Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التشكيلية مهدية آل طالب: لا أفكر في مصير لوحاتي بقدر طرح مشاعري

كشفت التشكيلية السعودية عن تفاصيل مجموعتها "رسائل أمي"

بإمضاء عميق الوصف، شديد الجمال في ظاهره، غزير الجرح في ثناياه، تتسارع الريشة الساحرة للفنانة التشكيلية والنحاتة السعودية مهدية آل طالب، لإطلاق مجموعتها التي تحمل عنوان "رسائل أمي"، التي جسدت قصصاً من الواقع، والمكونة من ثلاثين لوحة منفردة أقرت بوضوح بأن المآسي مرحلة لا تقبل التجاهل، بل العكس، فكلما كان الجرح أعمق استحق وقته للتعايش، وللعودة أكثر قوة.

جعلت آل طالب من "الرمانة" رمزاً لها طيلة المجموعة التي استغرقت عامين، رافقها سيل من ذكريات الماضي. وقد تكون هذه الحكايات المتسلسلة موطئ خير يحول لوحات فنانة تشكيلية إلى "فن خطابي" يقدم اللون والحركة والقصة في نصوص مربعة، تجرأت على كشف المستور من قضايا المرأة نفسها، شاملة في حبات رمانها المرصوصة، المدارس السريالية والتجريدية والرمزية.

 

رمزية الرمان

تقول مهدية آل طالب "في (رسائل أمي) جاءت صورة المرأة بجسد ممتلئ، لأنها لم تكن رشيقة القوام، وحين حممتها ذات يوم سألتني إن كنت سأرسمها مستقبلاً، لتظل الكلمة عالقة في أذني. كذلك تجدين بروز الرمانة في كل الأعمال، فهي من عجائب صنع الله، تشاهدينها مصفوفة في أحسن خلقة، وقد أشبهها، فقلبي مرصع بعاطفتي تجاه الناس كما صفوف الرمان في قلب تلك الفاكهة".

وتضيف "الرمان حضر في شتى صور المدارس الفنية لمجموعتي، اللوحات السريالية، والتجريدية، والرمزية، وستشهد اللوحات الخمس عشرة الباقية المفاجأة الأجمل. فحين صنعت من الرمان في الجزء الأول جماله وهو محكم، صورته في النصف الآخر برسم جوفه مكشوفاً، وعلى ما يخرج به تكون صفات البشر".

 

قيود المآسي

وتوضح "وصفتها ببداية الحكاية، وفيها اتخذ رمز الرمانة حجمه، في حين ربط الطوق خيال المرأة بواقعها، فما تعيشه في الخيال هو على أرض الواقع بعينه، وثمة شبه كبير بين ما نفكر به وبين ما هو واقع وسيحدث، ولا لوم للظروف الملازمة مطلقاً، إنما لكل حدث وقته. أما في هذا العمل، فقد استطردت في وصف الظروف التي تؤخرنا للوراء وقت ما، لربما تكون تراكمية، ولها جذورها، كأن تكون مآسي على قصص يفترض تداركها حينها بطرق عدة، إلا أن سرعة عجلة الحياة، لا تمنح البعض فرصة التعايش معها".

وتتابع مهدية "لكن، ثمة بصيص أمل كان مشرقاً، وكان على البطلة كسر الحاجز، فالماضي قيد، ومع ذلك أجد أن الجروح تحتاج إلى مساحة من الوقت لتندمل، فتساءلت على الرغم من ما يحيط بنا من نعم: لماذا تعلقنا المآسي في شباكها؟ وجسدتها قيداً على هيئة أوراق شجر قيدت ساق المرأة حتى أعاقت حركتها. أما بصيص الأمل فيها كان عبارة عن الخلفية المليئة بالزهور".

وتستكمل "بين اللوحة الثانية حتى لوحة الحورية والحرية مسافة ثلاثة أشهر، فك قيد سيقانها، وطارت بأحلامها. كان قيداً حقيقياً تعايشت معه، وأخذ جل وقته، بعد مرحلة عزلة، وتأمل مع الذات، عاش الحزن مع نفسه، وعلى ذلك خرجت الحرية منتصرة، وكان على المرأة في هذه المرحلة أن لا تلقي اللوم على الآخر، بل تبحث عن ذاتها، وتكون في أبهى حالات الصدق مع ذاتها".

وتواصل التشكيلية السعودية "حتى جاء وقت هذه اللوحة التي تساءلت من خلاله: قد تكون أنت صنماً وحيداً بين الأحياء، وقد تكون أنت الحي الوحيد بين الأصنام؟ مر في ذاكرتي شريط تاريخ الأصنام منذ بداية الحضارة المصرية وغيرهم ثم توقفت، وقلت: لماذا لا أخاطب ما صنعت من منحوتات حول المرأة التي تعزف على العود؟ وفيها سردت ذكريات الطفولة، حتى العزف نحو المستقبل الأفضل".

وتؤكد "كل شيء في هذه اللوحة يرمز إلى شيء معبر للغاية، لذلك جاءت كما رمت له سريالية خيالية بامتياز، ضمت عدة مدارس، وفيها يطغى السمك رمزاً صريحاً، والتقاء السمكتين جانباً هو التقاء للفكر والمشاعر، وفي نظري تجسيد السمك في منطقة برية، بعكس الواقع، هو ما يدل بالنسبة للبعض على الرزق، فالرزق من فلسفتي قد ينشأ في الصحراء التي عبرت من خلالها عن العزلة أثناء جائحة كورونا، فحين يجد الشيء العناية والاهتمام، ستدب به الحياة أينما كان، أما أوراق الشجر المنسدلة من الأعلى حتى الأسفل، استلهمتها من الآية القرآنية (قطوفها دانية)، وجاءت الآلات الوترية في هذه اللوحة وباقي الأعمال لتعبر عن أهميتها في الحضارة الشرقية".

وأضافت مهدية "جاءت لوحة الورق المنسدل على شعر المرأة كجزء من سياق القصة المتسلسلة، ثم تتابعت السلسلة لتمثل المرأة، وتلتها لوحة العروس التي تحمل رمانة في يدها وهي تسير بين حقول القمح والسنابل، وهذا العمل استمد تقسيماته من ضوء الشمس الذي اخترق مرسمي، مساهماً في إخراجها. حتى جاء وقت اللوحة الوحيدة التي رسمت فيها رجلاً بجانب المرأة، وبينما رمزت لملابسها الزاهرة بالعطاء في كل حالاتها، رمزت لما يرتديه هو بألوان خجولة دلت على قلة عطائه. هناك من ينبغي أن نرى منهم عطاءً أكبر مقابل عطائنا لهم لتتوازن كفة الميزان، وجاءت اللوحة تكاملية ظاهراً، فالعاطفة متبادلة، وخلفهما نفق الخروج من الحياة بانتصار، وفيها الاحتواء والأحاسيس، لكن العطاء من الرجل نادر الوجود".

 

هذه جنازة أمي

بقت ذكريات والدتها حاضرة إلى ما هو أبعد من تفاصيل رسم تفاصيل الجسد، وقالت: "كانت مهتمة بتفاصيل تغنيها عنها التكنولوجية الحديثة، إلا أنها لم تستغنِ عن نثر ملابس الغسيل على ضوء الشمس، فكانت لحظات مليئة بالعشق، ليس لها علاقة بالضعف والقوة، ففي الحياة ما هو أكثر من ذلك".

وعبرت مهدية عن لوحة الفتاتين والطائر بــ"نزول آدم وحواء من الجنة، جسدت من خلالها شجرة ذات فرعين تعبر في مضمونها عن الصواب والخطأ، في حين أنه ليس لدينا تصور عن شكل الشجرة الحقيقية التاريخية، في حين أتى الطائر ليعبر عن قبول الله التوبة، وتضمن العمل حواراً بين السيدتين، إحداهما كانت تتمعن في الرمانة، والأخرى كانت تسمع همسها". وبينت "هنا كنت أخاطب أمي، أن كانت قد جعلت من السماء لوحة ترسم عليها ما تشاء، وهي محلقة كما الملاك الطائر، وكأن البحر في سفينة، والسفينة هي الرمانة والتي أشيرت من خلالها البشرية، تسير هذه السفينة البيضاء على سطح مستقيم، وقصدت بالمكنسة قصص الأطفال والساحرة، وهنا خالفت المألوف، من خلال استخدام العصا في الخير، بخلاف ما قصت الحكايات القديمة".

وبدموع قالت "هذه جنازة أمي التي حملت على الأكتاف، وتحت قبة وقماش أخضر، في ذلك الوقت قد أرى شيئاً محدداً، وبالتأمل ما في داخله، وجدت أمي ملاكاً صامتاً، حرر من قيود الحياة، فهي لم تكن داخل ذلك النعش مقيدة، بل طائرة نحو الله، كان الكفن رمزاً، لكنه انطلاق من الدنيا إلى حيوات أخرى، إنها في مكان أفضل بكثير من هذه الأرض، والرمانة والأغصان السبعة جاءت في وصفها كمراحل للأديان السماوية، وعملت من الأغصان شمعدان نبي الله داوود، والرمانة عوضاً عن نجمته".

وأضافت "حين أرسم لا أفكر بمصير اللوحة، بقدر طرح صدق مشاعري، وأتوقع أن هذه اللوحة لن تُقتنى إلا في أحد المتاحف مستقبلاً، وقد يتحقق طموحي في ضمها لمتحف خاص بي مستقبلاً، لكنني لا أضمن أن هناك من سيقتنيها لمضمونها المؤلم".

 

البشر نوعان

وعن تصويرها بعض البشر على هيئة حيوانات مختلفة، تقول "كان لتلك الرموز وضعيتها في قرارات الإنسان. بعض القرارات مخيفة في بادئ الأمر، لكنها تصبح أمراً طبيعياً مع مرور الزمن. والبشر نوعان، مسالم وديع كما طائر الحمام، أو ماكر مثل الثعلب".

وعبرت عن طيران الرمان حول أمها بــ"أفراد أسرتي، في حين صورتها كالملاك الجميل، وكان للدروس التي علمتنا إياها مكانها في قلوبنا على الرغم من مرور الزمن، نتمسك بها ولا تغيرنا الظروف التي قد تكون لمصلحتنا". هذه اللوحة السيريالية تتضمن "الرمانة قبل نضوجها، وتأثرت من خلالها بالعبقري سلفادور دالي المبدع في هيمنة البيض على لوحاته، فجاءت سريالية بحتة، وعبرت من خلال رمز الرمانة في حالة قبل النضج، عن قرارات البشر التي تحتاج إلى النضج قبل اتخاذها".

وتستعد التشكيلية مهدية آل طالب لوضع الرتوش الأخيرة لمجموعتها استعداداً لإقامة معرض شخصي يقام في العاصمة السعودية، إلى جانب معرض جماعي آخر تحت إشرافها يضم أعمال نخبة عربية لتشكيليين محترفين.

المزيد من فنون