Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليمني يسلم بن علي شاعر الحب الذي ظلم حيا وميتا

تغنت بكلماته كوكبة من ألمع نجوم الفن العربي في مقدمتهم طلال مداح

الشاعر الغنائي اليمني يسلم بن علي  (اندبندنت عربية)

كان لافتاً الاهتمام الرسمي والشعبي بإحياء الذكرى الثامنة لرحيل الشاعر يسلم بن علي باسعيد، الذي يعد واحداً من عمالقة الشعر الغنائي في اليمن وشبه الجزيرة العربية، وأقيمت في مبنى المركز الثقافي الذي سمي باسم الشاعر نفسه في مدينة عتق مركز محافظة شبوة في جنوب اليمن.

الشعر بالوراثة

في قرية زراعية جميلة من قرى محافظة شبوة تسمى "عمقين" ولد يسلم بن علي عام 1938، وكان للطبيعة الساحرة تأثير كبير في إبداعه بنسج أشعار الحب والطبيعة والخير والجمال.  

 يشير عبد المنعم باسعيد، نجل الشاعر، إلى أن والده ترعرع في أسرة تحب الشعر وتهواه، "فوالده وجدّه أيضاً شاعران، وتداولت الأسرة الشعر أباً عن جد". يضيف، "كانت بداية والدي في نظم الشعر الشعبي في العاشرة من عمره، إذ كان ملازماً والده الشاعر الشعبي المعروف علي باسعيد في مناسبات الأعراس التي تقام في قرية "عمقين" والقرى المجاورة لها، واتجه إلى كتابة الشعر الغنائي عندما هاجر إلى السعودية أواخر خمسينيات القرن الميلادي الماضي، فكتب قصائد شعرية، وكان أول تعاون له مع الفنان طلال مداح عام 1961 في أغنية "يا عسكري فك الإشارة"، التي لحنها الأول وكاد أن يغنيها، لكن الفنان السعودي عبد الله النجار أُعجب بها فغناها، واشتهرت في وقتها أيام الأسطوانات، فطلب طلال من أبي أن يواصل نظم الشعر الغنائي، فكتب له الأغنية الشهيرة في سلم الطائرة عام 1963، وأخذت شهرة واسعة على المستوى العربي.

يتابع، "بعدها فتح الفنان طلال مداح أبواب الشهرة أمام الشاعر الشاب، وغنى من كلماته أكثر من 20 أغنية. وأيضاً شدا بكلماته ما يقارب 40 فناناً وفنانة من اليمن والخليج، أشهرهم بعد طلال مداح، أبو بكر سالم ومحمد سعد عبد الله ومحمد محسن عطروش وعوض أحمد وفيصل علوي ومحمد عمر وعتاب ورباب وعبد الله النجار وحمدي سعد، وغيرهم الكثير في مشوار فني امتد إلى ما يقارب 50 عاماً".

الشعر الغزير

يعتبر عبد المنعم باسعيد، أن والده من الشعراء الذين نقلوا الأغنية اليمنية إلى الساحة الفنية الخليجية والعربية، وهو صاحب عطاء فني متدفق أثرى به الفن العربي، ولهذا برز خليجياً من خلال انتشار قصائده المغناة، كما كان عضواً بارزاً في جمعيات الثقافة والفنون في السعودية وسفيراً فنياً بامتياز للغناء اليمني.

يستدرك نجل الشاعر، "على الرغم من كل ذلك الإبداع والتميز الذي قدمه، لم تهتم به أي جهه ثقافية يمنية، ولم تقم أي جهة بإنصاف تاريخه الفني، ولم تكرمه التكريم اللائق، كحال كل مبدع أعطى للفن والشعر والأدب جل حياته".

دموع المهاجر

يتطرق نجل الشاعر إلى ديوان "دموع المهاجر"، الذي جمع فيه عدداً من قصائد والده؛ "ديوان دموع المهاجر طبع قبل أشهر من وفاة والدي، إلا أنه للأسف الشديد هو الديوان الوحيد، ولم يكن بالشكل المطلوب الذي انتظره عشاقه ومحبو فنه، ولم يحتوِ على كل قصائده، ولم تقم جامعة عدن التي طبعت الكتاب بتسويقه وتوزيعه ونشره في الأسواق، بل اكتفت بطبع  كمية قليلة من النسخ، وأرسلوا للوالد 150 نسخه فقط، وزعها هدايا لأصدقائه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتطلع نجل الشاعر إلى المسؤولين والقائمين على الثقافة والفن والأدب في اليمن والسعودية، "ليلتفتوا للشاعر الذي ظُلم حياً وميتاً، وينصفوا تاريخه بتكريم لائق، فيسلم بن علي خدم الثقافة والفن والأدب، وغنى له كثيرون".

