المكان هو المغرب، وتحديداً مدينة مكناس (شمال شرقي المملكة)، والتي تعني "المحارب" باللغة الأمازيغية، بناها السلطان المولى إسماعيل، وهو أحد حكام المغرب، وكان سلطاناً مغربياً من سلالة العلويين، حكم منذ العام 1672 حتى 1727. ومن أشد ما تفخر به المدينة هو مآثرها التاريخية "باب المنصور"، و"مربط الخيول"، و"جامع الزيتونة "، و"ساحة الهديم" و"سجن قارا".
وقال الكاتب عبد الكريم الفصال عن المدينة "إن أردتَ النصرَ فاخرج من "باب المنصور" (من الأبواب المنقوشة الكبيرة المشهورة، يُطل على ساحة الهديم النسخة المصغرة لساحة جامع الفناء)، واسمع حكاية "ساحة الهديم" وإن شئت اهمس في أذن صاحب الضريح يُنبئك عن "فِرساي" المغرب أو يُرشدك إلى "مربط الخيول" (مكان أثري كان قديماً يخصص للخيول).
وإن أحببتَ أن تتأكد فاقصد "باب البردعيين" (باب الردعيين أحد أشهر أبواب العاصمة الإسماعيلية)، وسَرِّج خَيلك، وشَمِّر نحو جبال زرهون ليخبرك أهلها والراقد في ضريحها عن حكايات مكناس، وإن لم تستطع فانْحُ نحو "وليلي" لِتُشنف سمعك وتنقش بصرك بحكايات الرومان وكيف سحرتهم مكناس.
أوصيك بالأدب... وإلا؟
وإن كنتَ راجعاً فاجعل خيلك ترتوي من "صهريج السواني" (أحد الصهاريج الكبيرة المملوءة بالماء والتي كانت قديماً مخصصة للقمح)، وانظر "سقاية" راقَتْكَ فَاْرْوِ عطشك منها. وإذا كنتَ تالياً للقرآن في ليلة خميسٍ، فَرتِّلْ سورة الكهف وأنت مارٌّ من "باب الخميس"، وإذا حضرت صلاة الجمعة فاْسْعَ من كل فجٍ عميقٍ من "المدينة القديمة"، واصطفَّ بجانب الناس في "جامع الزيتونة" (أشهر وأقدم مسجد بمكناس).
وأوصيك يا زائر مكناسة الزيتون بالأدب والخلق الجميل، وإياك وخَوارِم المُروءة، وإساءة التصرف، وإلا فاعلمْ أن "حَبْس قارا" ينتظرك.
بلا أبواب
هو السجن الوحيد في العالم بلا أبواب، بَناه السلطان المولى إسماعيل (سلطان مغربيّ من سلالة العلويين)، للخارجين عن القانون أو المعارضين لحكمه. وتُقدّر مساحة سجن "قارا" بعشرات الكيلومترات غير المعروفة بسبب التشعب تحت مدينة مكناس، ويعود تاريخ إنشائه إلى أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، ويوجد في القصبة الإسماعيلية (قصر الحكم) بمكناس قرب قبة السفراء.
السجن الغامض
سجن "قارا" يُعتبر بمثابة لغز حيّر الكثيرين من المحبين للاكتشاف وركوب المغامرة، يُقال إن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، ويُعَد واحداً من أكثر السجون غرابة وإثارة للرعب، وعلى الرغم من كل هذه القصص المرعبة الآن، فإنه أصبح مثار جذب هائل للسياح من أوروبا وأميركا إذ إن 95 في المئة من زوار مدينة مكناس يتجهون إلى السجن لمشاهدة الجزء المسموح به.
تسمية السجن
اختلفت الروايات حول تسمية السجن، وتقول بعض المصادر إن الاسم مأخوذ من لقب سجين برتغالي حصل من السلطان مولاي إسماعيل على وعد بتحريره، إذا نجح في بناء سجن يستوعب أكثر من 40 ألف سجين بينما تشير مصادر أخرى، (وهي ضعيفة) إلى أن هذه التسمية تعود إلى عهد الحماية، وتُفيد بأن رجلاً أقرع كان يحرس السجن في تلك الفترة، وارتبط اسم السجن به بمعنى أن "قارا" هي في الأصل "أقرع".
تصميم السجن
يُشير موقع وزارة الثقافة والاتصال المغربية إلى أن هذا السجن "صُمّم على شكل شبه مستطيل مُقَسمٍ إلى ثلاث قاعات واسعةٍ جداً، حظيت كل واحدة منها بمجموعة من الأقواس والدعامات الضخمة".
مساحة السجن
تظل مساحة السجن مجهولة وتحوم حولها أساطير وقصص كثيرة تعكس وحشة المكان، لما يحتويه من دهاليز يصعب معها الرجوع إلى المدخل. وعلى الرغم ممّن يقول إن مساحة السجن مجهولة هناك روايات تُفيد بأنه يمتد إلى عشرات الكيلومترات تحت الأرض في ما يعتبر آخرون أن مساحته تُعادل مدينة مكناس بأكملها.
قصة السجن
تشير روايات إلى أنه كان "مطمورة "، وفق تعبير المغاربة، وهي الخزان تحت الأرض، ثم أصبح سجناً في فترة من الفترات الصعبة في الحياة السياسية لهذه المدينة. تحت الأرض كان سجناً للعساكر الأجانب ومن فوقه كانت قاعة لاستقبال السفراء والتفاوض معهم حول السجناء ولم يكونوا يعلمون أن سجناءهم تحت أقدامهم.
ويروي سكان المدينة أن السجن يحتوي على ثقوب عدة في السقف، وكان يجري رمي السجناء من تلك الثقوب وبالطريقة نفسها يلقى إليهم بالطعام والشراب.
سجناء السلطان
يُقال إنه على مدار تاريخه أُلقيَ فيه أكثر من مليوني سجين، وبحسب الروايات فإن السلطان مولاي إسماعيل طلب من البرتغالي "قارا" أن يصنع ممراً سرياً لخروج السجناء وفي حال توفق أحد السجناء في اكتشاف هذا الممر يكون جزاؤه إطلاق سراحه ولكن للأسف لا أحد عثر عليه. بحسب أحد المؤرخين التاريخيين سجناء السلطان كانوا إسباناً وبرتغاليين وأيرلنديين، جرى جلبهم من طرف قراصنة مدينة سلا المغربية إلى السلطان مولاي إسماعيل بمكناس، فكان يستغل حرفهم في بناية الأسوار والفسيفساء والجدران وكل تقنيات بناء القصور الإسماعيلية.
لا نوافذ ولا أقفال
سجن "قارا" هو السجن الوحيد في العالم بلا أبواب، ولا يحتوي لا على نوافذ أو أقفال، وإنما هو عبارة عن دهاليز وأقواس غير متناهية ما يُفضي إلى متاهات معقدة جداً، إذ في كل قاعة توجد ممرات عدة، وكل ممر يَقود إلى قاعة أخرى، ما يجعل المُتوغل إلى داخله ولو قليلاً من شبه المستحيل أن يجد طريق الخروج مرة ثانية، مثلما يصعب لدرجة كبيرة جداً أن يعود من حيث أتى، لدرجة أن السجناء لم يكونوا يجرؤون على الهروب منه وفق المؤرخين.
لعنة السجن
في حديثهم عن السجن يحكي سكان مكناس أنه مكان مسكون بالأشباح، وتحوم في داخله أرواح ساكنيه الأوائل، وأن لعناتٍ تحيط به وتجعل منه مكاناً مرعباً جداً ومن الصعب الصمود فيه أياماً عدة. وفي التسعينات، قامت السلطات المغربية بإغلاق السجن بجدار من الإسمنت، وتركت قاعة واحدة فقط للسياح.
ويعود سبب إغلاق السجن إلى محاولات لفريق من المستكشفين الفرنسيين، قام بتحضير كل الأدوات اللازمة والتجهيزات الحديثة لسبر أغوار سجن "قارا"، فكانت النتيجة مأساوية، إذ اختفى الفريق ولايزال مصيره مجهولاً إلى يومنا هذا.