"تجمّع المهنيين السودانيين" الذي يقود الاحتجاجات في السودان يحظى بثقة الناشطين والمتظاهرين على نحو بجعلهم يقررون التظاهر بناءً على طلبه، رغم أنهم لا يعرفونه لعدم بروز قيادته، حتى وصفه نظام الرئيس المعزول عمر البشير بـ "الشبح الإلكتروني".
في السودان أكثر من 100 حزب سياسي بين معارض وموالٍ للحكومة، لم يكن أي منها المحرك الرئيس للشارع خلال الاحتجاجات التي استمرت أكثر من 4 أشهر، إذ نجح البشير طوال ثلاثة عقود في إخماد أصوات المعارضة أو تشتيت رموزها، لكن "تجمع المهنيين السودانيين" تمكن من كسر الطوق ليقود الاحتجاجات ضد النظام.
"شيطنة التجمّع"
وظل نظام البشير يشنّ حملات إعلامية ضد "تجمع المهنيين" ويتهمه بالعمالة لمصلحة "جهات خارجية" وتلقي دعم أجنبي والخضوع لقوى اليسار والحزب الشيوعي، لكن ذلك لم يمنع آلاف السودانيين من الالتفاف حوله وتأييد مطالبه بالتغيير.
ويُحسب للتجمّع أنه حوّل احتجاجات عنيفة غذتها طوابير أزمة الخبز والوقود والنقود وصاحبتها أعمال عنف أودت بحياة عشرات وتسببت بجرح مئات، إلى تظاهرات سلمية ذات بُعد سياسي، هدفها تنحي البشير الذي حكم البلاد ثلاثة عقود.
على الرغم من أن تأسيسه ليس وليد الاحتجاجات الأخيرة التي سطع نجمه فيها، فإن "تجمّع المهنيين السودانيين"، من غير قادة معروفين بالنسبة إلى الشعب، تمكّن من حشد السودانيين للتظاهر ضد نظام البشير، ليكون الواجهة غير الحزبية للشارع المعارض.
كيان المهنيين
التف السودانيون حول كيان سري أطلق على نفسه "تجمع المهنيين السودانيين" الذي أُسس في العام 2013 بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد في سبتمبر (أيلول) من ذلك العام، إلا أن الإعلان الرسمي عنه كان في أغسطس (آب) 2018 في ظل تعتيم على أعضائه وهيئاته لأسباب أمنية.
وحدد "تجمّع المهنيين" ضمن أهدافه، إيجاد بديل للنقابات الرسمية التي كان يسيطر عليها النظام وإيجاد أداة لتنفيذ العصيان المدني والإضراب وسيلةً سلمية للتغيير السياسي.
ويحرص "التجمع" على الحفاظ على سرية نشاطه وتحركاته، وكذلك إخفاء معلومات المتصلة بالمنتسبين إليه خشية تعرضهم للإعتقال والملاحقة.
التأسيس
بدأ "تجمّع المهنيين" في العام 2016، بـ 8 تنظيمات، أبرزها تحالف المحامين الديموقراطيين، وشبكة الصحافيين السودانيين، ولجنة الأطباء المركزية، ولجنة المعلمين السودانيين، ولجنة البيطريين، ثم انضمت إليه تنظيمات أخرى.
ولا يسيطر على "تجمع المهنيين" لون سياسي واحد، إذ تنتمي قيادات تنظيماته إلى خلفيات سياسية وفكرية مختلفة.
وفي الداخل السوداني لم يتم الإعلان إلا عن الطبيب الشاب محمد ناجي الأصم ومحمد يوسف أحمد المصطفى الأستاذ في جامعة الخرطوم، ناطقَين رسميَين باسم التجمع ليتمّ اعتقالهما من قبل السلطات، فأمضيا أكثر من شهرين في المعتقلات. ويتحدث باسم "التجمّع" في فرنسا الصحافي محمد الأسباط، وفي بريطانيا الطبيبة سارة عبد الجليل، وفي واشنطن الصحافي صلاح شعيب، وآخرون.
أول تظاهرة نحو القصر
في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كانت الدعوة الأولى من "تجمّع المهنيين" للسير في تظاهرة نحو القصر الرئاسي "لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي البشير فوراً عن السلطة، استجابةً لرغبة الشعب السوداني وحقناً للدماء". واقترح "التجمّع" أنه إذا وافق البشير على التنحّي "فستتشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهمات محدّدة ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني".
وتعدّ مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، وسائل الإعلام الرئيسة التي يعوّل عليها شباب "التجمّع" في التواصل والتعبئة.
وتبدو الطريقة التي يدعو بها "التجمع" المتظاهرين "غريبة"، إذ يلتزم المحتجون الساعة المحددة للتظاهر على الرغم من عدم معرفتهم بالقادة الرئيسين للتحرك، وهذا ما يشير إلى ثقتهم بالجهة الداعية.
قيادة الشارع
يقول عثمان الطاهر أحد الأعضاء المؤسسين للتجمع إنه ليس لكيانهم هيكل تنظيمي مثل الأحزاب، إذ يستلهم قوته من "العمل الجماعي"، كما لا توجد إحصاءات مسجلة بعدد المنضوين في صفوفه، لأن القانون يحظر تشكيل نقابات مهنية مستقلة.
يضيف أنّ المشهد السوداني كان يفتقد قيادة سياسية، لأن القوى السياسية التي يُفترض أن تقود الحراك منقسمة على نفسها بين معسكري تحالف "قوى الإجماع الوطني" برئاسة فاروق ابوعيسى، وتحالف "قوى نداء السودان" بزعامة الصادق المهدي، وعليه كانت الغالبية في السودان تبحث عن قائد لتحقيق رغبتها في التغيير، وحينذاك قرر "تجمّع المهنيين" أن يتصدى لتعبئة الجماهير وأن يكون مركز العمل الشعبي.
وبعد تصاعد الاحتجاجات، دخل "تجمع المهنيين" في ائتلاف مع تحالفات معارِضة ضمت "قوى نداء السودان"، و"قوى الاجماع الوطني"، والتجمع الاتحادي، ومنظمات مجتمع مدني، تحت اسم "قوى الحرية والتغيير". ووقعت هذه القوى ميثاقاً للعمل المشترك.
تجارب ثورتين
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم إبراهيم الكباشي أن "تجمع المهنيين"، يشبه "جبهة الهيئات" التي كانت تضم النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع التي لعبت دوراً بارزاً في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت حكم الرئيس السابق إبراهيم عبود في اكتوبر (تشرين الأول) 1964، والتجمع النقابي الذي قاد الاحتجاجات الشعبية والعصيان ضد حكم الرئيس السابق جعفر النميري الذي أدى إلى إسقاطه في أبريل (نيسان) 1985. ولفت الكباشي الى أن الاعتصام، الذي كان الفصل الاخير في حكم البشير، عبّأ الشارع في موعد تزامن مع ذكرى ثورة 1985.