 أشهر الأعمال الفنية

شكل الشاعر يسلم بن علي مع الفنان الراحل طلال مداح ثنائياً فنياً متناغماً، وأبدع الأخير في إجادة غناء أجمل قصائده، من أولاها أغنيات "يا عسكري فك الإشارة"، و"سلم الطائرة"، والأخيرة كتبها الشاعر أثناء سفره في طائرة من جدة إلى عدن، ثم أرسلها إلى الفنان طلال الذي أجاد في تقديمها بصوته الشجي. وغنى له أيضاً الفنان أحمد يوسف الزبيدي 30 أغنية منها "إشاعة حب يا دكتور، فيوز القلب محروقة، أمام الناس تضحك لي"، والفنان علي الصغير 13 أغنية، والفنان هود العيدروس العدد نفسه، والفنان أبو بكر سالم بلفقيه 7 أغنيات منها "منك يا عسل دوعن قوت العاشقين" و"أنا مالي إذا قالوا رفع رأسه"، كما غنى له الفنان فيصل علوي ثلاث أغنيات منها، "من بكى عيال الناس لازم بايبكونه"، بالإضافة إلى أخرى للفنانين محمد عبده وسعد جمعة ورباب وعتاب وعلي العمودي وحسن السري ومحمد باضريس ومحمد عمر.  

النهر العذب

يرى الناقد والباحث الفني رياض باشراحيل أن الشاعر الراحل يسلم بن علي، جمع في شعره، بين رقة ألفاظه وقوة مطالعه وجمال صوره الشعرية، الذي كان كنهر عذب روى حدائق الشعر الغنائي في جزيرة العرب، فتميز بإفاضته في شعر الغربة والتعبير عن الحنين إلى الوطن، وفي الغزل والحب والعشق، حيث تعد أسمى العواطف الإنسانية في الحياة.
يضيف باشراحيل، "شرب شاعرنا من كأس المحبة أصفى شراباً، وذاق طعمه ونكهته وخاض بحاره وخلجانه وسهوله ووديانه، فعرف خفاياه وأسراره"، وفي قصيدته (شروط الحب) أبدع في رسم صورة الحب ووصف حال المحب العاشق وذله وخضوعه وما يكابده من نار الشوق وحرقة الصبابة، وما يهيمن على نفسه من مشاعر الأسى والحزن في أبيات تحس وأنت تقرؤها بنار الشوق تحرق أحشاءه ودمع الأسى يقرّح أجفانه، كما أنه استخدم الحكم والأمثال والوصف والتشبيه، وتبادل المدركات في بناء صوره، والقيم الأخلاقية والإسلامية.

معاناة الشاعر

يتفق باشراحيل مع ما قاله نجل الشاعر من أنه لم ينل التكريم الذي يستحقه، "لم يكرّم شاعرنا في وطنه بالتكريم اللائق بمكانته الفنية التي ارتقى من خلالها بالأغنية اليمنية والخليجية، بل تعرض للإجحاف والتجاهل في حياته من الجهات الرسمية ومن بعض أصدقائه المطربين، ويبدو أن هذا قدر كبار المبدعين الذين يعكفون على الاجتهاد والتميز والتفوق، فيظلمهم الباحثون عن الدنيا والوجاهة، ولا ريب أن ذلك كله يصيب المبدع بالاستياء ويترك في نفسه كثيراً من الأسى، لذا فإن شاعرنا قد عبر عن هذا المشهد وما يضفيه من مرارة في مقطوعات تقطر حسرة وألماً وتشع منها الحكمة منها قوله:
"داوي الزمن بالزمن واصبر على ظروفك

ساير زمانك وكن في الأمر والطاعة
وإن قلت له يا زمن ارحم وساعدني

يرميك في بير عمياء ما لها قاعة
ما حد تعذب في الدنيا كما يسلم
يومين بيع القلم والثالث الساعة".

بصمة وتميز

يخلص باشراحيل إلى القول "إن يسلم بن علي نجح في تحقيق حلمه في أن يصبح شاعراً كبيراً وعلماً فنياً تشدو بقصائده وألحانه أوتار كبار المطربين في جزيرة العرب وحناجرهم العذبة، كما أسهم في بناء الأغنية ووضع بصمته في تطويرها، فحصد حب الجماهير وتقدير الناس في الشارع، وأعطت أعماله المطربين مكانة متميزة، ما سيبقيه حاضراً في وجدان أمته وفي سجل الخالدين في تاريخ الأغنية في جزيرة العرب".

الرحيل الحزين

بعد رحله طويلة في المهجر استمرت نحو نصف قرن، عاد الشاعر يسلم بن علي عام 2008 إلى قريته "عمقين"، وبعد سنة تسنى لي زيارته وهو على سرير المرض، فقال لي حينها، "كما ترى أنا مقعد وطريح الفراش ولا أستطيع الحركة بعد تعرضي لانزلاق مفاجئ حرمني من الحركة. وللأسف وزارة الثقافة والسلطة المحلية في شبوة لم تقدما لي أي اهتمام باستثناء الشهادات التقديرية فقط، ووعود بالوظيفة، وعود فقط! لاحقاً، تدهورت صحة الشاعر بعد إصابته بمرض القلب، من دون أدنى اهتمام من الوزارة والحكومة المحلية، حتى توفي أواخر عام 2012، تاركاً إرثاً أدبياً وثقافياً وفنياً في حاجة إلى الاهتمام.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات