Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نادي العلوية" بقية من بصمات العراق البريطاني

إرث "مس بيل" أو "خاتون بغداد" يحافظ عليه الأبناء بعد الآباء والأجداد

في عام 2024 سيحتفل نادي العلوية بالذكرى المئوية لتأسيسه، وهو من أقدم أندية بغداد، واقترن بناؤه بفترة تأسيس العراق المعاصر، إذ تأسس النادي في عام 1924م، ويعد بذلك من أقدم المؤسسات والأندية التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا.

يقع النادي بقلب بغداد في ساحة الفردوس وسط شارع السعدون، وتحيط به أهم فنادق بغداد، مثل فندق عشتار شيراتون، وفندق فلسطين ميريديان. وصمم مبنى النادي المهندس المعماري البريطاني الميجر ويلسن في عام 1924، وكان ذلك بطلب من المس غرترود بيل، المرأة البريطانية التي وضعت بصماتها في خريطة العراق الحديث، وكانت تلقب بصانعة الملوك.

انتمت غرترود بيل إلى هيئة موظفي السير برسي كوكس في البصرة في مارس (آذار) 1916، فهي المكتشفة والمستشرقة والرحالة وعالمة الآثار التي كانت على معرفة جيدة بنائب الملك في الهند اللورد هاردنغ، وهو الذي أرسلها إلى كوكس في البصرة لتبدأ رحلتها في العراق الذي عاشت فيه واشتبكت مع أحداثه، وماتت ودفنت فيه في 12 يوليو (تموز) 1926.

البصمات الاجتماعية لبيل

تنتمي المس بيل إلى أسرة شهيرة في (يوركشاير) من أشهر الرعايا البريطانيين المعروفين في العراق، وشغلت وظيفة السكرتير الشرقي والمستشار للمندوب السامي في بغداد، وكانت رحالة ومنقبة عن الآثار تمضي سنة أو أكثر من دون مساعدة في خيام البدو لاكتشاف الحياة هناك، حتى عرفت بـ"دوقة العلوية"، وهو اللقب الذي أطلقته عليها النساء الإنجليزيات الموجودات في بغداد آنذاك في إشارة إلى البيت الذي سكنت فيه في منطقة العلوية ببغداد، أما العرب فكانوا يطلقون عليها "خاتون بغداد"، أي السلطانة والمعظمة.

كانت بيل في أوائل عشرينيات القرن العشرين جزءاً لا يتجزأ من إدارة العراق، فلها الفضل في تأسيس المتحف العراقي في عام 1926 الذي يضم أهم الآثار العراقية الخاصة بالحضارات القديمة، كما كان لها دور في تأسيس المكتبة الوطنية ورئاستها خلال الفترة من 1921-1924، ويعود لها الفضل في تأسيس أهم نادٍ اجتماعي وثقافي ورياضي، وهو نادي العلوية الذي نحن بصدد الحديث عنه.

مكتبة النادي إرث "مس"

من الصعب أن تجد خلال التجوال في نادي العلوية أي أثر يدلنا على بصمات مس بيل صاحبة فكرة تأسيس النادي، لكننا نجده واضحاً في مكتبة النادي المعلقة فيها صورة لها بجوار أبرز الشخصيات التي مرت في تاريخ العراق الحديث، كما تضم المكتبة كتباً باللغة الإنجليزية تتناول حياة مس بيل ومذكراتها.

تشرح لنا أمينة المكتبة، بشرى عامر، التغييرات التي طرأت على رواد المكتبة، وتقول: "المكتبة كانت في السابق تحتضن طلبة الدراسات العليا الذين يجدون فيها الملاذ للقراءة لساعات طويلة، لكنها اليوم أصبحت مجرد تراث، فعلى الرغم من الإضافات التي طرأت عليها لكي تلائم سمة العصر بعد إدخال خدمة الإنترنت إليها، فقدت الكثير من روادها". تأمل عامر التي تتحدر من عائلة من رواد نادي العلوية بإعادة الاهتمام بالمكتبة، فهي بحسب ما تراها "تمثل العبق التاريخي المرتبط بنشوء العراق الحديث".

صراع للبقاء

يستذكر شامل غاوي العاني النائب الأول لرئيس الهيئة الإدارية للنادي أن أول مبلغ للاشتراك في النادي عام 1972 كان 105 دينارات عراقية، وأن شروط الانتساب كانت في الماضي صارمة للغاية، إذ لا بد للشخص الذي يرغب في ذلك أن يحصل على موافقة اثنين من الأعضاء، وأن يكون من العوائل ذات السمعة الجيدة. ويوضح العاني في حديثه إلينا، أن "النادي يحاول المحافظة على هذا التقليد في قبول الانتساب إليه، فيشترط على الراغب في الاشتراك أن يكون من حملة الشهادات، ولا بد أن يرشح عن طريق اثنين من أعضاء النادي".

ويرى أن التقاليد الصارمة تغيرت كثيراً بمرور السنوات، فسابقاً "كان يتحتم على الأشخاص دون سن الـ18 مغادرة النادي بعد الساعة السابعة مساءً، ويُلزم الأعضاء بارتداء الملابس الرسمية بعد الساعة الثامنة مساءً"، ويعتبر أن تلك التقاليد تغيرت أمام سطوة الموديلات الحديثة للملابس التي ابتعدت عن النمط الرسمي كثيراً.

أنشطة صمدت أمام التغييرات

بقي النادي يحافظ على تقاليده وأنشطته الرياضية والثقافية والفنية، فيوم السبت مخصص للعبة (البنكو)، أما يوم الخميس فيخصص للحفلات التراثية (الجالغي البغدادي)، ويوم الجمعة يشهد النادي إقامة حفلات موسيقية حديثة. كما حافظ النادي على إقامة الحفلات الكبرى، مثل رأس السنة، وعيد الحب، والمناسبات الدينية، مثل المولد النبوي، فالنادي منفتح على جميع أبناء المجتمع.
أما حفل "السفينة الغارقة"، فهو من ضمن ما تمسك به النادي، وهي حفلة تقام بالقرب من مسبح النادي بعد انتهاء موسم المسابح، وتتضمن تقليداً في نهاية الحفل يقوم فيه الجميع بالقفز ببدلاتهم في المسبح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طراز قديم يحافظ على أصالته

تمثل مساحة النادي نحو 14 دونماً، أي ما يعادل 35 ألف متر مربع، ويضم قاعتين للاحتفالات، وفقاً للعاني الذي ذكر أن النادي يضم أقدم مكتبة في بغداد، وأقدم ملعب للإسكواش، وساحات التنس كان يرتادها سفراء أغلب الدول الأجنبية، إلا أنه لفت إلى أن "ما بقي محافظاً على طرازه القديم حتى الآن، هو المطعم والبار والمكتبة والقاعة الشمسية التي تطل على الحديقة، وتدخل لها أشعة الشمس من مختلف الاتجاهات، وفي أيام السبيعينات كانت القاعة الشمسية تشهد توافد الأعضاء الراغبين بالبحث عن الهدوء وقراءة الصحف".

هجرة رواد النادي

من جهته، يشير محمد الشهواني عضو الهيئة الإدارية لنادي العلوية ورئيس اللجنة الرياضية إلى أن طبيعة الطبقة الاجتماعية لأعضاء النادي تغيرت مع سفر كثير منهم بسبب الظروف الأمنية بعد عام 2003م.

الشهواني الذي يؤكد تعلقه بالنادي بوصفه مكان والده وجده، فيقول: "كل ركن فيه يحمل ذكريات تعيش في ذاكرتي"، ويوضح أنه ورفاقه يحاولون الحفاظ على هوية وطراز المنشأة على الرغم من الظروف الصعبة "فهو المكان الذي يجسد تجانس العوائل العراقية وحياتها المدنية التي كادت تفقدها بسبب العنف وما خلفته الحروب".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة