لم يسبق أن تمت محاكمة أي رئيس أميركي مرتين أو خلال أيامه الأخيرة في المنصب، ولم يُعزل أي رئيس على الإطلاق أو يدينه مجلس الشيوخ، لكن يبدو أن الرئيس الحالي دونالد ترمب سوف يدخل التاريخ من باب سيئ السمعة، حيث يقترب مجلس النواب الأميركي بأغلبيته الديمقراطية من مساءلته وتوجيه اتهامات له بالتحريض على اقتحام الكونغرس خلال الأسبوع المقبل، ليصبح بذلك أول رئيس في التاريخ توجه له مرتين اتهامات بقصد عزله، وأول رئيس يُحاكم خلال أسبوعه الأخير في الحكم، وقد يكون أيضاً أول رئيس يدينه مجلس الشيوخ بعد محاكمته، حتى لو استمرت المحاكمة إلى ما بعد انتهاء ولايته، وهو ما قد يمنع ترشحه للرئاسة في المستقبل، فما هي مواقف المشرعين وأصحاب القرار في الكونغرس من هذه الخطوات؟ وما إجراءات وتوقيتات هذه العملية؟ وهل سيقف الجمهوريون إلى جانب الديمقراطيين لإدانة ترمب؟
الزخم يتزايد
بينما كانت حالة الاضطراب تتصاعد في البيت الأبيض، مع عدم قدرة الرئيس ترمب على التواصل عبر "تويتر" ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، كان الزخم لعزله للمرة الثانية يتزايد بسرعة بين أعضاء الكونغرس الديمقراطيين وبعض الجمهوريين في ظل ظرف استثنائي تتولد عنه أسئلة سياسية ودستورية وإجرائية، نادراً ما كانت تُطرح طوال التاريخ الأميركي.
وفي حين يسارع الديمقراطيون الخُطى لصوغ اتهامات العزل، حسبما أعلن النائب الديمقراطي تيد ليو، الذي أوضح أنها قد تطرح بدءاً من يوم الاثنين، فإن الدستور يتيح للمشرعين في مجلس النواب توجيه التهم والمضي مباشرة إلى المناقشة والتصويت في غضون أيام قليلة، بخاصة وأن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس النواب، ولا يحتاجون سوى لأغلبية بسيطة يمتلكونها في المجلس، من أجل إقرار الاتهامات وتحويلها بسرعة إلى مجلس الشيوخ للمحاكمة، حتى لو لم ينضم إليهم أي عضو جمهوري في المجلس، وبذلك تكون المساءلة وتوجيه الاتهامات في مجلس النواب الذي يقوم بدور الادعاء قد انتهت، لكن ماذا سيحدث في مجلس الشيوخ؟
إجراءات أم طوق نجاة
يرى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، أن محاكمة ثانية تقترب للرئيس ترمب بتهمة التحريض على التمرد، لكن في مذكرة أرسلها إلى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، أوضح ماكونيل سبب عدم بدء محاكمة العزل على الأرجح إلا بعد مغادرة الرئيس دونالد ترمب منصبه.
ومن الناحية الإجرائية، ليس من المقرر أن يجتمع مجلس الشيوخ مرة أخرى للعمل الدوري الأساسي حتى 19 يناير (كانون الثاني)، وعلى الرغم من أن المجلس سوف يعقد جلسات شكلية مرتين يومي الثلاثاء والجمعة المقبلين، إلا أنه لا يمكنه القيام بأي عمل أساسي مثل إجراءات محاكمة الرئيس أو غيرها من الأعمال الجوهرية في تلك الأيام، إلا في حالة واحدة فقط هي موافقة جميع أعضاء مجلس الشيوخ المئة بالإجماع على ذلك، وبالنظر إلى أن ترمب لا يزال لديه عدد من الحلفاء في مجلس الشيوخ، يبدو الأمر مستبعداً للغاية.
وحسب ماكونيل، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً لن يؤدي إلى محاكمة ترمب في مجلس الشيوخ في الوقت السابق على خروجه من الحكم، فإذا انتهى مجلس النواب من توجيه اتهامات عزل الرئيس، فهذا يعني أن مجلس الشيوخ سيتلقى الإخطار رسمياً في 19 يناير، حيث يمكن لمجلس الشيوخ بعد ذلك دعوة مديري الاتهامات الذين تختارهم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب لتقديمها في نفس اليوم، غير أن القواعد المتبعة في مجلس الشيوخ حول إجراءات محاكمة الرئيس أو أي مسؤول فيدرالي، تقضي بعرض مواد الاتهام لمناقشتها في مجلس الشيوخ في اليوم التالي الساعة 1 ظهراً، أي بعد خروج ترمب من السلطة بساعة حيث تنتهي ولايته رسمياً الساعة 12 من ظهر يوم 20 يناير.
