يعارك السوري أبو إبراهيم حياة الخيام القاسية للحصول على قوت يومه، أو ما يسد رمق عائلته المؤلفة من أربعة أطفال، بعدما اضطر إلى الرحيل من قريته في ريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى مخيم مشهد روحين الواقع بين مدينة سرمدا بريف إدلب وبلدة قاح، والقريب من الحدود التركية.
يروي بكثير من الحسرة والألم صعوبة الحصول على الغذاء وكفاف يومه وعائلته، لا سيما بعد ما ألمّ به نتيجة تعرّضه لإصابة أدّت إلى بتر أصابع يديه، وبات من عداد المتضررين من دون عمل، "خمسة أيام لا نأكل سوى الخبز والماء، نعيش يومنا ولا نعلم هل نموت من الجوع أو من البرد".
خوف من القزامة وانتشارها
واقع المهجر أبو عمار يشبه أحوال كثير من السوريين في مخيمات الشتات، هناك من يفترش الأرض ويلتحف السماء صيفاً، بينما لا تردّ خيام اللجوء الرقيقة البرد القارس والداهم طوال فصل الشتاء، يغرقون بما فيها بوحل الحرب والجوع.
في المقابل، صنع الفقر المدقع ما صنعه بهؤلاء، ليظهر حالات من مرض القزامة في مخيمات الشمال السوري بشكل غير مسبوق ومتزايد.
من جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن قلق يساورها في آخر إحصاءاتها، إثر زيادة في نسب الإصابة بحالات التقزّم، عازيةً السبب المباشر إلى كارثة سوء التغذية، وإصابة ما نسبته 34 في المئة من أطفال شمال غربي سوريا بتلك الحالات بزيادة خمس في المئة.
وبحسب الوكيل العام للشؤون الإنسانية الأممي مارك لوكوك، "فإن واحداً من كل ثلاثة من الأطفال دون سن الخامسة شمال غربي سوريا يعانون من التقزّم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى وجود حوالى 37 في المئة من الأمهات في مناطق النزوح يعانون أيضاً الأمر من سوء التغذية. كما أشارت دراسات أممية إلى وجود 80 في المئة من سكان المنطقة ذاتها، ليس بمقدورهم تغطية حاجاتهم الأساسية إثر ارتفاع الأسعار التي تفاقمت عقب الإغلاق الشامل بسبب كورونا وغلاء المحروقات".
في الخيام الحياة لأجل الموت
في غضون ذلك، يخالج النازحون الخوف من نمو بطيء يصيب أطفالهم الصغار، إذ لاحظت العائلة القاطنة في الخيام، التي تعاني من سوء في الرعاية الصحية والغذائية تراجع النمو، علاوة على عدم قدرة أرباب الأسر تغطية النفقات المرتفعة لتكاليف الحياة وتكبّدهم الأعباء المتزايدة، لا سيما غلاء المحروقات والخبز والطحين وشح في تأمين حليب الأطفال وارتفاع ثمنه.
وقالت منظمة "أنقذوا الأطفال"، إن عدداً غير مسبوقٍ من الأطفال في سوريا يعانون في الوقت الراهن من ارتفاع معدلات سوء التغذية، محذرةً من تعرّض 700 ألف طفل سوري لخطر الجوع نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي وتفشي فيروس كورونا.
وأفادت إحصاءات جديدة للمنظمة بأن عدد الأطفال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد قد ارتفع إلى أكثر من 4.6 مليون.
في السياق ذاته، يرى الناشط في المجال الإغاثي فادي حاج حسين أن ما زاد الأمر سوءاً، وجود بطالة تسري بين الرجال والشبان القادرين على العمل، وهم بحاجة لذلك ويطلبونه بشدّة لسدّ حاجاتهم وتأمين الغذاء. وأضاف "هذه البطالة ومضاف إليها ارتفاع الأسعار وتكاليف الحياة جعلت الأمور في أسوأ أحوالها بالنسبة إلى العائلة التي تطلب الغذاء، بالتالي لا تمتلك ثمنه، على الرغم من وجود مساعدات على مستوى ضيق".
ويروي الناشط الإغاثي قصصاً عن عائلات لم تتذوق طعم الفاكهة منذ أشهر. من جهة ثانية، تبدلت العادات الغذائية في واقع مائدة "خيمة النزوح"، حيث لم تعرف اللحوم الحمراء والبيضاء طريقها إلى جوف الفقراء واللاجئين، مكتفين بغذاء البرغل والخبز والحساء فقط، عدا عن وجود ما يقارب 46 ألفاً من النساء الأرامل واللواتي ليس لديهنّ معيل.
إنقاذ الأطفال واجب إنساني
في المقابل، يوضح الطبيب والناشط في المجال الإغاثي الدكتور عبد السلام ضويحي أن المساعدات الدولية المقدمة تبقى خجولة، منوهاً إلى دور المنظمات الإغاثية مثل "ملهم" و"الاستجابة الطارئة" و"بنفسج" و"عطاء".
وتتابع المنظمات الإغاثية عملها، بالرغم من الصعوبات الكبيرة والتحديات، إذ بلغ عدد المخيمات المنظمة 1293 في أحدث إحصاء بحسب فريق "منسقي الاستجابة" في سوريا.
ويرى الدكتور ضويحي "أن الحاجة الغذائية كبيرة وعلى الرغم من عمل المنظمات الإغاثية، وعدم توقفها إلا أنها تبقى غير قادرة على تغطية الحاجات المتزايدة، لا سيما في مجالَي الغذاء والصحة".
الحامل والتغذية
بلغ عدد الأطفال دون الخامسة من العمر في المخيمات 695 ألفاً، ويلفت الدكتور ضويحي أن صحة الطفل مرتبطة بشكل كبير بتغذية الأم خلال فترة الحمل، فالحامل بحاجة إلى برنامج غذائي متوازن وغني بالفيتامينات، والكثير من الدراسات تشير إلى أن سوء التغذية خلال فترة الحمل يؤدي إلى مشكلات صحية لدى الجنين، قد تؤثر في الهيكل العظمي ونموّه وحجمه وقد تصل في بعض الأحيان إلى تشوهات خطيرة.
ويضيف "ولعل أبرز الآثار السلبية لسوء التغذية سواء خلال فترة الحمل أو خلال السنوات الأولى من عمر الطفل نراه واضحاً من خلال انتشار القزامة عند الأطفال التي وصلت نسبتها إلى أكثر من الثلث بين هؤلاء في الشمال السوري".
من جهته، كشف الاتحاد الأوروبي عن إسهامه بـ 7.5 مليون يورو في برنامج منظمة الأمم المتحدة للطفولة ("يونيسف") لدعم الأطفال والأسر الأكثر ضعفاً في سوريا، وقال مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات جانيز ليناريتش في بيان له في 29 كانون الأول الماضي، "بعد ما يقارب العقد على بدء الصراع في سوريا، يحتاج الأطفال الأكثر ضعفاً في البلاد إلى دعمنا أكثر من أي وقت مضى".