خلال الأيام القليلة الماضية، واصل الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن اختيار أعضاء فريقه لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ليعلن بينهم تعيين بريت ماكغورك منسقاً لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي يعني عودة واحد من دعائم سياسات مكافحة الإرهاب في ثلاث إدارات أميركية متعاقبة، إذ شغل مناصب رفيعة عدة تتعلق بالمنطقة العربية في مجلس الأمن القومي، عبر إدارات جورج دبليو بوش وباراك أوباما وأخيراً دونالد ترمب.
عودة ماكغورك للشرق الأوسط تحمل رسائل عدة في شأن استمرار قضية مكافحة الإرهاب في المنطقة كأولوية ضمن أجندة الإدارة الأميركية الجديدة، بخاصة مع إعادة تمركز العناصر الإرهابية في أنحاء من المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تبعث برسائل مقلقة لأنقرة، تتعلق بسياسات الرئيس التركي ضد الأكراد، واستخدام المرتزقة من العناصر المتطرفة داخل سوريا في بقاع أخرى.
مكافحة الإرهاب
لعب ماكغورك دوراً بارزاً طوال سنوات عمله في مجلس الأمن القومي الأميركي لدى ثلاث إدارات، جمهوريتين وديمقراطية، لذا تأتي عودته للمنطقة مؤشراً إلى المهمة التي يرغب بايدن استكمالها في الشرق الأوسط.
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" قال مستشار شؤون الأمن القومي السابق لديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، جون هانا، "لا شك أن الحاجة إلى منع ظهور تنظيم "داعش" ستظل مصدر اهتمام كبير لإدارة بايدن وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
وأضاف هانا، "لقد كرس بريت ماكغورك سنوات عدة من حياته لهذه المهمة، وله علاقات عميقة مع جميع الأطراف المعنية، خصوصاً في العراق وبين أكراد سوريا. بالنظر إلى هذا التاريخ، ليس لدى ماكغورك أية نية في أن يكون المسؤول الذي سمح بعودة "داعش"، لذا فإن القتال للقضاء على التنظيم الإرهابي سيظل بلا شك مجالاً للتركيز من قبله وفريق بايدن".
صدام محتمل
بالعودة إلى تاريخ ومواقف ماكغورك، يمكن توقع صدام محتمل بين واشنطن وأنقرة عندما يتعلق الأمر بسوريا، إذ أشرف الدبلوماسي الأميركي سابقاً على تشكيل التحالف العسكري متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة ضد "تنظيم داعش" في العراق وسوريا منذ العام 2015، في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ومنصبه حتى ديسمبر (كانون الأول) 2018 عندما استقال، في قرار عدّه البعض احتجاجاً على قرار الرئيس ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا.
وعندما نفذ الرئيس المنتهية ولايته قراره مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أعقب ذلك غزو عسكري تركي للمنطقة لتطهيرها من وحدات حماية الشعب الكردية التي يعتبرها أردوغان عدواً لبلاده، وانتقد ماكغورك القرار الأميركي. وغرد وقتها عبر "تويتر" قائلاً، "إن تعامل ترمب مع الأكراد يظهر جهلاً بالقيم الأميركية واللياقة الإنسانية والكرامة"، واتهمه بـ "الدعوة لنزوح جماعي للأكراد إلى الصحراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العلاقة الوثيقة بين ماكغورك والأكراد، الذين شكلوا حليفاً رئيساً لواشنطن في حربها ضد داعش، حين كانوا الركيزة في هزيمة التنظيم الإرهابي في سوريا، تشكل قلقاً خاصاً لتركيا. ففي تعليقه على تعيين ماكغورك، غرّد يوسف إريم، رئيس تحرير قناة "تي.أر.تي" التركية، ذراع الدعاية الحكومية التركية التي تبث بالإنجليزية، قائلاً إن "تعيين رجل قال عنه وزير الخارجية التركي في الماضي إننا لا يمكن أن نعمل معه، وإعادته للمنطقة هو صفعة على الوجه".
ووصف إريم في تغريدة أخرى الأمر، بأنه "مخزٍ"، مشاركاً تغريدة لأستاذ السياسة التركي على باكير، المقرب من النظام، يقول فيها إن تعيين ماكغورك يعني أن بايدن على الأرجح سيكون أسوأ من أوباما. وزعم أن "الآثار المترتبة ستكون صعود إيران ووحدات الشعب الكردية والحرس الثوري وظهور الجماعات المتطرفة لاستخدامها كمحفز في العلاقات الأميركية - الإيرانية، والفوضى في سوريا والعراق ومشكلات مع تركيا".
قلق أنقرة
وفي تصريحاته لنا، قال النائب البرلماني التركي السابق والمدير الحالي لبرنامج تركيا لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (مؤسسة بحثية في واشنطن) أيكان إردمير، إن تعيين ماكغورك في مجلس الأمن القومي الأميركي يثير قلق كل التنظيمات والفصائل القومية المتطرفة بالكتلة الحاكمة في تركيا على حد سواء. فبالنسبة إلى شركاء أردوغان في التحالف القومي المتطرف، الذين يعتبرون استعادة الحقوق السياسية والثقافية الكردية تهديداً وجودياً لأنقرة، فإنهم يرون ماكغورك عقبة محتملة أمام حملتهم للتهجير القسري والهندسة الديموغرافية شمال سوريا.
ويشير إلى أن إصرار ماكغورك على إبقاء القوات الأميركية شمال شرقي سوريا رادعاً لروسيا وإيران ونظام الأسد، يتعارض أيضاً مع خطط حكومة أردوغان للضغط على الأكراد السوريين للرضوخ لوجود ونفوذ النظام الروسي والإيراني والسوري بالمنطقة، حيث تأمل أنقرة بأن يقوض ذلك أية قدرة على الحكم الذاتي من قبل المجتمعات المضطهدة والمعرضة للخطر في شمال شرقي سوريا.
الالتزام الراسخ للدبلوماسي الأميركي بالقضاء على العناصر المتطرفة في الشرق الأوسط وخارجه، سبب آخر يجعل ماكغورك مكروهاً لدى الفصيل المتطرف الذي يقوده أردوغان، بحسب النائب التركي السابق.
ويقول إن فهم الأول العميق لديناميكيات سوريا والتشدد بجميع أشكاله يجعله شخصاً مشبوهاً لدى أنقرة، إذ إن حكومة الأخير لديها وعي جيد بأن نقاط الحديث المعتادة لن تكون فعالة ضد مسؤول أميركي يفهم الوضع جيداً.
وكان ماكغورك صريحاً وعلنياً في انتقاداته لتركيا من جهة عدم تأمين حدودها الجنوبية الشرقية التي شكلت الممر الأساس لتسلل المتطرفين الأجانب إلى سوريا للانضمام لتنظيم "داعش" في بداية الصراع، حيث ارتكب جرائم إبادة جماعية بحق الأقليات الدينية والعرقية في العراق وسوريا.
يقول إردمير، "لم تتضمن سياسة ماكغورك اليقظة ضد عودة داعش وحسب، ولكن أيضاً ضد المتشددين الآخرين، الذين لجأ بعضهم إلى الحكومة التركية وحظوا بدعمها"، مشيراً إلى أن وكلاء أنقرة من المتطرفين قاموا بحملة تهجير قسري للسكان الأصليين في عفرين.
التهديد الإيراني
على الرغم من الأولوية التي تعطيها إدارة بايدن لملف مكافحة الإرهاب في المنطقة، لكنها ربما تتراجع عما كانت عليه قبل بضع سنوات، مع حاجة واشنطن إلى التركيز على الأنشطة الإيرانية والنفوذ الروسي والصيني المتصاعد، ويتبين ذلك في اختيارات الإدارة المنتخبة هذا الأسبوع، إذ ستشغل ويندي شيرمان، التي كانت مفاوضاً رئيساً خلال الاتفاق النووي مع إيران العام 2015، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية خلال إدارة أوباما، منصب نائب وزير الخارجية. كما تم تعيين فيكتوريا نولاند، مساعدة وزيرة الخارجية السابقة للشؤون الأوروبية والآسيوية التي قادت الرد الدبلوماسي لإدارة أوباما على الغزو الروسي لأوكرانيا، في منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسة، لتكون ثالث أعلى مسؤول في وزارة الخارجية.
ويقول هانا، إن الجهد المبذول للتعامل مع التهديد الإيراني للمنطقة، لا سيما في ما يتعلق ببرنامجها النووي الآخذ في التوسع، أصبح مصدر قلق أكثر إلحاحاً من مكافحة الإرهاب لدى صانعي السياسة الأميركية.
ويضيف، "المنافسة بين القوى العظمى والجهود المبذولة لاحتواء النفوذ الخبيث لكل من الصين وروسيا، ليس فقط على مستوى العالم، ولكن في الشرق الأوسط، يعد أولوية متزايدة للمسؤولين الأميركيين".
ويرى مستشار الأمن القومي السابق لنائب بوش، أنه من المرجح أن تُمنح أولوية قصوى لاغتنام الفرص التاريخية المتاحة الآن لتوسيع العلاقات بين إسرائيل والدول المؤثرة في العالم العربي، وكذلك الاستفادة من هذا التقدم لتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع الفلسطيني.
ويعتقد أن تسليط الضوء على المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في المنطقة، بما في ذلك لدى أصدقاء الولايات المتحدة، وكذلك محاولة تعزيز التسويات السياسية للصراعات في اليمن وليبيا وسوريا، ستحظى باهتمام أكبر في عهد بايدن مما كانت عليه إبان سنوات حكم ترمب، وستكون جميعها عناصر مهمة في محفظة ماكغورك.