إنقاذ الحزب الجمهوري
وإذا ما وجد السيناريو السابق طريقه للتطبيق على أرض الواقع، يكون الرئيس ترمب قد نجا من عزله في مجلس الشيوخ خلال فترة حكمه أي قبل ظهر 20 يناير، بما يجنب الجمهوريين التفسخ والتشرذم، بسبب اختلاف مواقفهم تجاه قضية عزل ترمب بين مؤيد ومعارض، وتباين مواقف كثيرين منهم مع سياسات ترمب، فضلاً عن رغبة كثير من الأعضاء الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب في عدم التباين مع قواعدهم الشعبية، التي انتخبت ترمب في الانتخابات الرئاسية الماضية وبلغ عددهم 74 مليون ناخب.
ويعزز تصور الجمهوريين الحذِر تجاه فكرة عزل ترمب، تقارير صادرة من مراكز استطلاعات للرأي تشير إلى أن نسبة الأميركيين الذين قالوا إن ترمب يجب أن يترك منصبه في أقرب وقت ممكن بدلاً من الاستمرار 12 يوماً المتبقية من ولايته، يتجاوز النصف بقليل، في حين أيد المحاكمة والعزل نحو ربع عدد الأميركيين.
إدانة الحزبين
وعلى الرغم من أن المساءلة التي تنتهي بتوجيه اتهامات للرئيس في ظل سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، تعد أوضح طريقة يسجل بها الكونغرس إدانة سلوك ترمب وتصرفاته، إلا أن مشاركة الجمهوريين إلى جانب الديمقراطيين في التصويت بنعم على توجيه الاتهامات للرئيس ترمب، سيكون له أثر إيجابي كبير، لكن الخطر يكمن في أن عديداً من المحافظين والجمهوريين المؤيدين لترمب سيفسرون إجراءات العزل على أنها حزبية وسياسية، وليست نتيجة خطأ ارتكبه ترمب، ولهذا فإن إدانة الحزبين لتصرفات الرئيس سيكون لها تأثير أوسع من قرار اتهام ديمقراطي بحت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل انضمام السيناتور الجمهوري باتريك تومي إلى عديد من الجمهوريين في الكونغرس، يكون أمراً مشجعاً للدفع في طريق جمع عدد أكبر من الجمهوريين الراغبين في رحيل ترمب عن المشهد السياسي عقب كارثة اقتحام الكونغرس، بما في ذلك السيناتور ليزا موركوفسكي، التي أعربت عن دعمها لاستقالة ترمب يوم الجمعة، والنائب آدم كينزينغر، الذي دعا نائب الرئيس مايك بنس والحكومة إلى إقالة ترمب باستخدام التعديل الخامس والعشرين من الدستور، فضلاً عن السيناتور بن ساسي، الذي قال إنه سينظر في فقرات الاتهام التي سيوجهها مجلس النواب.
وفي حين تتزايد أعداد الجمهوريين المؤيدين لرحيل ترمب عن السلطة، إلا أن الصورة الكاملة لم تتضح، بخاصة في مجلس الشيوخ الذي سيحسم قضية إدانة الرئيس.
سيناريو مختلف
ومع ضبابية المشهد في مجلس الشيوخ، ظهرت إحدى النظريات التي تجري مناقشتها حالياً، وتقترح أن يحدد مجلس النواب الاتهامات ضد الرئيس ترمب مع الاحتفاظ بفقرات الاتهام بضعة أيام إلى حين تولي الديمقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ يوم 20 يناير، بعد أن يؤدي جو بايدن اليمين الدستورية ويتولى السلطة، وحينذاك يصبح السيناتور تشاك تشومر زعيماً للأغلبية الديمقراطية بما يؤهله للقيام بدور ماكونيل السابق المؤثر.
وحينئذ يمكن إجراء محاكمة مجلس الشيوخ بعد مغادرة ترمب لمنصبه، وفي هذه الحالة سوف يحتاج الديمقراطيون وعددهم 50 عضواً إلى دعم ومساندة 17 عضواً آخرين حتى يكتمل النصاب القانوني اللازم لعزل الرئيس، وهو 67 عضواً يمثلون نسبة ثلثي مجلس الشيوخ. وإذا أدين ترمب في نهاية المطاف، يمكن لمجلس الشيوخ التصويت لمنعه من تولي المنصب الرئاسي مرة أخرى.
منع إعادة الترشح
ينص الدستور على أن مجلس الشيوخ يمكنه النظر في عدم أهلية أي مسؤول فيدرالي لتولي أي منصب يتعلق بالشرف أو الثقة أو الربح في الولايات المتحدة حال إدانته بعد محاكمته في المجلس، وفي هذه الحالة يتطلب الأمر أغلبية بسيطة فقط من أعضاء مجلس الشيوخ للموافقة على رفع الأهلية عن ترمب، الذي يفكر في ترشيح نفسه مرة أخرى للمنصب الرئاسي عام 2024، وهو ما يكتسب جاذبية وتأييداً، ليس فقط بالنسبة إلى الديمقراطيين، ولكن أيضاً لعديد من الجمهوريين الذين يتطلعون إلى ترشيح أنفسهم للمنصب الرئاسي عام 2024.
في حين أنه قد يبدو من غير المجدي عزل رئيس بينما يوشك على ترك منصبه، فقد تكون هناك عواقب حقيقية على ترمب تتجاوز وصمة عار سجله، حيث يبحث المشرعون أيضاً في بند من بنود العزل في الدستور، يمكن أن يسمح لهم بمنع ترمب من تولي منصب فيدرالي مرة أخرى.
مسارات غير واعدة
ولكن إذا كان الهدف لدى كثيرين عملياً، هو الإطاحة بالرئيس ترمب من منصبه قبل أن يتمكن من إحداث مزيد من الضرر، فإن التوقعات ليست واعدة، إذ ليس من المرجح أن تنجح أي من المسارات القانونية المطروحة قبل 20 يناير الجاري، مثل محاكمته في مجلس الشيوخ، أو تفعيل التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأميركي، الذي يسمح لنائب الرئيس مع أغلبية الحكومة طلب عزل الرئيس بدعوى عدم صلاحيته لحكم البلاد.
ومع ذلك، فإن عزل ترمب من وظيفته كرئيس قبل أيام قليلة من خروجه، ليس السبب الوحيد لتحرك الديمقراطيين وعدد من الجمهوريين، فهم يرون أنه لا ينبغي السماح لرئيس ينتهك القانون أن يتصرف بنوع من الحصانة، بعدما أمضى الرئيس أربع سنوات في تدمير القواعد الديمقراطية، ولهذا يجرب الجميع طرق كل السبل لإخراج ترمب بما فيها الاستقالة.
هل الاستقالة ممكنة؟
حث عدد من الجمهوريين البارزين، من بينهم ثلاثة حكام وعضو في مجلس الشيوخ الأميركي، ترمب على الاستقالة، على اعتبار أنه الخيار الوحيد المتاح الأكثر كرامة في الأيام الأخيرة للرئيس.
وعلى الرغم من أن البعض يراهن على أصدقاء الرئيس الذين يمكنهم أن يقدموا له أسباباً عملية للاستقالة من قبيل أنه يدمر مستقبله السياسي ويزيد من احتمال تعرضه مع عائلته للمحاكمة، إلا أن ترمب يرفض الفكرة حسب مقربين منه، لأن الاستقالة ستتطلب منه الاعتراف بأنه أخطأ، وهذا أمر لم يفعله أبداً عن طيب خاطر.
التعديل 25
وبدا أن المسار الثاني المتعلق بالتعديل الخامس والعشرين من الدستور، الذي ينص على عزل الرئيس من السلطة إذا كان غير قادر على القيام بواجباته، أكثر تعقيداً مما يبدو، فقد صُمم لحالات العجز الصحي وليس بسبب سوء التصرف والسلوك، كما أن القيام بتفعيل هذا التعديل الدستوري يتطلب من نائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة المبادرة بتقديم طلب كتابي للكونغرس لعزل الرئيس، وهي خطوة سياسية محفوفة بالمخاطر بالنسبة إليهم.
ومع ذلك، أشار مقربون من مايك بنس وعدد من الوزراء في الحكومة، أن تفعيل التعديل 25 قد يحدث، ولكن فقط إذا أقدم ترمب على فعل عمل مضطرب يعرض الأمة الأميركية للخطر.