Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الناقلة الكورية والدبلوماسية العسكرية الإيرانية

الإجراء الذي نفذه حرس الثورة يصب في سياق تعميق الجراح في جسد الدبلوماسية وإدارة روحاني لملف العلاقات الدولية

رسالة حرس الثورة إلى حكومة روحاني مفادها أنني هنا (رويترز)

يقول محسن أمين زادة، الدبلوماسي الإيراني الإصلاحي المخضرم، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، إنه "إذا كانت الحكومة ووزارة الخارجية تتوليان مهمة قيادة السياسة الخارجية الإقليمية، فمن الممكن أن تكونا قادرتين على تعطيل انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق النووي، لكن إدارة السياسة الخارجية الإقليمية في حكومة أحمدي نجاد خرجت كلياً من دائرة وزارة الخارجية، بحيث أن المسائل المتعلقة بالمنطقة، ومن ضمنها المواجهة مع "داعش"، لم تكن تدار دبلوماسياً، وهذا الأمر استمر عملياً على نحو ما في حكومة حسن روحاني".

هذا التصور الذي يقدمه أمين زادة عن دور الدبلوماسية الإيرانية ومهمات الحكومة في إدارة الملفات الحساسة للدولة الإيرانية، يجد كثيراً من المصداقية عبر الأحداث التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط ومناطق النفوذ الإيراني ومياه الخليج خلال السنوات الثلاث الماضية، بعد قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي. من أزمة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق، ولجوء القوات البحرية في حرس الثورة إلى تنفيذ إنزال بحري على ظهر ناقلة ترفع العلم البريطاني في مياه الخليج، واقتيادها إلى ميناء بندر عباس، ورفض إطلاقها قبل التوصل إلى تسوية حول نقّالتها المحتجزة في مضيق جبل طارق، إلى استهداف بعض الناقلات التابعة لعدد من الدول الأخرى، ومن بينها ناقلة كورية تحمل مشتقات نفطية إلى اليابان في يونيو (حزيران) 2019، في الوقت الذي كان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يتهيأ لعقد لقاء مع المرشد الأعلى للنظام الإيراني، فضلاً عن دبلوماسية الألغام البحرية وتفجير ناقلات النفط التي وقعت بالقرب من ميناء "الفجيرة" في مياه بحر العرب، التي اعتمدها حرس الثورة لإيصال رسائل النظام إلى المجتمع الدولي.

معركة بين تيارين

الخطوات الأمنية والتصعيدية التي شهدتها مياه الخليج ومضيق هرمز، خصوصاً عام 2019، والتي قامت بها القوات البحرية لحرس الثورة، جاءت في سياق المعركة الداخلية بين السلطة التنفيذية التي يترأسها روحاني ومعه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وما يمثلانه من تيار يتمسك بالحوار والانفتاح على المجتمع الدولي، وحتى التفاوض مع الإدارة الأميركية من أجل الخروج من عنق الزجاجة السياسية والاقتصادية الناتجة من العقوبات والحصار الأميركي، وبين تيار يرفض التفاوض ويعمل على إفشال كل المساعي السياسية والدبلوماسية لأهداف تصب في إطار تعزيز سلطته وتسلطه وسيطرته على مفاصل القرار في النظام والمنظومة السياسية والدبلوماسية للدولة. ولعل في ما حدث على هامش زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران في فبراير (شباط) 2019، ولقائه المرشد الأعلى والبروتوكولي مع الرئيس روحاني، والتي انتهت بتقديم وزير الخارجية ظريف استقالته احتجاجاً على استبعاده من تفاصيل هذه الزيارة، خير مؤشر على عمق هذا الصراع، وعلى دور المؤسسة العسكرية على حساب الإدارة الدبلوماسية، ودليل إضافي على تجليات الأزمة التي تحدث عنها أمين زادة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دبلوماسية احتجاز السفن، وإيصال رسائل بحرية إلى بعض الدول التي تتهمها إيران بعدم الالتزام بتعهداتها المالية والاقتصادية، واحتجاز أموال من عائدات شرائها النفط الإيراني، عادت إلى الواجهة مع احتجاز الناقلة الكورية الجنوبية التي انطلقت من ميناء الجبيل السعودي محملة بنحو 7200 طن من الإيثانول، بذريعة تسببها بتلويث مياه الخليج بما يضر بالبيئة البحرية، وهي على غرار الذريعة التي استخدمتها طهران في احتجاز الناقلة البريطانية، والخطر الذي تسببت به لبعض قوارب الصيد بالقرب من مضيق هرمز.

