يحيي السودانيون، بكل فئاتهم وتنظيماتهم المدنية والسياسية، اليوم السبت 19 ديسمبر (كانون الأول)، الذكرى الثانية لانطلاق الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد 30 سنة، في ظل تضييق على الحريات وتردي الأوضاع المعيشية، وذلك بتسيير مواكب ومسيرات تعم العاصمة ومدن السودان الأخرى، للمطالبة بإصلاح مسار الثورة وسرعة تنفيذ شعاراتها، وأبرزها "القصاص لقاتلي الشهداء، وإسقاط مجلس شركاء الانتقال، وتحويل الشركات العسكرية إلى وزارة المالية، والإسراع في تكوين المجلس التشريعي، والحد من تغوّل المكوّن العسكري، وسرعة محاكمة رموز النظام السابق، ورفض الوصاية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي".
وشهدت الخرطوم إجراءات أمنية غير مسبوقة، وإغلاق للكباري والجسور التي تربط المدن الثلاث للعاصمة (الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان)، كما أصدرت السلطات السودانية توجيهات مشددة لتأمين هذه المسيرات، ومنع استخدام الرصاص والغاز المسيل للدموع لتفريقها، مؤكدةً حق التظاهر السلمي، ومشروعية المواكب والمسيرات السلمية بمقتضى نصوص الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، وعدم استخدام القوة المفرطة ضد المشاركين في هذه المواكب مهما كانت الظروف.
انقسام سياسي
إلا أن هذه الذكرى تأتي في ظل انقسام القوى السياسية الداعمة للحكومة الانتقالية (المنضوية ضمن قوى الحرية والتغيير) لأسباب تتعلق باختلاف الرؤى حول السياسات والبرامج التي تتبعها الحكومة التي يرأسها عبد الله حمدوك، ما يثير تساؤلات حول مواقف هذه القوى من المواكب المطلبية، وتقييمهم لأداء ومسار الحكومة الانتقالية.
طموح الشارع
الناطق الرسمي باسم "حزب المؤتمر السوداني" نور الدين بابكر قال لـ "اندبندنت عربية"، إن "الخروج للتظاهر والتعبير حق دعت ‘ليه الثورة السودانية، وتطالب مواكب الذكرى الثانية باستكمال مهمات الفترة الانتقالية، وإكمال أجهزة الحكم ممثَلة بإعلان المجلس التشريعي، فضلاً عن استكمال السلام مع الأطراف التي لم توقّع اتفاقية جوبا، والعمل على تنفيذ عملية الإصلاح الاقتصادي". ولفت بابكر إلى أن "الحكومة الانتقالية ملتزمة بمسار الثورة، لكن ما شهدته من صعود وهبوط في الأداء والتباطؤ في حسم بعض الملفات المهمة، في مقابل الطموح الكبير للشارع السوداني، جعل النظرة العامة دون المستوى. ومن ميزات هذه المواكب أنها ترسل رسالة واضحة للتأكيد على أهداف الثورة (حرية، سلام وعدالة)، وحضّ الحكومة على تحسين أدائها وضخ دماء جديدة تواكب المرحلة وتحدياتها". وأضاف "لا بد أن يلتزم الثوار بالتعبير السلمي عن مطالبهم، والابتعاد عن أي مظاهر وأفعال غير سلمية أو حضارية، حفاظاً على الصورة الزاهية التي أظهرتها ثورة ديسمبر (كانون الأول) (2018)، لأن هناك بعض الجهات تحاول استغلال أي ثغرات لإجهاض الديمقراطية". وأكد أنه "يُتوقَع أن ينعكس تحقيق السلام وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب على استقرار ورخاء الفترة المقبلة، لكن يجب على مؤسسات الدولة بذل مزيد من العطاء والجهود، وأن تكون هناك إرادة سياسية لتحقيق الأهداف والتطلعات المرجوة، فهناك إيمان بأن تحسناً كبيراً سيحدث على كل الصعد بخاصة الجانب الاقتصادي".
محاذير وانضباط
في المقابل، صرح عضو المكتب السياسي في حزب الأمة السوداني، مساعد رئيس الحزب للشؤون القانونية إسماعيل كتر، بأن حزبه يؤيد الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة من خلال المشاركة في المواكب السلمية، لكنه يتحفظ على "المحاذير الصحية بسبب جائحة كورونا، وهشاشة الوضع الأمني، وتربص القوى الشريرة بالثورة، بالتالي لا بد من الانضباط في السلوك والتعبير أثناء سير المواكب المطلبية والاحتفائية بهذه الذكرى".
وتابع كتر "معروف أن العمل السياسي يتسم بالديناميكية، وهو عمل متطور، وصحيح أن الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية الممثَلة في قوى الحرية والتغيير اتبعت آليات متخلفة، لم تكن بمستوى التحدي، لذلك كانت نتائجها أقل من طموح وتطلعات الشعب السوداني بخاصة في الجانب المعيشي، لكن مع اعترافنا بالإخفاقات والبطء في حسم قضايا مطلبية عدة، نقرّ بأن لا مجال غير اتّباع أسلوب الحوار بهدف تطوير آلياتنا ومفاهيمنا للوصول إلى الحكم الرشيد، ما يقودنا إلى تحقيق نتائج إيجابية".
العدالة والمحاسبة
كما أكد "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي قاد الحراك الشعبي الذي أسقط الحكم السابق، ضرورة "الدفع بملفات العدالة والمحاسبة، وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب، إلى جانب تعزيز مدنية السلطة الانتقالية، ووقف تغوّل العسكريين على الملفات التي تقع ضمن صلاحيات السلطة التنفيذية".
وشدد التجمّع في بيان، على أهمية "التصدي لمحاولات التلاعب بحق الشعب في الرقابة على السلطة الانتقالية، عبر محاولات فرض مجلس تشريعي مدجن يستبعد قوى الثورة"، مطالباً "بإنفاذ المعالجات اللازمة لفك الضائقة الاقتصادية، ورفع كفاءة أداء أجهزة الدولة، والحزم أمام مسببات الأزمة الراهنة في الخبز والوقود والدواء".
ودعا "تجمع المهنيين" إلى ترجمة "ما تمّ من خطوات في ملف السلام، إلى واقع ينعكس على حياة المتضررين في المناطق المتأثرة ومعسكرات النزوح، واستكمال المساعي وصولاً إلى السلام الشامل"، معتبراً أن "ثورة ديسمبر سارت طوال عامين في منعرجات مد وجزر".
تراجع الأهداف
في السياق ذاته، أشار الحزب الشيوعي السوداني في بيان إلى "التراجع البائن عن شعارات وأهداف الثورة والتآمر عليها من بقايا النظام السابق، والمتمثلة باللجنة الأمنية لنظام البشير السابق"، رافضاً ما سمّاه "تمدد المكون العسكري من خلال مجلس السيادة، وخطفه عدداً من الملفات على رأسها ملف السلام"، مؤكداً أنه "ملف محوري ومدني بالدرجة الأولى".
ولفت بيان "الشيوعي" إلى "سيطرة العسكر على السياسة الخارجية، ما جعلها خاضعة للإملاءات الإقليمية والدولية"، مشيراً أيضاً إلى أن "الشركات العسكرية والأمنية تسيطر على معظم مفاصل الاقتصاد، وتحاول استخدامها للإفقار وتركيع الحكومة المدنية".
وعبّر البيان عن رفض "إجازة مجلس شركاء الفترة الانتقالية، على اعتبار أن لا سند لها في الوثيقة الدستورية، إذ يجرد السلطة المدنية من صلاحياتها، ويعطّل قيام المجلس التشريعي، ويكون رأس الرمح في هدم وتعطيل مسار الثورة وأهدافها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صناديق الاقتراع
أما حزب "المؤتمر الشعبي"، الذي أسسه الراحل حسن الترابي، فدعا الأحزاب السياسية إلى التوافق حول برنامج انتقالي يؤدي إلى انتخابات في البلاد.
وأشار الحزب في بيان "نجدد دعوة الأحزاب السياسية إلى للتوافق حول برنامج انتقالي يقودنا إلى الاستحقاق الانتخابي للتنافس عبر صناديق الاقتراع بكل نزاهة وشفافية". كما حث القوى السياسية على نبذ مبدأَ الاستعانة بالأجنبي، ورفض الوصاية الدولية على البلاد، من دون خلاف أو تفريط في قضايا الوطن.
وطالب "المؤتمر الشعبي" كلاً من رئيس "حركة تحرير السودان" عبد الواحد محمد نور، ورئيس "الحركة الشعبية - شمال" عبدالعزيز الحلو، بالحضور إلى الخرطوم وإدارة الخلافات منها وصولاً إلى اتفاق سلام مُرض لكل الأطراف، منوهاً "بالرؤية الثاقبة للحركات المسلحة التي وقّعت اتفاقية السلام في جوبا مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بانخراطها في العملية السلمية وعودتها إلى حضن الوطن والتنافس عبر البرامج السياسية".
وأشار البيان إلى أن "تجربة حكم النظام السابق، ومن بعدها قوى إعلان الحرية والتغيير أثبتت أن الانفراد بالسلطة هو الفساد في حد ذاته".
ضوابط أمنية
أصدر النائب العام في السودان تاج السر علي الحبر ضوابط لتأمين مسيرات ومواكب الذكرى الثانية للثورة، وأهمها الطلب من وكلاء النيابة مرافقة قوات الشرطة الأمنية، بغرض التأمين والتنسيق مع لجان الميدان لمشاركة عناصر منهم في عملية الترتيب مع النيابة العامة، ومنعهم من استخدام القوة المفرطة تحت أي ظروف.
وكلّف النائب العام قوةً من مباحث شرطة ولاية الخرطوم والشرطة الأمنية فيها للانتشار داخل التجمعات ورصد أي خطر أو تفلتات تهدد السلامة العامة.
في السياق ذاته، تعهد وزير الداخلية السوداني، الفريق أول شرطة، الطريفي إدريس بتأمين مسيرات ومواكب ذكرى 19 ديسمبر وحمايتها.
وطالب الطريفي، وفق بيان صادر عن المكتب الصحافي للشرطة السودانية، بالتنسيق بين قوات الشرطة والقوات النظامية الأخرى والنيابة العامة، وتأمين المرافق والمنشآت والشوارع والكباري.
محاكمة واصلاح
ودعت "لجان المقاومة"، وهي مجموعات شبابية سلمية، نشطت خلال الثورة ضد نظام البشير، إلى تسيير مسيرات حاشدة السبت، تحت شعار "مليونية تصحيح مسار الثورة".
وتتمثل أبرز المطالب التى سيرفعها المحتجون بمحاكمة عناصر النظام السابق، والضالعين في فض اعتصام القيادة العامة، فضلاً عن تشكيل المجلس التشريعي وإدخال إصلاحات هيكلية في أجهزة الأمن والقضاء.
يُذكر أنه في 19 ديسمبر 2018 اندلعت شرارة ثورة شعبية ضد نظام الرئيس السودانى المعزول عمر البشير، وتمكنت من إسقاط النظام السابق في 11 أبريل (نيسان) 2019.
وتحكم السودان حالياً سلطة انتقالية مكونة من عسكريين ومدنيين، تشكلت بعد الإطاحة بالنظام السابق بموجب وثيقة دستورية تم التوقيع عليها بين المكونين المدني والعسكري في 17 أغسطس (آب) 2019، حيث حددت الفترة الانتقالية بـ 39 شهراً، يليها انتخابات ديمقراطية لتشكيل حكومة جديدة.