لشراء المواد الغذائية من الخارج.

- الخوف من حصول تهافت كبير على السوبرماركت ونقاط البيع بعد انتهاء فترة الإقفال، ما سيؤدي إلى ضغط كبير على المخزون، خصوصاً أن التجارب السابقة تظهر أن عمليات الشراء التي تتم في أسبوع توازي ما يتم استهلاكه في أكثر من شهر، فضلاً عن المخاطر من حصول تفشٍّ جديد للوباء.

وحذّر بحصلي من أن هذه العوامل مجتمعة ستنتج نقصاً في المخزون الغذائي إلى نحو النصف، أو أكثر، خصوصاً أن الفترة المحددة لإجراء الطلبيات الجديدة لشراء المواد الغذائية ووصول هذه السلع من مصدرها إلى لبنان بحاجة لحوالى ثلاثة أشهر.

ولكن، وعلى الرغم من ضيق السبل، رأى بحصلي أن الإيجابية الأبرز التي قد تحدّ من أي أزمة غذاء مستفحلة مستقبلاً تتمثّل في حجم تحويلات المغتربين إلى لبنان، التي قدّرها البنك الدولي بحدود سبعة مليارات دولار وهي كفيلة بالحفاظ على سلاسل الإمدادات، ولو أن بعض الأصناف قد تفقد، إلا أن إمكان استبدالها بأخرى ستبقى قائمة وممكنة.

المزيد من اقتصاد