هذه الخطوة قد تشكل ورقة ضغط في يد النظام الإيراني على الحكومة الكورية من أجل الحصول منها على موقف إيجابي يساعد في حصول طهران على الأموال المحتجزة والمجمدة في المصارف الكورية، التي تراوح بين 7 و8.5 مليار دولار، بحسب اختلاف الروايات الإيرانية في شأن حجمها وقيمتها، والخروج من حال الانتظار والتوقع التي استمرت أكثر من ثمانية أشهر أمام الوعود الكورية بإطلاقها وتسليمها إلى إيران.

جراح في جسد الدبلوماسية

الإجراء الإيراني الذي نفذته وحدة ذوالفقار التابعة لمنطقة العمليات الأولى للقوات البحرية لحرس الثورة في ميناء بندر عباس، يصبّ في سياق تعميق الجراح في جسد الدبلوماسية الرسمية، وإدارة روحاني لملف العلاقات الدولية، فهي تتزامن مع الحديث عن زيارة من المفترض أن يقوم بها مساعد وزير خارجية كوريا الجنوبية إلى طهران لبحث موضوع مستقبل العلاقات الثنائية والأموال المجمدة، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية والاستثمارات الكورية في القطاعين النفطي – الغازي والصناعي، في إطار التحضيرات الإيرانية والدولية لمرحلة ما بعد عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، ووعود التزامها بشروطه في رفع العقوبات التي تضمنها قرار مجلس الأمن رقم (2231) الراعي للاتفاق.

الخطوة التصعيدية لبحرية حرس الثورة تأتي في لحظة مفصلية من تصاعد التوتر بين طهران والولايات المتحدة، وفي ظل أجواء تتحدث عن إمكان قيام واشنطن في اللحظات الأخيرة من ولاية ترمب بعملية عسكرية ضد أهداف استراتيجية إيرانية، بينها منشآت نووية وقواعد عسكرية، والخوف من أن يؤدي ذلك إلى إشعال منطقة الشرق الأوسط، وإن خطأً في الحسابات الإيرانية قد يفتح الطريق ويقدم الذرائع لمثل هذا الانزلاق العسكري.

وعلى الرغم من الهدف الواضح لهذا العمل، للضغط على سيول من أجل تحريك ملف الأموال الإيرانية بشكل سريع، ووضع حد لسياسات المماطلة التي مارستها منذ إعلان واشنطن عودة العقوبات الاقتصادية، فإن الأبعاد غير المعلنة لهذه الخطوة قد تصب في سياقات أخرى، أبرزها أن النظام الإيراني يسعى إلى حل بعض الملفات المالية قبل دخول ولاية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن حيز التنفيذ الدستوري، وبالتالي إمكان أن تشكل هذه الملفات ورقة ضغط أميركية على المفاوض الإيراني، ومحاولة ابتزازه وإلهائه عن المطالبة بالشروط الاقتصادية للاتفاق النووي، على غرار ما حاولت طهران فعله مع الحكومة العراقية، والضغوط التي مارستها من أجل الحصول على بعض المستحقات المالية، وديونها المتراكمة والمجمدة جراء العقوبات.

ومن ناحية أخرى، تشكل الخطوة البحرية لحرس الثورة رسالة إلى حكومة روحاني، مفادها أن الضوء الأخضر الذي حصل عليه من المرشد الأعلى للتفاوض بهدف إلغاء العقوبات، لا بد أن يمر من تحت حِراب قوات حرس الثورة، مما يعني أن هذه المؤسسة، ومعها مؤسسات أخرى في النظام، تقف ويدها على الزناد لإطلاق رصاصة العرقلة لأية جهود تصب في مصلحة حكومة روحاني، قد تسهم في إعادة خلط الأوراق في معركة السباق إلى الانتخابات الرئاسية بعد نحو ستة أشهر، لمصلحة قوى يعتقد النظام وأحزابه المتشددة أنها استطاعت التخلص من التحدي الذي تشكله على عملية استعادة سيطرتها على السطلة التنفيذية، واستكمال إحكام قبضتها على مؤسسات الدولة الدستورية، إضافة إلى ما تحمله من رسالة إلى الدبلوماسية الإيرانية والدينامية التي مارستها في نزع فتائل المواجهات المتنقلة، بأن الهامش المسموح لمناوراتها السياسية لا يمكن أن يصل إلى الثمار المطلوبة من دون المرور بقوة الردع العسكرية التي تعتبر الأقدر، بحسب اعتقاد المؤسسة العسكرية وآليات عملها التاريخية، على تحقيق المكتسبات لإيران والنظام أكثر من قوة الردع الدبلوماسية. وإظهار عجز هذه الدبلوماسية عن تحقيق أي إنجاز أو تحصيل حقوق إيرانية منفردة، من دون دعم قوة الردع العسكرية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل