Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الملاحقات القضائية تطارد "وزيرات بوتفليقة"

محاكمات الفساد مستمرة وسط توقعات بتطورات سياسية في الأيام المقبلة

ممثلو وسائل الإعلام يترقبون وصول المتهمين في قضايا فساد إلى محكمة سيدي محمد بالعاصمة الجزائر (أ ف ب)

امتدت الملاحقات القضائية لتطاول وزيرات الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي يبدو أنه الناجي الوحيد من محاكمات الفساد التي زجت بعشرات المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال في السجن، لحصولهم على امتيازات وصفقات مالية بطريقة غير قانونية طوال 20 عاماً من فترة حكمه.

وتردد داخل الأوساط الإعلامية، قرب محاكمة وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط عن فترة توليها الوزارة ما بين 2014 و2019، ضمن سلسلة تحقيقات متواصلة فتحها القضاء الجزائري نهاية عام 2019، واستمرت حتى مع انتشار فيروس كورونا، فإن بن غبريط سارعت إلى التوضيح أن مثولها أمام القضاء جاء كشاهدة، نافيةً توجيه أي تهمة لها دون تحديد طبيعة القضية التي استدعيت لأجلها.

وغردت بن غبريط، عبر حسابها على "توتير" قائلة "أمام الإشاعات التي تروجهاً بعض وسائل الإعلام، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، أؤكد أنه تم استدعائي لمحكمة سيدي امحمد في 23 ديسمبر (كانون الأول) بصفتي شاهدة".

ومنذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، فتحت المصالح الأمنية تحقيقات في ملف الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية (حكومي)، لا سيما ما تعلق بمنح صفقات الكتاب المدرسي لمؤسسات خاصة. كما كشف تقرير لمجلس المحاسبة، منتصف العام الحالي، عن أن أسوأ فترة تسيير لملف الكتاب المدرسي، كانت خلال عهدة الوزيرة السابقة للقطاع نورية بن غبريط.

وتعد بن غبريط من أكثر "وزيرات بوتفليقة" إثارة للجدل طيلة فترة استوزارها، إذ وجهت لها اتهامات بالسعي إلى استهداف مواد التربية الإسلامية، بالإضافة إلى محاولة إدراج العامية الجزائرية، لتكون بديلاً للغة العربية في التعليم، وتعزيز مكانة نظيرتها الفرنسية في التدريس، وفق ما تردد على لسان خصومها.

أكبر الجدالات التي أثارتها وزيرة التربية السابقة، هي منع الصلاة في المؤسسات التعليمية، وظهور خطأ في كتاب مدرسي للجغرافيا، إذ وضعت كلمة إسرائيل على خريطة فلسطين، وكان هذا "الخطأ" كما سمته بن غبريط كفيلاً بتأجيج الانتقادات ضدها وتعالي أصوات رحيلها، إلا أن قربها من محيط بوتفليقة آنذاك مكنها من البقاء في منصبها حتى اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بوتفليقة.

أربع وزيرات في السجن

قبل مثول بن غبريط أمام المحكمة، أصدر القضاء الجزائري أمراً بإيداع وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي رهن الحبس المؤقت، حيث لا تزال قضيتها تحت التحقيقات القضائية والأمنية، إذ وجهت لتومي تهم تتعلق بسوء التسيير وتبديد الأموال العامة، في ملف تظاهرة "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2011"، وكذلك منح امتيازات غير مستحقة وسوء استغلال للوظيفة الحكومية.

ومطلع ديسمبر الحالي، أودعت السجن كل من هدى فرعون وجميلة تمازيرت، وهما على التوالي وزيرتا البريد والصناعة السابقتان، بتهم ارتكاب تجاوزات مالية، إذ تلاحق الأولى بتهمة منح صفقات غير قانونية في شركة اتصالات الجزائر (حكومية) للإخوة كونيناف، وهم رجال أعمال مقربون من محيط بوتفليقة. في حين تتابع الأخيرة في قضية بيع مصنع للمعجنات عام 2012.

قضايا متشابكة

في سياق ذي صلة، تذكر الإعلامية الجزائرية فتيحة زماموش، أن المتابعات ضد الوزيرات "هي قضايا فساد يتعامل معها القضاء المدني لفترة حكم 20 عاماً، وتورطت فيها حكومات الرئيس بوتفليقة"، لتضيف "يبدو أن القطاعات الأكثر فساداً كانت تغرف من أغلفة مالية ضخمة على غرار القضايا المتعلقة بوزارة البريد والاتصالات، والثقافة، والصناعة، وبالتالي هي قضايا متشابكة، لا يمكن لأي وزير في الحقبة السابقة أن يفلت من المسؤولية الأخلاقية والمادية ومن العقاب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضافت زماموش أن "تحريك القضاء لملفات الفساد، جاءت بعد أن وجد الجهاز الرقابي الأمني ثغرات يحاسب عليها القانون"، بالتالي تعتقد أنها "قضايا ينظر في شأنها القضاء بعيداً عن المعطيات السياسية، ودون اتهام أي طرف فإن فترة حكم الرئيس بوتفليقة ما زالت تطل علينا بالعديد من القضايا، وليس من السهل بمكان أن يفصل القضاء في مجريات هذه الملفات لفترة 20 عاماً وبأغلفة مالية من المال العام".

الحقيقة ليست كاملة

على الجهة المقابلة، يتأسف الناشط السياسي عبد المالك بوشافة لـ"انخراط البعض في التسويق والتركـيز على جزء من مرحلة بوتفليقة على أنه هي سبب ما وصل إليه وضع البلد اليوم". يقول "لا ننفي هذا، ولكن هي جــزء من الحقيقة، وليسـت كل الحقيقة".

ووفق بوشافة، فإن "بوتفليقة جزء من منظومة كاملة ومتكاملة بمختــلف شبكاتها العمودية والأفقية، لاحظ الجميع أن الإعلام يركز على مرحلة ويغفل الأخرى، فـهو يركــــز عــــلى ما بعد 2013 أين أصبح المخلوع مقعــداً، وربط كل مظاهر الفساد بها. وهذا تزييف وتحريف للحقيقة، وأن المخلوع نفسه مدان بتهم فساد، وصدرت ضده قرارات بهذا الشأن".

وبشكل أكثر تفصيلاً يذكر، أن "ملف الفساد المالي، لا يتعلق فقط بتهريب الأموال إلى الخارج، وإنما بالرشوة والاستغلال السياسي، والمبالغ المالية الكبيرة التي كانت تدفع من أجل التأثير في سير الانتخابات بشكل عام على سبيل المثال، وهذه من صفات الأنظمة الشمولية المستبدة".

وبحسب عبد المالك بوشافة "في أغلب الحالات تم تجريم الأشخاص، وتقع عليهم المسؤولية، لكن لم يتم تجريم النظام الذي سمح بهذه الممارسات، بل وشجعها عبر أخطبوط مالي وإداري متغلغل داخل دواليب الحكم منذ عقود من الزمن، وتوظيف العدالة في إطار حرب العصب والزمر داخل المنظومة".

وبينما تبدو محاكم الجزائر منشغلة بمعالجة ملفات الفساد، تغيب الأخبار عن الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، على الرغم من تردد اسمه في الجلسات، لكونه المسؤول الأول عن كل الحكومات المتعاقبة التي تتم محاسبتها.

ويتوقع متابعون للشأن السياسي أن تكون الأيام المقبلة حبلى بالمستجدات السياسية، مع تفجر جدل جديد في شأن عودة الجنرال المتقاعد، وزير الدفاع الأسبق خالد نزار إلى الجزائر، على الرغم من إدانته غيابياً بعقوبة 20 سنة سجناً في قضية ما عرف بـ"التآمر على سلطة الجيش والدولة".

ويرى البعض أن تأثير نزار داخل منظومة الحكم لا يزال قوياً على الرغم من تقاعده، وهو ما يسري على الجنرال محمد مدين، المعروف باسم توفيق، الذي ترأس جهاز المخابرات ما يزيد على الربع قرن قبل إقالته نهاية عام 2015 من طرف الرئيس السابق بوتفليقة، وهو ملاحق بـ15 سنة سجناً في قضية التآمر".

"مدام مايا"

في سياق مشابه، انطلقت أمام محكمة الاستئناف السبت محاكمة زليخة-شفيقة نشناش (مدام مايا)، سيدة الأعمال التي كانت تدعي أنها "البنت الخفية" للرئيس بوتفليقة، والتي أدانتها محكمة ابتدائية قبل شهرين ونيف بتهم فساد مالي وحكمت عليها بالسجن 12 عاماً وغرامة مالية قدرها ستة ملايين دينار (نحو 40 ألف يورو) كما قضت بمصادرة كل أملاكها، وفق وكالة الأنباء الجزائرية.

وأدينت يومها هذه المرأة التي كانت تتمتع بنفوذ كبير في عهد الرئيس الأسابق بتهم عدة من بينها "تبييض الأموال" و"استغلال النفوذ" و"منح امتيازات غير مستحقة" و"تبديد المال العام" و"تحريض أعوان عموميين على منح امتيازات غير مستحقة" و"تحويل العملة الصعبة بشكل غير قانوني للخارج".

واكتسبت "مدام مايا" نفوذاً في أوساط رجال الأعمال وفتحت لها أبواب كبار المسؤولين في الدولة بفضل إشاعة نشرها مقربون من بوتفليقة مفادها أنها ابنته غير الشرعية.

وبدأت مشاكل "مدام مايا" في يوليو (تموز) 2019 بعد ثلاثة أشهر من استقالة بوتفليقة، عندما ضبطت مصالح الأمن أموالاً ضخمة في بيتها الكائن بإقامة الدولة، غرب العاصمة، حيث يسكن الوزراء والمسؤولون الكبار في الدولة.

وضبط المحققون يومها ما قيمته أكثر من مليون يورو بالدينار الجزائري والعملات الأجنبية و17 كيلوغراماً من المجوهرات.

وكانت محكمة البداية حكمت على ابنتي "مدام مايا" بالسجن خمس سنوات لكل منهما وبمصادرة ممتلكاتهما.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير