لم تكن زيارة الوفد الأمني المصري إلى غزّة في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري عادية، بل نقل خلالها مسؤول ملف فلسطين في الاستخبارات المصرية أحمد عبد الخالق مقترحاً إسرائيلياً جديداً إلى حركة حماس، بشأن صفقة تبادل الأسرى الإنسانية التي طرحها رئيسها في القطاع يحيى السنوار في أبريل (نيسان) الماضي.
بحسب المعلومات المتوافرة، فإن الوفد المصري التقى قبل وصوله إلى القطاع، في تل أبيب كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الذين زودوه بمقترح جديد لصفقة التبادل، لعرضه على قيادة حماس، ثم دخل غزّة للقاء أعضاء في الحركة برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي خليل الحية.
المقترح بناء على رغبة حماس
يتمثل مقترح تل أبيب الجديد، في عقد صفقة تبادل إنسانية بناء على رغبة حماس، مبنية على أساس موافقة إسرائيل على بناء مشاريع اقتصادية كبيرة في غزّة في إطار التسوية، وزيادة المساعدات الطبية المقدمة لمواجهة كورونا لتشمل أجهزة طبية متطورة ولقاحات، والإفراج عن أسرى أمنيين أحياء وجثامين قتلى فلسطينيين، من دون أن تشمل مسجونين قتلوا جنوداً إسرائيليين أو شاركوا في ذلك، مقابل أن تفرج الحركة عن جميع الجنود المحتجزين لديها.
وفق المعلومات، فإنّ إسرائيل وفي الرسالة التي حملها الوسيط المصري أوضحت لحماس، أنه لا يمكن عقد صفقة ضخمة، مثل صفقة شاليط (جرت العام 2011)، ولا يمكن تكرارها، وأنها أكثر جدية، ومستعدة للمضي قدماً فور موافقة الحركة، وطلبت من السنوار عدم تضييع الفرصة.
ذلك من خلفية موافقة تل أبيب في أبريل الماضي، على الدخول في مفاوضات غير مباشرة (عبر وسطاء) مع حماس، لاستعادة جنودها الأسرى في القطاع.
فرصة أخيرة
في الواقع، لدى الحركة أربعة جنود إسرائيليين أسرى وهم، هدار جولدن، وآرون شاؤول، وأبراهم منغستو، وهشام السيد، ووفقاً لرواية تل أبيب ومنظمة العفو الدولية، فإن جولدن وشاؤول قتلا العام 2014 في العملية العسكرية على غزّة، في حين أن حماس لم تفصح عن أيّ معلومات عنهما، لكنها أشارت في أكثر من مرة إلى أنهما على قيد الحياة، والآخرين دخلا غزّة بمحض إرادتهما بعد العام 2014، في وقتين مختلفين، ووقعا في الأسر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المراسل العسكري أليؤر ليفي، "هذا المقترح يعدّ الفرصة الأخيرة التي فتحتها أزمة كورونا، وإذا رفضتها حماس سيغلق الملف، وبعد ذلك من الصعب التوصل إلى اتفاقية تسمح بتبادل الأسرى"، ويبدو أن المقترح، جاء رداً على مطالب الحركة التي نقلها الوفد المصري إلى قيادة الأجهزة الأمنية في تل أبيب، ويؤكد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية أن "مصر تتفاوض حالياً مع تل أبيب على تبادل للأسرى، وما زلنا ننتظر رداً واضحاً".
أسير مقابل معتقلين فلسطينيين
هي المرة الثانية التي تنقل فيها إسرائيل مقترحات مع وفد الاستخبارات المصرية إلى قيادة حماس بخصوص صفقة التبادل، وكانت المرة الأولى في يوليو (تموز) الماضي، وتشمل تبادل جثامين القتلى الفلسطينيين، مقابل ما يعتقد أنها جثث لجنود إسرائيليين في غزّة، وعروضاً تتعلق بالإفراج عن عدد محدود من الأسرى من دون أن تشمل أصحاب الأحكام العالية المتهمين بالوقوف خلف هجمات أسفرت عن قتلى.
فور استلام المقترح، رفضته الحركة، ويقول رئيس الدائرة السياسية فيها محمود الزهار، "مقترحات تل أبيب لا تلبي مطالبهم، ولا يمكن الموافقة عليها بتاتاً، وعلى نتنياهو الاستجابة والرضوخ، لأن حماس لن تقبل بأقل من شروطها التي تحدثت عنها علناً وسراً، ولدى نتنياهو علم بها"، موضحاً أن الحكومة الإسرائيلية تتلاعب بمشاعر أهالي الجنود الأسرى، وتمارس الخداع بحقهم، بحجة أن هناك نافذة وفرصة لمثل هذه الصفقة.
بحسب الزهار، فإن هذا العرض كان مطروحاً في صفقة شاليط، ورفضته الحركة، موضحاً أن فكرة التصنيفات الإسرائيلية (جثث قتلى، أسرى أمنيون، ذوو الأحكام القليلة) مرفوضة، والقاعدة لدى حماس هي أسير إسرائيلي مقابل أسرى فلسطينيين، لافتاً إلى أن حركته هي التي ستضع لوائح الأسرى وأسماءهم المراد تحريرهم وليس تل أبيب، ويضيف، "إسرائيل تدور في الدائرة نفسها، بينما مطالب حماس واضحة، والفكرة الأساسية لصفقة التبادل التي ترغب فيها الحركة تتمثل في أسير مقابل أسرى لا يمكن أن نتركهم مقابل جثث أو طعام ومشاريع اقتصادية".
أمّا بخصوص المشاريع الاقتصادية، والمساعدات الطبيبة لمواجهة كورونا، فيشير الزهار إلى أن ذلك واجب على تل أبيب تنفيذه، خصوصاً أنها قوة احتلال وفقاً للقوانين الدولية، ومقايضة القطاع بهذه الجوانب تعد جريمة حرب يعاقب عليها القانون الجنائي.
الانتخابات لا علاقة لها
وإذ يتوقع مراقبون ألا تتوصل حماس قريباً إلى تبادل أسرى مع تل أبيب، لأنها تدرك أن بنيامين نتنياهو قريب جداً من إجراء انتخابات مبكرة، ينفي الزهار ذلك، قائلاً، "لا علاقة للأوساط السياسية في إسرائيل بالحديث عن موضوع التبادل، الأمر أن هناك ضغوطاً على رئيس الحكومة من عائلات الجنود وجهات أمنية ودولية، للقبول بصفقة بأيّ شكل".
يعلّق على ذلك الباحث في الشأن السياسي الإسرائيلي نائل عبد الهادي قائلاً إن إسرائيل دولة مؤسسات أو يسمى الدولة العميقة، ولا علاقة للانتخابات في الذهاب إلى صفقة أسرى، وهذا الملف من ضمن مهام المنظومة الأمنية التي لها أبعاد خاصة وطريقة عمل معقدة، ولا تتأثر بالمناخ السياسي في بلادها، ويشير عبد الهادي إلى أن الاجتماع الذي جرى مع المصريين كان يضم كبار القادة الأمنيين في تل أبيب، ولم يحضره أيّ إسرائيلي أو زعيم حزب ولا نتنياهو نفسه، لافتاً إلى أن إسرائيل تدرك أن حماس سترفض المقترح وهو كجولة استطلاعية، تستفيد منها لمعرفة شكل الصفقة المقبلة، وكيف ستكون؟ وما الثمن الحقيقي لها؟