بعد نحو أسبوع على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، وتوجه الأنظار إلى الشرق الأوسط ترقباً لرد إيراني محتمل قد يؤدي إلى انزلاق التوتر في المنطقة إلى مواجهة عسكرية، شن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، هجوماً شرساً وتصعيدياً على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مؤكداً أن طهران لن تعيد التفاوض بشأن ما توصلت إليه في الاتفاق النووي.
ومع تقلص عدد الأيام المتبقية لانتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب وتنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي أبدى استعداداً للتراجع عن خطوة سلفه والعودة إلى الاتفاق النووي إذا استأنفت طهران أولاً الالتزام الصارم به، فضلاً عن تعهده العمل مع الحلفاء "لتعزيز وتوسيع الاتفاق"، أكد ظريف أن إيران "لن تعيد التفاوض على الاتفاقية التي تفاوضنا عليها من قبل"، وأنها ستلتزم بها بشكل كامل إذا احترمت الولايات المتحدة وأوروبا التزاماتهما الأصلية.
وقال ظريف إن أطراف الاتفاق النووي قرروا ألا يشمل تفاوض عام 2015 برنامج بلاده الصاروخي والأمن الإقليمي، لـ"عدم استعداد الأطراف الأخرى لوقف أعمالهم الشريرة في المنطقة".
النظام الأميركي "المارق"
وفي كلمة ضمن منتدى "حوارات البحر المتوسط" الذي تستضيفه إيطاليا عبر تقنية الفيديو، طالب ظريف واشنطن الالتزام بتعهداتها تجاه مجلس الأمن الدولي، قائلاً إنها "انسحبت من الاتفاق النووي وليس من الأمم المتحدة".
وقال ظريف إنه عندما انسحب ترمب من الاتفاق، فإن الولايات المتحدة انتهكت بذلك قرار مجلس الأمن الدولي الذي يؤيده. وأضاف أن "الولايات المتحدة انتهكت الاتفاق بشكل كبير لأن إدارة ترمب كانت نظاماً مارقاً".
وتابع "الآن إذا كان الرئيس المنتخب بايدن يريد الاستمرار بهذا النظام المارق، عندها يمكنه الاستمرار بطلب إجراء مفاوضات لتنفيذ التزاماته"، مضيفاً "يجب على الولايات المتحدة أن توقف (...) وأن تنهي انتهاكاتها للقانون الدولي. الأمر لا يتطلب أي مفاوضات".
وفي مايو (أيار) 2018، انسحب ترمب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين الدول الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين) وإيران، قائلاً إنه غير كاف لكبح برنامجي إيران النووي والخاص بالصواريخ الباليستية، أو نفوذها في الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين، أعادت واشنطن عقوباتها الاقتصادية الصارمة على طهران، والتي كانت رُفعت بموجب الاتفاق.
وفيما لم تنسحب الدول الأوروبية والحليفة لأميركا من الاتفاق، إلا أن إيران اتهمتها بعدم الإيفاء بالتزاماتها لحماية الاقتصاد الإيراني من تبعات عقوبات الولايات المتحدة. وباشرت طهران تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق، فرفعت نسبة تخصيب اليورانيوم وكمية تخزينه، لتتجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه في الاتفاق النووي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأوروبيون "لم يلتزموا بالاتفاق"
وفي هذا السياق، جدد ظريف اتهام الدول الأوروبية بعدم الالتزام بالاتفاق، قائلاً "الأوروبيون يقولون إنهم يلتزمون بالاتفاق بشكل كامل، لكنهم ببساطة ليسوا كذلك... لا نرى أي شركات أوروبية في إيران، لا نرى أي دولة أوروبية تشتري نفطاً من إيران، لا نرى أي بنوك أوروبية تحول أموالنا لنا".
أضاف أن الإجراءات الأميركية تمنع الشركات الأوروبية من العمل في إيران، لتحطم الآمال التي تولدت بخصوص حدوث انتعاش هائل في التجارة بعد توقيع اتفاق 2015.
وأشار ظريف كذلك إلى أن بلاده تنتظر إدانة فرنسا وبريطانيا وألمانيا لاغتيال عالمها النووي فخري زادة "باعتباره عملاً إرهابياً".
وفي ما يتعلق بالقرار الذي أقره مجلس الشورى الإيراني الأربعاء، والذي يلزم الحكومة برفع مستوى تخصيب اليورانيوم عن الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي، وبوقف السماح لوكالة الأمم المتحدة بتفتيش مواقعها النووية، إذا لم تُخفف العقوبات عن طهران خلال شهرين، قال ظريف إنه على الرغم من أن الحكومة لا تحبذ القانون، فإنها ستطبقه.
وأضاف ، "لكنه ليس نهائياً. يمكن للأوروبيين والولايات المتحدة العودة للامتثال للاتفاق النووي ولن يتم تنفيذ هذا القانون، بل في الواقع سيتم أيضاً إلغاء الإجراءات التي اتخذناها... سنعود إلى الامتثال الكامل".
"جريمة ضد الإنسانية"
وفي سياق آخر، اتهم ظريف الولايات المتحدة بارتكاب "جريمة ضد الإنسانية" عبر "منع إيران من الوصول إلى المرافق الطبية"، موضحاً أن عقوباتها الاقتصادية كلفت الإيرانيين 250 مليار دولار وجعلت من المستحيل شراء الأدوية واللقاحات اللازمة لمكافحة فيروس كورونا الذي تسبب في خسائر فادحة لإيران.
وتعد إيران أكثر البلدان تضرراً من الوباء في الشرق الأوسط، وتخطى إجمالي عدد الإصابات فيها المليون، وسجلت أكثر من 49 ألف وفاة.
وقال وزير الخارجية الإيراني إنه يأمل في أن تسعى الدول العربية المجاورة، التي أقام بعضها في الآونة الأخيرة علاقات مع إسرائيل وهي العدو اللدود لإيران، للحوار مع طهران بمجرد خروج ترمب من البيت الأبيض".
أضاف، "نحن جيرانهم. سنبقى في هذه المنطقة معاً. لا أعتقد أنهم يرغبون في السماح لإسرائيل بنقل المعركة إلى إيران".